الثلاثاء , 26 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

كتاب (اللا بشر)=الإنتهاكات البريطانية السرية لحقوق الإنسان: الجزء الأول-العراق، الفصل الثالث

بقلم عزام محمد مكي |

 

خداع الجمهور: حملة العراق الدعائيىة

لقد تم اطلاق تعريفات عديدة في وصف مصطلح السياسة، ولكن في بريطانيا فان الملخص الجيد لها هو أنها فن خداع الجمهور. وأمام لجنة تحقيق برلمانية وبعد استقالتها من منصبها كوزيرة للتنمية الدولية ، أفادت كلير شورت عن “سلسلة من أنصاف الحقائق والمبالغات والتأكيدات التي لم تكن هي مايجعلنا ندخل في صراع [مع العراق] بحلول ربيع” 2003. [1] هذا في وجهة نظري، تصريح أضعف مما تقتضيه الحقيقة: كل الأدلة تشير إلى أن – على الأقل بالنسبة للعراق – بأن الجمهور قد خضع لحملة من الخداع المنظم من قبل الحكومة.

“ممثلو الظلمة يمارسون لعبتهم” [2]

في يونيو 2003 ، تم الكشف عن أن الحكومة البريطانية كانت تعمل منذ اثني عشر عامًا على الترويج لعملية تهدف إلى إنتاج معلومات استخبارية مضللة بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل. فقد تم إنشاء ’وحدة عملية روكينجهام’ من قبل المخابرات الدفاعية في عام 1991 لتوفير المعلومات التي تثبت أن صدام كان لديه برنامج مستمر لصناعة أسلحة الدمار الشامل، كما كان المطلوب منها إتلاف الأدلة التي تشهد على أن المخزونات من هذه الاسلحة قد تم تدميرها أو إتلافها.
وفقًا لسكوت ريتر ، كبير مفتشي الأسلحة السابقين في الأمم المتحدة، فإن وحدة عملية روكينجهام و MI6 (المخابرات البريطانية الخارجية) قاما:
بأضفاء الطابع المؤسساتي على عملية “انتقاء الكرز” التي أنتجتها عمليات التفتيش التي قامت بها الأمم المتحدة في العراق والتي حرَفت معلومات المخابرات البريطانية حول أسلحة الدمار الشامل العراقية نحو نتيجة مسبقة تتماشى مع سياسة الحكومة البريطانية أكثر مما كانت تعكس الحقيقة على الأرض.
وأضاف أنه “كان عليهم الحفاظ على الادعاء بأن العراق كان يمتلك أسلحة دمار شامل [عندما كان] Unscom [مفتشو الأسلحة التابعين للأمم المتحدة] يظهرون العكس”. [4] وقد تم تزويد هذه “المعلومة المخابراتية” إلى لجنة المخابرات المشتركة ، وهي الهيئة التي أعدت ملف سبتمبر 2002 الذي يزعم فيه استمرارية برامج أسلحة الدمار الشامل العراقية.
كان أحد التكتيكات المستخدمة في العملية ، وفقًا لريتر ، هو تسريب معلومات كاذبة عن الأسلحة للمفتشين، ثم عندما تكون عملية البحث عنها غير مجدية ، يتم استخدام ذلك كدليل على وجود الأسلحة. واستشهد بمثال من عام 1993 عندما أدت المعلومات إلى عمليات تفتيش لمكان يشتبه في أنه موقع صاروخ باليستي ؛ وعندما لم يجد المفتشون أي شيء، سمح “عملنا في البحث الذي أجريناه للولايات المتحدة والمملكة المتحدة بأن تقول إن الصواريخ كانت موجودة”. كشفت الحكومة في يناير 2004 أن وحدة عملية روكينجهام، استمرت حتى 2002/ 2003 بميزانية قدرها 79000 جنيه إسترليني.
وفي أواخر عام 2003 كشفت الصحافة عن عملية أخرى تسمى (المناشدة الجماعية) . وقد تم إطلاقها في أواخر التسعينات من قبل المخابرات البريطانية الخارجية (MI6) وتهدف إلى الحصول على دعم عام للعقوبات والحرب ضد العراق وتضمنت زرع قصص في وسائل الإعلام حول أسلحة الدمار الشامل العراقية. شارك سكوت ريتر شخصياً في هذه العملية في I997-1998 بعد أن اتصل به فريق من المخابرات البريطانية الخارجية (MI6) . وقال إن “الهدف كان إقناع الجمهور بأن العراق كان يمثل تهديدًا أكبر بكثير مما كان عليه في الواقع” ، وأن العملية تضمنت التلاعب بالمواد الاستخباراتية وأستمر هذا حتى غزو العراق.
