الأحد , 17 نوفمبر 2024
Breaking News

قراءة متأنّية في ميثاق التعايش السلمي…بقلم محمد الرصافي المقداد

ألقى عليّ من لم يدرك حقيقة ما جرى هذه السنة على الساحة الشيعية التونسية، التّهمة بأنني جادّ في البحث عن إثارة ما يسيء لشخص بعينه، ويعرقل مشروعه في البلاد، وحتى لا يكون الكلام عمّا أقدم عليه هذا الشخص غير مقيّد بأدلّته الشرعية وعناصره المنطقية، تعالوا معي نتأنّى بالنظر في ميثاق تعايشه السلمي، لنرى مدى مشروعيته وفائدته على الساحة، ومن خلال هذا النظر يمكننا أن نُميّز ما ظهر منه.
قبل ذلك يجب علينا أن نعتبر من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لنتّخذ منها قدوة وأسوة، مصداق قوله تعالى:
(إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)(1)، لنرى أين حصل التعايش المؤمّل من الميثاق الذي أمضاه الشيخ أحمد سلمان، متطابقا مع السنّة النبويّة، ومستجيبا لأحكام السلم والصلح والتعايش التي حصلت زمن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فنستدلّ بها كمثال متوافق مع هذا الميثاق.
باستقرائنا لزمن النبي نجد أنه منذ هجرته إلى المدينة وجد فيها ثلاثة طوائف من اليهود( بني قريظة وبني قينقاع وبني النظير)  يتعايشون جنبا إلى جنب مع المسلمين، كاشفا منذ البداية، أن الإسلام لم يكن دين عدوان، ينتهك حقوق من عايشه وجاوره من غير المسلمين، ويرى العاملي أنّ هذه الوثيقة الهامّة تعتبر بمثابة دستور عمل، يتضمن أسس العلاقات في الدولة الناشئة، سواء في الداخل أو في الخارج.(2)
ولقائل أن يقول: ما هي الأسباب التي دعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى إمضاء معاهدته تلك مع اليهود(3)؟ جواب ذلك قد سبق القول فيه، بأنّ الإسلام دين تعايش أساسه الرحمة، ولم يكن مبنيّا إلا على السّلم والأمن، ولولا غدر المشركين ونقض اليهود مواثيقهم، لما واجههم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كان اليهود يشكلون ثقلا مُعتبرا في المدينة وخارجها ( خيبر وفدك )، ومن تأمّل في أبعاد تلك الحركة النبويّة النّابعة من صميم الوحي، أدرك فوائدها جيّدا، فقد أعطت قاعدة استقرار تعايش اجتماعي هادئ، مكّن المسلمين من تأمين داخلهم ومحيطهم، حيّدوا من خلاله اليهود مع علمهم بأنهم من ألدّ أعدائهم (ولتجدنّ أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا)(4) وكما هو معلوم، فإن اليهود كانت لهم نسبة معتبرة من الأنفس، إلى جانب العرب في تلك المناطق، وكان من الضروري القيام بذلك الإجراء السلميّ المدنيّ، في ظل تأسيس ونشوء النظام الإسلامي الفتيّ، الذي باشر النبي صلى الله عليه وآله وسلم تأسيسه بعد هجرته المباركة إلى المدينة.
فالضرورة التي دعته صلى الله عليه وآله وسلم إلى إبرام ذلك الاتفاق، غير موجودة بالنسبة للميثاق الذي أبرمه الشيخ أحمد سلمان، لا من جهة الأقليات المشاركة فيه، ولا من جهة قانونيته المدنية، أما من حيث الأقليات المشاركة فيه وهم البهائية، وقد يصدّق من قرأ نتيجة البحث في محرك ( Google) أن عدد البهائيين بحدود ال 25 ألف شخص(5)، ويبدو أنه مبالغ فيه إلى أبعد حدّ، فقد تلجئ الدعاية الكاذبة وأهلها، إلى تكبير النملة لتصبح بحجم فيل تهويلا لأشياء لا وزن لها في الواقع الإجتماعي لبلادنا.
والبهائيون طائفة من النّاس، قبلوا باتباع دين جديد، ظهر منذ قرن ونصف تقريبا، ليناقض الإسلام والنبي صلى الله عليه وآله وسلم، تكذيبا بأنه ليس الدين الخاتم للديانات، وقد أُعدم مؤسسه بهاء، وطورد أتباعه في إيران وباقي الدول العربية والاسلامية، فهو غير معترف به كديانة في إيران، ويتعرّض للعقوبة المشدّدة، كل من ثبت عليه أنه بهائي، بعدما أمسك النظام الإسلامي دلائل على علاقة وطيدة ربطت بين البهائيين والكيان الصهيوني، ولا يستبعد أن تكون الفكرة البهائية ناشئة من الصهيونية تماما كالوهابية، ومن هذه القناعات الحاصلة يبدو إتّفاق التّعايش السلمي مع هؤلاء غير مبرّر مطلقا.
يرجع دخول المعتقد البهائي تونس إلى عام 1921، على يد شيخٍ من شيوخ الأزهر، يُدعى محيي الدين الكردي، وهو اعتنق البهائية، وأرسله حضرة بهاء الله إلى تونس، ليعرِّف بالدين الجديد(6)، وكان مصيره الرفض من عموم الشعب،  ومع ذلك نشط اعضاؤه وأسسوا مركزا لهم لكن السلطات قامت بإغلاقه في عام 1984، واستجوبت البهائيين، سبقت ذلك حملة إعلامية تونسية على البهائية، وصفتها بـ(الحركة الهدامة وصنيعة الصهيونية)، وعقب الثورة، تقدم بعض البهائيين بطلب تأسيس جمعية مدنية هدفها خدمة البلاد، جوبه بالرّفض، بحجة أن الجمعية تحمل اسم الجمعية البهائية. (7)
