صحيح أن خبر إستشهاد المجاهدين المهندس وسليماني ورفاقهم الآخرين، كان له وقع الصدمة والفاجعة في نفوس الأكثرين، سوى قلة من الإنتهازيين و المضللين، إلا أنه لم يشكل المفاجأة التي كان يتوقعها بل ويتمناها، كل من سار على درب ونهج المقاومة، ونذروا أنفسهم قرابين، من أجل التخلص من الغطرسة الصهيونية والفوقية الأمريكية، على طريق هزيمة الإرهاب وتحرير فلسطين!
تراوحت التوقعات والتكهنات على طبيعة الرد الإيراني وحجمه وتوقيته، آخذت في الحسبان بعضها حكمة القيادة الإيرانية في الرد المتأني والمدروس، وأصوات أخرى رأت في ضرورة الإنتقام السريع، الذي سوف يشفي غليل الجماهير، في الأخذ بالثأر من المجرمين، وصون كرامة وإرث الشهيدين.
وإذا كان من حق الشهداء والكرامة الوطنية، أن الخطب الذي كان قرارا إستراتيجيا، والذي طالما دفع به الصهاينة حتى أخذ على عاتقه ترامب مباركته، فإن الرد المؤثر والعملي لا بد أن يكون بدوره قرارا إستراتجيا، الذي يفترض أن لا يقل أهمية إن لم يكن أعمق وأبلغ من الجريمة النكراء بنفسها، والذي لا يأخذ في الحسبان الغطاء الذي توفره له الشرعية الأممية في تحريم الإغتيالات السياسية وحسب، بل وتحرم إنتهاك قدسية وحرمة أراضي الغير، ولو كان كل ذلك واقعه نظريا.
مجلس الأمن القومي وبحضور السيد مرشد الثورة الإسلامية على غير العادة، سارع إلى الإنعقاد دون أن ترشح عنه رسميا بطبيعة الحال، أي إشارات عن طبيعة الرد ومكانه وزمانه، حيث ما لبثت الإدارة الأمريكية من خلال إن صدقت التسريبات، بدعوة الإيرانيين أن لا يكون حجم الرد، بما يكون خارج السيطرة عليه، وإن كانت بذلك تقر ضمنيا حق إيران في الإنتقام من الجريمة من ناحية، دون أن تغفل كالعادة عن التهديد بالوعيد إن تجاوز في حجمه، ما يمكن أن يمرغ في الوحل غرورها وفوقيتها من ناحية أخرى.
وبالتوازي معه ندد رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقية، السيد عادل عبد المهدي بالعملية الأمريكية التي وصفها “خرقا للسيادة الوطنية” وشروط تواجد القوات الأمريكية في العراق، متوجها في الوقت نفسه إلى البرلمان العراقي، داعيا إياه إلى إتخاذ القرارات التشريعية التي تحفظ كرامة وأمن وسيادة بلاده!
وإذ لا يساورنا أدنى شك بأن القيادة الإيرانية، تعرف كيفية الرد في المكان والزمان التي تحدده هي بنفسها، إنتقاما لأرواح شهداءها الأبرار والحفاظ على وصيتهم، فإن الذي يستوقفنا وكل غيور على مصلحة العراق في أمنه وإستقراره ومستقبله، إن كانت القيادة العراقية الحالية، سوف تغتنم الفرصة إن صدقت نواياها، التي فتحتها لها أبواب السماء وهي تواجه الإعتداء على كرامتها و سيادتها، ليس في إعادة النظر في الإتفاقيات الأمنية وحسب، بل في إلغائها من أساسها بعد أن أثبتت الأحداث عقم جدواها، حين وقع العراق بين عشية وضحاها، فريسة للإرهاب الداعشي، ومن ثم إعادة صياغة دستور عراقي يكتبه أبناء العراق بأنفسهم، بعيدا عن المحاصصات والمصالح الطائفية والحزبية؟!
الموت حق وليس أحقه عندما يتمناه، إلا من آمن بقدسية القضية، من غزة حتى إدلب، ومن كرمان حتى النجف، اللذين نذروا أرواحهم فداء لفسلطين ووحدة المصير والهدف.
د. أنور العقرباوي – كاتب وباحث فلسطيني واشنطن