ولتحقيق هذا الهدف، تم اختيار بولندا والهند وجنوب إفريقيا مبدئيًا كأهداف لهذه القصص الإعلامية ، بقصد أن تعود بعد ذلك إلى بريطانيا والولايات المتحدة. يلاحظ ريتر أن “القصص نشرت في وسائل الإعلام حول المنشآت السرية تحت الأرض وحول برامج [أسلحة الدمار الشامل] الجارية. وتم تزويد المخابرات الغربية بهذه القصص التافهة. وقال أيضًا إنهم “أخذوا هذه المعلومات ونشروها على وسائل الإعلام ، دوليًا ومحليًا ، مما سمح بظهور بيانات استخباراتية غير دقيقة على الصفحات الأولى”.[6] ويشير الصحفي الاستقصائي الأمريكي سيمور هيرش إلى أن برنامج الدعاية البريطانية كان معروفًا لعدد قليل من كبار المسؤولين في واشنطن. ونقل عن مسؤول سابق في إدارة كلينتون قوله “كنا نستعد للعمل في العراق، وكنا نريد أن يستعد البريطانيون كذلك”. وأخبره ضابط مخابرات أمريكي سابق أن عضوًا واحدًا على الأقل من فريق تفتيش الأمم المتحدة الذي دعم الموقف الأمريكي والبريطاني رتب لعشرات التقارير الاستخبارية غير المؤكدة والمعلومات السرية، ليتم توجيهها إلى عملاء المخابرات البريطانية الخارجية (MI6) وتمريرها بهدوء إلى الصحف في لندن وأماكن أخرى. وقال المصدر: “كانت المعلومات المخابراتية هراءًا ، ولم نتمكن من المضي قدمًا ، لكن البريطانيين أرادوا زرع قصص في إنجلترا وحول العالم”. يلاحظ هيرش أنه كانت هناك سلسلة من الاجتماعات السرية مع المخابرات البريطانية الخارجية (MI6) حيث تم توفير الوثائق مع عقد اجتماعات هادئة في منازل آمنة في منطقة واشنطن.[7] تم تأسيس حملات الدعاية البريطانية حول العراق قبل فترة طويلة من بدء المرحلة الجديدة في أواخر عام 2002. ففي الفترة التي سبقت الغزو ، أنشأت الحكومة (مركز معلومات التحالف) الذي يقع تقنيًا في مديرية معلومات وزارة الخارجية ولكن برئاسة أليستر كامبل وتتم ادارته من داونينج ستريت . كما ترأس كامبل لجنة أخرى عابرة للحكومة ، وهي (مجموعة الاتصالات العراقية). هذه الأجهزة هي التي لعبت دوراً رئيسياً في السيطرة على الحملة التي ضللت الجمهور بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية والتي أشرفت على إنتاج الملفات.[8] في مارس 2004 ، أصدرت لجنة الدفاع التابعة لمجلس العموم والتي تضم جميع الأحزاب تقريرًا يوضح أن “وزارة الدفاع كانت قد بدأت العمل على استراتيجيتها الإعلامية [بشأن العراق] منذ سبتمبر 2002 بالتشاور مع الأمريكيين”. كانت هذه الخطة الإستراتيجية “جزءًا لا يتجزأ من الخطة العسكرية الشاملة” و “تم تنسيقها عبر الحكومة مع اجتماع يومي بين الادارات للتنسيق الإعلامي برئاسة رئيس الوزراء”. إجمالا ، تم نشر حوالي 200 ضابط صحفي إضافي من قبل وزارة الدفاع “لدعم جهود الحملة الإعلامية”
وتلاحظ لجنة الدفاع أن نظام زرع الصحفيين في الجيش في العمليات في العراق – الذي وصفه وزير الدفاع بأنه “أحد أكثر الجوانب الجديدة للحملة الإعلامية” “ساعد في تأمين الرأي العام في المملكة المتحدة”. ويقتبس عن قائد القوات البرية البريطانية ، الجنرال بريمز ، أنه “من وجهة نظري … لا أحد منهم (الصحفيون المزروعون) قد خذلونا”. قال نائب الطيران مارشال توربي ، قائد القوات الجوية في غزو العراق ، أن طاقمه “راضون جداً عن التغطية التي حصلوا عليها”. وقامت لجنة الدفاع التابعة لمجلس العموم والتي تضم جميع الأحزاب، بالموافقة الشاملة على هذه العمليات بالكامل واوصت بزيادة تكثيفها في المستقبل.[9] ومن هذه القصص الإعلامية التي ربما تكون قد استندت إلى معلومات مضللة نشرها مسؤولون بريطانيون خلال عملية العراق تضمنت: “انتفاضة” مفترضة في البصرة وفاة صدام؛ ثلاث سفن شحن عملاقة قيل إنها تحتوي على أسلحة دمار شامل (نُشرت في الإندبندنت)؛ قيام صدام بقتل “رئيس مشروع الصواريخ” العراقي لإعاقة مفتشي الأمم المتحدة (نُشرت في صنداي تلغراف)؛ “تلميحات حول خطة تهريب أحجار كريمة لصالح صدام من تايلاند ” (غطتها صحيفة الصنداي تايمز) ؛ وقصة من “مخططي الحرب الأمريكيين والبريطانيين” عن أن العراق كان يعد “سياسة الأرض المحروقة قبل أي هجوم عسكري أمريكي” من أجل “هندسة أزمة إنسانية مدمرة ضد شعبه” (نُشرت في الأوبزرفر).[10] واستمرت الحملة الدعائية خلال فترة الاحتلال. في تشرين الثاني / نوفمبر 2003 ، كشفت صحيفة الجارديان أن الحكومة كانت تقوم بـتنظيم “هجوم إعلامي” يحمل الاسم الرمزي “أكتوبر الكبير” لإقناع الجمهور بدعم ماترتب عن حرب العراق. وأظهرت وثائق مسربة أن وزارة الدفاع وضعت الإستراتيجية في أيلول/سبتمبر ، في الوقت الذي كانت فيه بريطانيا والولايات المتحدة تواجهان معارضة متزايدة؛ وذكروا أن “الإدارة المعلوماتية تعتبر أداة للمساعدة في الحفاظ على الموقف الذي يمكن التحكم فيه”. حددت إحدى الوثائق أن “الهدف الرئيسي لوزارة الدفاع هو الجمهور ووسائل الإعلام في المملكة المتحدة بينما [الهدف الرئيسي] لمقر قيادة القوات البريطانية في البصرة هو الشعب العراقي”. كانت المسألتان الرئيسيتان اللتان كان يجب التأكيد عليهما من خلال وسائل الإعلام البريطانية هما : “الأمن في العراق – حاولوا الدفع بالأدراك الجمعي للتصور بأن العراق أصبح أكثر أمانًا” و “المرافق وإعادة الإعمار – حاولوا إثبات أن الخدمات والمرافق اصبحت جيدة إن لم تكن أفضل مما كانت قبل الحرب “. [11]

ما كان العراق بنظرهم يشكل تهديدا خطيرا

كانت هناك خرافتان تم تداولها على نطاق واسع في وسائل الإعلام الرئيسية: أولاً ، أنه كان هناك ببساطة “فشل استخباراتي ” كبير بشأن العراق؛ وثانيًا، لقد تصرف الوزراء بحسن نية عند تقديم وجهة نظرهم للرأي العام بشأن التهديد الذي كان يشكله العراق، ولكن ببساطة كانوا على خطأ. وكان هدف تداول هذه الخرافات فقط من اجل إخراج الحكومة من مأزقها وحماية النظام الذي يصنع القرار فعليا.
