الإثنين , 25 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

قضية التدخل العسكري المصري في ليبيا ابعد من الامن القومي المصري…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

بينما قد يكون هنالك لمصر اسبابها ومبرراتها الخاصة للتدخل العسكري في ليبيا فإن ديناميكية الصراع الحالي الدائر في ليبيا يشير الى أن هذه الاسباب تذهب الى أبعد من قضية “الامن القومي” المصري. ما وراء الكواليس يشير الى ان مصر تتصرف في الموضوع الليبي كدولة أو طرف بالوكالة نيابة عن السعودية والامارات الضالعين والمنغمسين في حرب مجرمة في اليمن  منذ شهر مارس من عام 2015 استنزفت الكثير من موارد هذه الدول البشرية والعسكرية دون تحقيق أي من الشعارات السياسية الكاذبة التي رفعتها في بداية عدوانها الوحشي على هذا البلد المسالم. ولا يبدو في الافق القريب أو المتوسط ان قوى العدوان هذه من الممكن ان تترك اليمن لانها تعمل على تفتيت اليمن والسيطرة على أجزاء منه كغنيمة حرب تتقاسمها الامارات مع السعودية وخاصة في المناطق الجنوبية.

ومن الواضح ان هذه الدول ليس لديها القدرة على التحمل أو الامكانيات للقيام بتدخل خارجي أخر مباشر ومن هنا فإن الدولة المصرية التي تعتمد الى حد كبير على الدعم المادي والسياسي على السعودية والامارات تصبح بحكم الواقع الدولة الذي وقع عليها الاختيار لكي تقوم بحرب هذه الدول بالوكالة وحثها على التدخل في ليبيا من أجل حماية مصالحها. وهي حرب تشن على محورين أولهما على حركة الاخوان المسلمين  التي تسيطر على حكومة الوفاق في طرابلس والثاني ضد التدخل التركي في ليبيا لصالح الحكومة في طرابلس. فالسعودية والامارات كلاهما ترى ان في التدخل التركي في ليبيا يعزز من الدور التركي في المنطقة وبشكل أوسع في مكانة تركيا في العالم الاسلامي وإحتمال ان تستخدم تركيا موقعها في ليبيا للتدخل في شؤون دول عربية أخرى. هذا الى جانب دخولها على خط مصادر الطاقة على الاراضي الليبية وكذلك مصادر الطاقة في البحر الابيض المتوسط بعد الاكتشافات على انه يحوي في باطنه كميات كبيرة من الغاز الطبيعي. وتركيا تريد ان تقحم ليبيا في صراعها مع كل من اليونان وقبرص حول هذه المصادر وتدفع في ترسيم الحدود المائية لصالحها.

ومن الضروري ان نستذكر هنا أن دولة الامارات والسعودية كانتا من الدول الخليجية السباقة التي قدمت بلايين الدولارات الى مصر العسكر بعد الانقلاب عام 2013 على الحكومة المصرية المنتخبة والرئيس مرسي الذي ادى الى سيطرة العسكر والمجىء بالسيسي الى السلطة والذي عمد على التخلص من سلطة الاخوان المسلمين وقضى على المعارضة لنظام حكمه. وحينها قامت الامارات بتقديم 3 مليارات دولار أما السعودية فقامت بتقديم 5 مليارات دولار الى الاقتصاد المصري المتهاوي ولمنع إنهيار الدولة المصرية. وفي حقيقة الامر ان الدول الخليجية مجتمعة قدمت ما يقرب من 90 مليار دولار لمصر منذ الانقلاب الذي اشرنا اليه جاء معظمها من الامارات والسعودية والذي يبدو أن زمن سداد هذا الدين والخدمة الذي قدم لنظام السيسي قد حان وقته.