أما إذا أضفنا إليه أقلّ القلّة من المرتدّين عن الإسلام إلى المسيحية الانقليكانية والكاتوليكية، ومن اطّلع على الفقه فهم حكم المرتدّ عن الإسلام،  وطامّة التورّط في إمضاء الشيخ أحمد سلمان للإتفاق مع هؤلاء أعظم وأطمّ، ولو أننا جمعنا هؤلاء مع بعضهم البعض، وزدناهم فوق ما يحتملون عددا، فلن يبلغوا نسبة 1% أبدا، مهما ضخّمنا أرقامهم، ونفخنا فيها من أساليب الإعلام المزيِّف عادة للحقائق.
إن ما يدفعنا للقول ببطلان هكذا إتّفاق – وهو مجرّد دعاية مجانية لشخص يريد ركوب موجة الظهور بأي طريق كانت – أنّ الدستور التونسي في مادّته السادسة ضامن للتعايش السلمي، دون الحاجة إلى اللجوء إلى القيام بمبادرة سخيفة، لا تقل دوافعها خطورة عمن تفتّقت بها عقليّته، ولو كان هناك اعتبار لضرورتها، ومساس الحاجة إليها، لكان من باب أولى القيام بها مع المكوّن الأكبر والمطلق للشعب التونسي، وهم من السنّة المالكية الذي يشكلون نسبة 98% من عموم الشعب، وهم غالبية يملكون قرار إبرام اتفاق معهم، مع أنني لست مع هذا التوجّه التفريقي البائس، وأرفضه رفضا قاطعا من حيث المبدأ، على أساس أننا جميعا مسلمون، صنعت السياسات القديمة أسباب تفرقتنا، فلا يجب بأيّ حال من الأحوال، أن نُسْلَبَ انتماءنا الإسلاميّ تحت أيّ غطاء ومبرّر، ( إنّ الدين عند الله الإسلام) (8)، فوق ما جاء من حثّ ودفع نحو وحدة الصفّ الإسلامي، وتمتين الألفة والأخوّة بين المسلمين قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) (9) وقوله جل من قائل: ( إن هذه أمّتكم أمة واحدة وأنا ربّكم فأعبدون) (10)
شأن الشيخ في أمضاء هذا الاتفاق بصفته الشخصية لا يعارضه فيه أحد، ولكن أن يُقدم على الامضاء عليه باللباس العلمائي الروحاني الشيعي، وتحت اسم مركز أهل البيت عليهم السلام، فهذا مما لا يقبله أي مؤمن شيعي باستثناء من اغتروا بمعسول كلامه، في اطلاقات وعوده بالحصول على رخص بناء حسينيات ومساجد وحوزات شيعية في تونس، وهي مجرّد وعود أراها بعين العقل، تأسيسا لحالة سيراها المكون السني المالكي استفزازا وتهديدا له، في ظل وجود مجال أقرب للقانون، في تأسيس جمعيات مدنية نشطة، تسهم في انعاش ثقافة التعايش الإسلامي العام في البلاد، والمساجد بيوت الله التي أذن أن تُرْفع، ومن الخطأ تسميتها سنية أو شيعية، بُعْدا لهذه التفرقة المقيتة، ورفضا لكل ما من شأنه أن يزيد من التنافر بين المسلمين، فهل سيَعِي الشيخ من تبعه على هذه المُحْدثاتِ أنّ الفكرة داحسة(11)، والرأي المنفرد به مدعاة فتنة لا يعلم نتائجها الكارثية سوى الله سبحانه، ولا نريدها أن تقع في تونس بأي حال من الأحوال، ونرفض أن تتحول مدننا ومناطقنا إلى أهداف وهابية، يقع فيها الأبرياء الغافلون، ضحايا تسيل فيها دماءهم، وما أغنانا عن هذه التأسيسات الخاسرة، سؤال يفرض نفسه يقول: طالما أن وراء أكمة نشاط الشيخ ومشروعه الظاهر أهداف خافية عنا، قد رفع العلم الأمريكي على سياستها، ومؤسسة التلاقي الممولة أمريكيا راعية لها، فكيف يأنس عاقل إلى ركن خبيث آوى إليه الشيطان الأكبر،  وهو عدو لنا مأمورين باتخاذه عدوا، بدأ يدعوا أوليائه الى الديانة الإبراهيمية الصهيو أمريكية، فهل من عقل رشيد يقول كلمة حق ويقف موقف صدق؟

المصادر

1 – سورة آل عمران الآية 31
2 – الصحيح من السيرة لجعفر مرتضى العاملي ج 2ص 129.
3 –  مغازي الواقدي ج1ص176/ أنساب الأشراف البلاذري ج2ص334/ فتوح البلدان البلاذري ص17/ تاريخ الأمم والملوك الطبري ج2ص479
4 – سورة المائدة الآية 82
5 – البهائية في تونس … 100 سنة لدين غير معترف به
https://tunigate.net/posts/
6 – البهائيون في تونس .. انتظروا اعترافا من الدولة فكفّرتهم
https://www.qposts.com/
7 – ما لا تعرفه عن الديانة البهائية بتونس
https://www.jomhouria.com/art527528 – سورة آل عمران الآية 19
9 – سورة آل عمران الآية 103
10 –  سورة الأنبياء الآية 92
11 – فاسدة

Check Also

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024