عندما نُشر تقرير بتلر ، كتبت الإيكونوميست افتتاحية عن بوش وبلير بعنوان “مخادعون مخلصون”. وقد أشارت الى أنه “في تقديم قضية غزو العراق الذي حدث العام الماضي، كانوا صادقين بشأن ما يعتقدون”. كان يمكن فهم مثل هذا “الفن في البيع السياسي “، حول ان العراق يشكل تهديد إذا اخذنا بالإعتبار ” التشكك الواسع الانتشار بشأن ما إذا كانت الحرب هي الحل الصحيح “. وبالمثل ، أشارت افتتاحية نيو ستيتسمان إلى أن بلير”كان مخطئا”، مضيفًا أن “بلير كان تقريبا متأكدا بانه كان صادقا عندما قال ” بعدم وجود شك لديه ” في أن تهديد الديكتاتور العراقي كان” خطيرًا ومستمرا”. لذا فقد اقترف بلير “تقدير حكم كارثي” و “فشل في القيام بواجب منصبه”.
والحقيقة هي عكس ذلك تماما. يتضح من نتائج لجنتي تحقيق هوتون وبتلر أن المعلومات الاستخباراتية المقدمة للوزراء كانت غامضة وغير مؤكدة بشأن وجود تهديد عراقي. ويشير تقرير بتلر إلى أنه بعد رحيل مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة في عام 1998 ، “كانت مصادر المعلومات ضئيلة، خاصة حول برامج الأسلحة الكيميائية والبيولوجية العراقية”. ظل عدد المصادر الاستخباراتية البشرية الأولية قليلًا ، بينما لم يكن لدى MI6 بشكل عام وكلاء لديهم معرفة مباشرة ببرامج العراق النووية أو الكيميائية أو البيولوجية أو الباليستية. ونتيجة لذلك ، كانت تقارير المخابرات استنتاجية بشكل رئيسي.
كانت تقارير لجنة المخابرات المشتركة تقول بشكل مختلف أن المعلومات الاستخباراتية عن أسلحة الدمار الشامل العراقية كانت “غير مكتملة” أو “غير واضحة” أو “محدودة” أو “فقيرة” ، بينما أشارت إلى أن “هناك القليل من المعلومات الاستخباراتية” و “الصورة لدينا كانت محدودة”. جاء في تقرير لجنة الاستخبارات المشتركة قبل أسابيع قليلة من إصدار ملف الحكومة في أيلول/سبتمبر 2002 أنها “لا تعرف سوى القليل عن مجريات العمل حول الأسلحة البيولوجية والكيميائية في العراق منذ أواخر عام 1998”. [13] في مارس 2003 ، قدمت لجنة المخابرات المشتركة تقييمًا أوضح، وفقًا للحكومة ، إلى:
إن المعلومات الاستخبارية عن توقيت استخدام العراق للأسلحة الكيماوية كانت غير متناسقة وأن المعلومات حول إنتشار هذه الاسلحة كانت قليلة. معلومات استخبارية تشير إلى أن الأسلحة الكيماوية ظلت غير مركبة ولم تكن هناك اية إضائة حول وجود امر من صدام لتجميعها.
كما أشارت لجنة الاستخبارات المشتركة إلى أن معلومات استخبارية أخرى تشير إلى أن الصواريخ الباليستية العراقية التي يبلغ مداها 750 كيلومترًا لا تزال غير مركبة وأن الأمر سيستغرق “عدة أيام لتجميعها بعد إصدار أوامر بذلك”. كما لاحظت الحكومة “عدم اليقين بشأن التقييمات ونقص المعلومات الاستخبارية التفصيلية” التي قدمتها لجنة الاستخبارات المشتركة. [14] في تموز/ يوليو 2003 ، أصدرت وزارة الدفاع تقريرًا بعنوان “عمليات في العراق: تأملات أولية” ، أشار إلى أنه “لم يُعرف سوى القليل جدًا عن كيفية تخطيط [القوات العراقية] لمقاومة التحالف أو ما إذا كانت لديها الإرادة للقتال”. ربما قد “يستخدم النظام” أسلحة الدمار الشامل، إذا كان استطاع أن يجعل القدرات متاحة للاستخدام التشغيلي”. [15] هذا الاعتراف بأنه لم يكن يُعرف إلا القليل عن القدرات العراقية ، والذي يتماشى مع تقارير لجنة الاستخبارات المشتركة المذكورة أعلاه ، يتناقض بشكل صارخ مع التأكيدات التي تبين بان العراق كان يشكل تهديدا، والواردة في ملف أيلول/سبتمبر 2002 وأماكن أخرى ، والتي تم تقديمها للجمهور في ذلك الوقت.