وقد اشارات بعض الصحف العربية الى أن هنالك ضغوطا تمارس على السيسي للتدخل في ليبيا لصالح قوات خليفة حفتر التي تعرضت الى هزيمة في محيط طرابلس وأضطرت الى التراجع نتيجة هذه الهزيمة. والان هنالك حشودات كبيرة مدعومة من تركيا للتقدم نحو المنطقة الغنية بالبترول على خط سرت الاستراتيجية الواقعة بالقرب من منطقة الهلال النفطي الذي ينتج ويصدر عن طريق الموانىء في تلك المنطقة ما يمثل ثلثي الانتاج الليبي من النفط. ومن هنا لم يكن مستغربا أن السيسي قد صرح بأن مدينة سرت خط احمر بالنسبة الى مصر وأن الجيش المصري سيتدخل في حالة أن إقتربت قوات حكومة الوفاق الوطني في طرابلس من هذه المدينة الاستراتيجية. وتحسبا لاية معارضة داخلية للتدخل المصري وخاصة نتيجة الاوضاع الاقتصادية المتردية في مصر الى جانب قضية سد النهضة الاثيوبي والذي يشكل خطرا وجوديا على مصر وشعبها قام السيسي بحركة استباقية استعراضية حيث دعى مجلس الشعب ليعطيه صلاحية إرسال قوات مصرية للقتال في خارج البلاد وطبعا المقصود هنا التدخل في ليبيا وليس الدفعا عن الامن المائي لمصر.

ومن الضروري ربما ان نشير هنا ان الدول الخليجية وخاصة الامارات على وجه التحديد لها تأثير كبير على المؤسسة العسكرية المصرية وذهب البعض للقول انها مسيطرة على هذه المؤسسة الى حد ليس بالقليل. فالامارات تحرص على حضور الاستعراضات العسكرية المصرية بشكل منتظم كما انها تحضر عمليات تدريب القوات المصرية على القتال والى جانب ذلك فهي تتوسط شراء صفقات الاسلحة للجيش المصري وتغطيتها ماليا. وهلى سبيل المثال فقد كانت الامارات طرفا رئيسيا في صفقة شراء طائرات رفاييل الفرنسية عام 2015 . ويرجح الكثير من المراقبين ان هذه الطائرات استخدمت حديثا لضرب بطاريات صاروخية تركية في إحدى القواعد الجوية التي أقيمت على الاراضي الليبية. ولا يمكننا تصور كيف لمصر ذات الاقتصاد المتدهور وعدم وجود احتياطي من العملة الاجنبية في بنكها المركزي تستطيع ان تعقد صفقة بقيمة 6 بليون دولار مع فرنسا دون ان يكون هنالك دعما خليجيا. فقد ضخت كل من الامارات والسعودية والكويت ما يقرب من 20 مليار دولار للبنك المركزي المصري.  وهذا ما يفسر انه وبالرغم من الحالة الاقتصادية الصعبة تقوم مصر بشراء الاسلحة من فرنسا وروسيا وغيرها من الدول بشكل غير مسبوق. وبناء على تقارير اممية صادرة عن منظمات تراقب بيع الاسلحة وشراؤها فإن مشتريات مصر من الاسلحة تضاعف بثلاث مرات في الفترة الواقعة بين 2015-2019 مما جعلها ثالث اكبر دولة في شراء الاسلحة عالميا. ومن المستحيل ان تقدم مصر على شراء هذه الكميات من الاسلحة وإقتصادها في حالة يرثى لها بدون دعم خليجي كبير جدا. وهذا ما يجعل النظام المصري ومؤسسته العسكرية عرضة للابتزاز الخليجي حتى لا نقول أكثر من هذا وخاصة وان معظم الدعم الخليجي والاماراتي على وجه التحديد يذهب الى المؤسسة العسكرية وشركاتها حيث تحولت هذه المؤسسة الى شركات إقتصادية تسيطر على اكثر من ربع الاقتصاد المصري.

 

شاهد أيضاً

هل سيتكرر سيناريو1982…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

عندما اجتاح جيش الكيان الصهيوني في عمليته “المحدودة” تحت إمرة السفاح شارون آنذاك ووصلت الى …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024