وفقا لوزير الخارجية السابق روبن كوك ، ربما كان توني بلير يعرف قبل أسبوعين من الحرب أن العراق ليس لديه أسلحة دمار شامل. فيعيد كوك الى الاذهان تقرير موجز قدمه رئيس لجنة الاستخبارات المشتركة (جون سكارليت) في 20 شباط/فبراير2003. يلاحظ كوك أن:

عندما عرضت عليه استنتاجي بأن صدام لم يكن لديه أسلحة دمار شامل بعيدة المدى ولكن قد يكون لديه أسلحة كيميائية في ساحة المعركة ، وافق على الفور. عندما سألته عن سبب اعتقادنا بأن صدام لن يستخدم هذه الأسلحة ضد قواتنا في ساحة المعركة ، فاجأني بالادعاء أنه من أجل تجنب مفتشي الأمم المتحدة ، قام صدام بتفكيك القذائف وتوزيعها على مناطق متباعدة – ونتيجة لذلك أنه سيكون من الصعب تهيأتها للقتال في حلة حدوث هجوم. ليس فقط أن صدام لم يكن لديه أسلحة دمار شامل بالمعنى الحقيقي لتلك العبارة ، كما لم يكن لديه أسلحة قابلة للاستخدام في ساحة المعركة.
ويذكر كوك أنه في 5 آذار/مارس طرح على بلير هذه النقاط، مشيرًا إلى “أنه أعطاني نفس الرد الذي قدمه جون سكارليت ، وهو أن أسلحة ساحة المعركة قد تم تفكيكها وتخزينها بشكل منفصل. لذلك شعرت بعد عام من ذلك بالحيرة بعد سماعي له يقول إنه لم يكن في معلومه قط، أن أجهزة المخابرات لم تعتقد أن صدام كان يمتلك أسلحة دمار شامل بعيدة المدى”.[16] ومن المؤكد فأن بلير قد قال، وقبل عام تقريبًا ، في آيار/مايو 2002 ، أنه “لا يوجد شك في ذهني” أن العراق أخفى أسلحته وأنه “سيكون من الصعوبة عليهم بمكان، إعادة تركيب تلك االاسلحة لاستخدامها في حالة نشوب الصراع “. [17] على الرغم من أن المعلومات المقدمة للوزراء كانت غامضة وغير مؤكدة ، مع ذلك توصلت لجنة الاستخبارات المشتركة بشكل يثير التعجب، الى استنتاج مفاده أنه من المحتمل ان يمتلك العراق بعض أشكال من أسلحة الدمار الشامل – وهذا ما تم تفسيره على أنه “فشل” استخباري. ومع ذلك ، فإن القضية الحاسمة هنا هي أنه ، كما يوضح تقرير بتلر ، كان ينظر إلى امكانية استخدام العراق لأسلحة الدمار الشامل على أنه تهديد فقط رداً على الغزو. كانت الاستخبارات تقول للوزراء إن العراق لم يكن يشكل تهديداً يذكر على الإطلاق.
يشير تقرير لجنة الاستخبارات المشتركة الصادر في سبتمبر 2002 إلى أنه “في مواجهة احتمال هزيمة عسكرية وإزاحته من السلطة ، من غير المحتمل أن يتم ردع صدام عن استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية بأي وسيلة دبلوماسية أو عسكرية”. كما أشارت إلى أن “استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية قبل أي هجوم عسكري سيعزز الدعم للعمل الذي تقوده الولايات المتحدة وهو أمر غير مرجح”. ومع ذلك ، عندما تم إدخال هذه المعلومات الاستخباراتية في ملف أيلول/سبتمبر 2002 ، فأنه قد قُرأت ببساطة: “إنها [الاستخبارات] تُظهر أنه لا يعتبرها [أسلحة الدمار الشامل] إلا أسلحة الملاذ الأخير”. [18] وهذا يثير قضية أخرى لأولئك الذين يقبلون بأن الوزراء كانوا يعتقدون حقًا أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل – وأنهم كانوا على استعداد لإعطاء الاذن بالغزو مع العلم أن هذا هو الاستفزاز المحتمل للعراق لاستخدامها.
بعد غزو العراق ، قال وزير الخارجية جاك سترو أمام لجنة تحقيق برلمانية أنه قبل الحرب لم يكن هو ولا بلير قد استخدموا عبارة “تهديد فوري أو وشيك” لوصف العراق ، لكنهم تحدثوا عن “تهديد مستمر وخطير”. وهو أمر مختلف للغاية “. وأضاف سترو: “لم نستخدم المفردات: وشيكة؛ ستحدث قريبًا؛ على وشك الحدوث اليوم أو غدًا، لأنه من الواضح ان الادلة المتوفرة لاتبرر ذلك”. [19] وبعبارة أخرى ، كان يمكن أن ننتظر عمليات التفتيش عن الأسلحة ، الشئ الذي كان من المحتمل به تجنب وفاة الآلاف من الأشخاص.
بينت إحدى رسائل البريد الإلكتروني التي برزت من ضمن وثائق لجنة هوتون التحقيقية والتي تمت تغطيتها اعلاميا بشكل جيد في ذلك الوقت، بأن جوناثان باول، رئيس موظفي بلير، أثار شكوكاً جدية بشأن مسودة ملف أيلول/سبتمبر:
الوثيقة لا تبين اي شيئ يثبت وجود تهديد، ناهيك عن تهديد وشيك من صدام … سنحتاج إلى اصدار وثيقة نبين بها باننا لا ندعي وجود أدلة لدينا تدل على أنه يشكل تهديدًا وشيكًا. [20] وذكر باول أيضا أن واضعي صياغة الملف بحاجة إلى توضيح بأن صدام لا يمكنه الهجوم في الوقت الراهن. الفرضية يجب ان تتضمن، بأنه(صدام) يمكن أن يكون تهديدًا للمملكة المتحدة في المستقبل إذا لم تتم مراقبته. [21] مع ذلك وبعد أسبوع من ذلك، أطلق بلير الملف، مع وجود تحذير من أن العراق يمكنه نشر أسلحة دمار شامل خلال 45 دقيقة حين صدور الأمر بذلك.
كما تم توضيح عدم وجود تهديد حقيقي من العراق في تقرير صادر عن وكالة استخبارات الدفاع التابعة للبنتاغون ، تم تسريبه إلى وسائل الإعلام في حزيران/يونيو 2003. وذكر ملخص حصلت عليه )سي إن إن( أنه “لا توجد معلومات موثوقة حول ما إذا كان العراق ينتج ويخزن أسلحة كيميائية أو ماهي الأماكن التي سيقيم العراق المرافق اللازمة لإنتاج مواد الحرب الكيماوية”. تم إصدار هذا التقرير في سبتمبر 2002 ، وهو نفس الشهر الذي صدر فيه الملف البريطاني. [22] لقد علق روبن كوك بشكل معقول على أن العديد من التأكيدات الصارخة في ملف سبتمبر 2002 لم تتكرر في المناقشات في عشية الغزو آذار/مارس – بحلول هذا الوقت ، لم تكن هناك إشارة إلى أن الأسلحة جاهزة في 45 دقيقة؛ إلى ان العراق يسعى لشراء اليورانيوم من النيجر أو لبرنامج أسلحة نووية أعيد تشكيلها. لقد كانت حجته هي أنه إذا لم تكن الحكومة قد عرفت في ذلك الحين في سبتمبر 2002 أن العراق لا يمثل تهديدًا حقيقيًا ، فقد قامت بذلك بالتأكيد بحلول مارس 2003، عندما قامت بشن الحرب. [23] وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن ملف سبتمبر 2002 – وهو الركن الرئيسي لقضية الحكومة البريطانية بأكملها ضد العراق – لم يقدم دليلاً فعليًا على وجود تهديد من العراق. ذكرت صحيفة الغارديان في ذلك الوقت أن “مسؤولي الحكومة البريطانية اعترفوا سرا أنه ليس لديهم أي” دليل حاسم” حول أسلحة الدمار الشامل. لوا كان لديهم مثل هذا الدليل، لكانوا قد مرروه بالفعل إلى المفتشين. في اليوم السابق لإعلان بلير أن الملف سيُنشر قريباً ، نُقل عن مصدر في الحكومة البريطانية قوله إن الملف يستند إلى معلومات تم العثور عليها في الاعوام حتى عام 1998، عندما انسحب المفتشون من العراق، وأنه “لم تحتوي هذه المعلومات سوى القليل جدًا”. [24] ومن الجدير بالذكر أيضًا أن ملف سبتمبر 2002 لم يكن أول ملف تقدمه الحكومة لإعداد البلاد للتدخل العسكري. قبل قصف أفغانستان ، أصدرت الحكومة تقريرًا بعنوان “المسؤولية عن الفظائع الإرهابية في الولايات المتحدة، 11 أيلول/سبتمبر2001” ، حيث قدمت القضية ضد القاعدة. ويشمل ذلك إشارات مختلفة إلى “الاستغلال الكبير المزعوم للقاعدة لتجارة المخدرات غير المشروعة من أفغانستان”. وأضافت أنه “في ربيع عام 1993 شارك نشطاء من القاعدة في الهجوم على أفراد عسكريين أمريكيين يخدمون في الصومال”. [25] لقد كانت اتهامات كاذبة انتهى بها المطاف الى (القدر) مثل كثير من التلفيقات على العراق.
يعلق الصحفي في صحيفة (الأوبزرفر-Observer) جيسون بيرك في كتابه عن القاعدة قائلاً:
لابد أن المتخصصين في المخابرات البريطانية قد علموا أن الملف الذي قدموه لرئيس الوزراء للكشف عنه للبرلمان والجمهور البريطاني لتبرير التورط في صراع كبير تضمن مواد كاذبة بشكل واضح ، لكنهم شعروا أن الحرب في أفغانستان بحاجة إلى خوضها وأن هنالك حاجة لجعل الجمهور مقتنع بذلك. [26] وحتى بعد مرحلة القصف وانهيار طالبان استمرت الدعاية الإعلامية الحكومية عن أفغانستان بشكل جيد. فعلى سبيل المثال ، نشرت الأوبزرفر في آذار/مارس 2002، قصة تحت عنوان “قصة اكتشاف في كهف أفغاني” تم اختلاقها “لتبرير إرسال مشاة البحرية”. وذكرت الصحيفة أن:
لقد تم اتهام بريطانيا في الليلة الماضية، بالادعاء الكاذب أن إرهابيي القاعدة قاموا ببناء معمل “أسلحة بيولوجية وكيميائية” في أفغانستان لتبرير نشر 1700 من مشاة البحرية الملكية للقتال هناك. وجاءت هذه المزاعم في أعقاب إفادة صحفية أدلى بها مسؤول كبير في في الحكومة البريطانية للصحف يوم الجمعة زعمت أن القوات الأمريكية اكتشفت مختبرا للأسلحة البيولوجية في كهف بشرق أفغانستان … وقد تم نفى هذا الادعاء الذي نقلته عدد من الصحف أمس بشكل قاطع الليلة الماضية من قبل مصادر البنتاغون ووزارة الخارجية. [27] تشير هذه السابقة إلى امكانية توقع مثل هذه المزاعم المزيفة بشأن العراق. إن استمرار العديد من الصحفيين في التلاعب يظهر الدرجة التي تتميز بها التقارير الإخبارية السائدة بالخداع الذاتي المتعمد.

ان مسألة الذهاب الى الحرب كانت ملفقة

بشكل مثير للدهشة، تمت تبرّأت الحكومة من “تضليل” المعلومات الاستخبارية، من قبل لجان برلمانية مختلفة وكذلك لجنة تحقيق (هاتون). في العالم الواقعي ، تشير جميع الأدلة إلى أن قضية خوض الحرب لم تكن مجرد “عملية تجميل لكسب الانظار” ولكنها ملفقة بشكل واعي ومتعمد؛ كانت هناك حاجة لذلك، بالنظر إلى معطيات التهديد الذي يشكله العراق. كانت عصابة بلير عازمة جدًا على تعزيز مصالحها التي تفترضها من خلال الغزو، والتي كانت من نتائجها استراتيجية خداع عام كانت تسعى لتبرير خوض الحرب. يُظهر هذا مدى كم هي بعيدة المصلحة الوطنية عن مصالح هذه النخبة الضيقة المسؤولة عن صنع السياسة.
وامام لجنة تحقيق برلمانية بينت كلير شورت بأن “الإيحاء بوجود خطر تجهيز أسلحة كيماوية وبيولوجية كأسلحة قادرة على تهديدنا في فترة وجيزة، كان خداعًا. وهذا الايحاء لم يكن مصدره الأجهزة الأمنية”. وعندما سُئلت عما إذا كانت تعتقد أن الوزراء بالغوا في استخدام المواد الاستخباراتية ، أجابت: “بان ما اقترحه كجواب هو، نعم”. لقد تم القيام بذلك من أجل “جعله [التهديد] أكثر إلحاحًا ، وأكثر وشيكًا ، ويتطلب إجراءً عاجلاً”.[28] وقد ظهرت من اعمال لجنة تحقيق (هاتون)، رسائل بريد إلكتروني مختلفة مرسلة من مسؤولين في داونينج ستريت، وصفتها صحيفة الجارديان بأنها “محاولة محمومة لإنتاج ملف يبرر العمل العدواني ضد صدام حسين. وفي مدى أسبوعين والافتقاد تقريبا لوجود دليل جديد – عدى “تحذير 45 دقيقة” السيئ السمعة – قلب مساعدوا بلير السياسة البريطانية تجاه العراق رأسًا على عقب “. [29] كتب مسؤول صحفي في الحكومة البريطانية ما يلي:
الكثير من الأدلة التي لدينا هي ظرفية إلى حد كبير ، وعلى هذا نحتاج إلى أن نخبر قرائنا أن تراكم هذه الحقائق يوضح وجود تصميم من جانب صدام – وسيكون من الافضل لنا لو استطعنا توجيههم للوصول الى هذه القناعة بأنفسهم بدلاً من ان يقبلوا الاحكام التي نصدرها. [30] كما كتب أنه “كلما أشهرنا أن المعلومات غير المؤكدة (على سبيل المثال ، يولي صدام أهمية كبيرة لامتلاك أسلحة الدمار الشامل) مصدرها المخابرات يكون ذلك أفضل”. هذا يجب أن “يضيف إلى الشعور بأننا نقدم أدلة حقيقية”. وكتب مسؤول صحفي في داونينج ستريت بالمثل: “هل يمكننا أن نبين لماذا نعتقد أنه [صدام] ينوي استخدام [أسلحة الدمار الشامل] للعدوان، بدلاً من القول انه للدفاع عن النفس؟” ذكرت صحيفة الغارديان أيضًا أن جوليان ميلر ، نائب جون سكارليت ، كان يعقد اجتماعات مع موظفي الإعلام في الحكومة للتأكد من أن الجميع “على المسار الصحيح”. [31] في المواد الاعلامية المخصصة للاستهلاك العام ، حولت الحكومة الاحتمالات المتعلقة بالقدرات العراقية إلى حقائق مؤكدة وأزالت التحفظات الحيوية. لإعطاء ثلاثة أمثلة في عملية صياغة ملف سبتمبر:
• ذكر الملف أن العراق “يواصل إنتاج أسلحة كيماوية وبيولوجية”. ومع ذلك، وبحسب لجنة المخابرات والأمن بالبرلمان، فإن لجنة الاستخبارات المشتركة “لم تعرف ما تم إنتاجه وبأي كميات”.
• نصت مسودة المقدمة التي كتبها بلير للملف على ما يلي: “القضية التي أقوم بها ليست أن صدام يمكنه شن هجوم نووي على لندن أو أي جزء آخر من المملكة المتحدة (لم يستطع)”. تم حذف هذا من الوثيقة النهائية.
• رسالة بريد إلكتروني من جوناثان باول علق فيها على مسودة للملف ذكرت أن الادعاء بأن صدام لن يستخدم أسلحة كيماوية أو بيولوجية إلا إذا كان نظامه تحت التهديد، تشكل “مشكلة صغيرة”. لذلك تمت إعادة صياغة المقطع وأزيلت كل الإشارات إلى استخدام صدام الدفاعي لهذه الأسلحة ، تاركًا انطباعًا بأن بريطانيا كانت على بعد 45 دقيقة من التعرض لهجوم. [32] صرح بريان جونز، وهو مسؤول كبير سابق في وحدة استخبارات الدفاع (DIS) ، بأنه “اثناء إعداد الملف تم نقض الخبراء من محللي الاستخبارات في وحدة الاستخبارات الأمنية ” مما أدى إلى “تقديم عرض كان مضللاً بشأن قدرات العراق”. وقد أشار ايضا إلى أن القيادة في مجمع الاستخبارات … والتي كان لها الكلمة الأخيرة بشأن التقييم المقدم في الملف. ‘أخبر جونز لجنة تحقيق هاتون أن موظفيه أخبروه’ بعدم وجود دليل على حدوث إنتاج كبير فيما اذا كان على صعيد انتاج عوامل الحرب الكيميائية او على صعيد انتاج الأسلحة الحاملة لرؤوس كيماوية “. لكن” الانطباع الذي كان لدي هو … الستائر كانت تنزل على هذه الورقة بالذات [أي ملف أيلول/سبتمبر] ، حيث كان الجدل قد وصل الى الخلاصة المطلوبة “. وبالمثل صرح موظف مدني في وزارة الدفاع بإن “الفهم كان أن الملف قد تم تدويره عدة مرات من أجل محاولة إيجاد شكل من الكلمات التي من شأنها تعزيز أهداف سياسية معينة”.[33] لقد تم بالتأكيد “اختلاق” القضية ضد العراق من قبل موظفي الحكومة البريطانية وبعض كبار مسؤولي “المخابرات”. وحسبا لريتشارد نورتون تايلور من صحيفة الغارديان، فإن جون سكارليت ” وبشكل يائس تم إغوائه من قبل زمرة بلير. فتحت سيطرة سكارليت، قام كتبة الملف بادخال المسائل حسب ما اقترحته حكومة توني بلير. كما قاموا ايضا بحذف بعض المواد من الملف . وأشار روبن كوك إلى أن جون سكارليت كان مدركًا للغاية أن رئيس الوزراء توقع منه أن يأتي بمبرر لشن الحرب “. [34] اقترح أليستر كامبل أكثر من عشرة تغييرات منفصلة على مسودة الملف الخاص بالعراق. فكان رد سكارليت بالقول إن اللغة قد تم “تشديدها”. ولكن كامبل اقترح بشكل حاسم، أن كلمة “ربما” كانت ضعيفة ويجب استبدالها بكلمة “تكون” وعلى هذا فعندما تم نشر الملف، كان التأكيد على أن العراق يمتلك أسلحة “يمكن نشرها وجاهزة للأستخدام في غضون 45 دقيقة من الأمر باستخدامها”. [35] كما اقترح كامبل أيضًا تغييرًا مهمًا آخر في الملف. فقد نصت مسودة الخامس من سبتمبر / أيلول على أنه بعد رفع العقوبات “نحن نقدر أن العراق سيحتاج إلى خمس سنوات على الأقل لإنتاج سلاح [نووي]. سيكون التقدم أسرع بكثير إذا كان العراق قادراً على شراء المواد الانشطارية” في مذكرة بتاريخ 17 أيلول/ سبتمبر، كتب كامبل إلى جون سكارليت أن رئيس الوزراء، كان قلقًا، مثلي، بشأن الطريقة التي قمت بالتعبير بها عن القضية النووية … ألا يمكننا العودة، في المواعيد ، إلى “جهاز مولد للإشعاع” في شهور ؛ قنبلة نووية في 1-2 سنوات بمساعدة ؛ 5 سنوات بدون عقوبات. وقد نصت الوثيقة النهائية على أن “العراق يمكن أن ينتج سلاحا نوويا في فترة تتراوح بين عام وسنتين”. [36]

45 دقيقة

ربما يكون الشيء الأكثر إثارة للدهشة في ادعاء الـ 45 دقيقة هو أن أي شخص ممكن ان يقع في هذه الضجة الواضحة. يبدو أن ديفيد كيلي كان قد “ضحك للتو بشأن ادعاء الـ 45 دقيقة” ، معتقدًا أنه “مثير للضحك”.[ 37] ولو كان الصحفيون قد فعلوا الشيء نفسه، لكانت حجة الحكومة لغزو العراق قد انهارت.
وقد اعترف وزير الدفاع جيف هون أنه عند نشر الملف كان يعلم أن الادعاء بأن العراق يمكنه إطلاق أسلحة في غضون 45 دقيقة يشير فقط إلى “ذخائر ساحة المعركة” مثل القذائف. أي أنه لا يمكن أن يستخدمها العراق إلا للرد على الغزو. افترضت العديد من التقارير الصحفية (وكانوا ملتزمين بإخلاص بنشر الدعايات كحقائق) أن الادعاء يتعلق بصواريخ استراتيجية أو صواريخ بعيدة المدى؛ واقترحت إحدى الصحف أن بإمكان هذه الصواريخ الوصول إلى قواعد في قبرص. أخبرت كلير شورت تحقيقًا برلمانيًا أنه في العديد من الإحاطات الشفوية والمكتوبة التي تلقتها من أجهزة المخابرات ، لم يكن إدعاء ال45 دقيقة واحد من الملامح في الملف. [38] وكان جون سكارليت، رئيس لجنة المخابرات المشتركة، هو الذي أخبر لجنة تحقيق (هاتون) أن الادعاء كان يهدف فقط الإشارة إلى أسلحة ساحة المعركة قصيرة المدى. ووفقًا لما نسبته صحيفة الغارديان لمصادر مطلعة، بان كل من سكارليت والسير ريتشارد ديرلوف، رئيس جهاز المخابرات البريطانية (MI6)، بعدما قرأوا تقرير الاستخبارات في نهاية آب/أغسطس، إفترضوا بأن إدعاء (تحذير 45 دقيقة) يشير فقط إلى أسلحة قصيرة المدى في ميدان المعركة.[39]” وكان يراد من تقرير لجنة (هاتون) ان يجعلنا نصدق أن بلير، وهو المعروف بأنه بنهمه الشديد “للمعلومات الاستخباراتية” ، لم يكن يعرف ذلك.
عندما سُئل رئيس الوزراء، في البرلمان عن عدد المناسبات بين كانون ثاني/يناير وآيار/مايو 2003، قد تمت إثارة ادعاء الـ 45 دقيقة، أجاب: “على حد علمي ، لا شيء”. وهذا يتوافق مع ما قاله جيف هون في لجنة تحقيق لجنة الدفاع، بأنه في الفترة التي سبقت الغزو قام بانتظام بتقديم تلخيص لرئيس الوزراء و:
لو كانت هذه [أي ادعاء ال 45 دقيقة] قضية مهمة فيما يتعلق بقرار نقل البلاد إلى الحرب، فأنا متأكد من أن هذه القضية كانت ستظهر في المحادثات بيننا، ولكن، كما اشدد، لم تكن تلك قضية مهمة. [40] من المحتمل أن يكون (هون) صادقًا – لم تكن هذه القضية مهمة على الإطلاق لقد كان مفهوما بأنها لاتمت للحقيقة؛ ويبدو أنها كانت مخصصة للعلاقات العامة فقط. فقد أشار تقرير (بتلر) إلى “شكوك” في أن الادعاء قد أُدرج في ملف سبتمبر فقط بسبب طابعه “اللافت للنظر”.[41] وكما نعلم ايضا فأن “المعلومات الاستخبارية” حول هذا الادعاء، والتي ظهرت بأعجوبة في نهاية آب/أغسطس 2002 ، قبل أن تبدأ الحكومة في إعداد ملفها ، كانت غامضة للغاية. وان المصدر ، وهو جنرال عراقي ، قد قال إن العراق كان لديه نظام قيادة وتحكم واتصالات كان سيمكن صدام أو المرتبطين به من الاتصال بالقادة في الميدان في غضون 45 دقيقة لتخويل استخدام أسلحة الدمار الشامل. هذا لا يعني نشر أسلحة الدمار الشامل أو حتى تجهيزها. بالأحرى، لم تكن هناك “معلومات استخبارية محددة عن خططهم [العراقية] فيما يتعلق بكيف / متى / ومع ماذا سيفعلون ، حسبما أفادت الصحافة “.[42] علاوة على ذلك ، فإن الجنرال العراقي الذي يُعتقد أنه قام بدور هذا المصدر – نزار الخزرجي – كان يعيش في المنفى في الدنمارك وتلقى معلوماته من ضابط عراقي آخر يخدم في الجيش. لم يكن لدى الخزرجي أي وسيلة للتحقق من التأكيد بنفسه ولا أي دليل موثق. علاوة على ذلك ، اعتبرته وكالة المخابرات المركزية بديلاً محتملاً لصدام إذا قام الجيش بانقلاب ، وبالتالي كانت له مصلحة في الغزو الذي يحدث “. [43] إذا تم النظر إلى ادعاء )الـ 45 دقيقة( على أنه حقيقي، فربما يتوقع المرء أن يشير اليه تقرير لجنة الاستخبارات المشتركة في آذار/مارس 2003، بدلاً من التصريح بأن جميع الأسلحة الكيميائية “بقيت مفككة”. ربما كنا نتوقع أيضا أن تشير إليها الحكومة في نقاشاتهاعشية الحرب.
ان التقرير الذي قدمه الصحفي في راديو 4 من ال BBC، أندرو جيليجان في برنامج (اليوم-The Today )في 29 مايو 2003 -والذي كان مصدر الخلاف الشرس بين الحكومة وال BBC – كان تقريرا دقيقًا إلى حد كبير، وبالتأكيد أحد أفضل الاكتشافات الإعلامية عن العراق، وهذا ما قد يفسر الهجوم الذي شن عليه وعلى البي بي سي من قبل أليستر كامبل. وقد اشار جيليجان بشكل صحيح إلى أن الملف قد تم “تحريفه ” ضد رغبات بعض ضباط المخابرات، وأن مصدره الذي لم يذكر اسمه ، ديفيد كيلي، دحض ادعاء الحكومة حول (تحذير 45 دقيقة). (كما أخبر كيلي مراسلة نيوزنايت سوزان واتس أن ادعاء ال(45 دقيقة) “بعيد عن المعقولية” وهذا لانهم “كانوا بحاجة ماسة للحصول على معلومات”). [44] لم يكن كيلي المصدر الوحيد لتقرير جيليجان. كان لدى محرر برنامج (Today)، كيفن مارش، مصدران آخران: السير ريتشارد ديرلوف ، رئيس جهاز المخابرات البريطانية (MI6) ، إلى جانب اثنين من زملائه؛ وكلير شورت. واعتمادا على صحيفة التايمز، أجرى مارش مقابلة مع ديرلوف وفسر كلماته:
على إن المخابرات لم تكن تدعم قضية الحرب على العراق. . . حيث لم يتم العثور على دليل قاطع على وجود أسلحة دمار شامل في العراق. حيث، قيل، بإن هذا قد ادهشه [مارش] باعتباره استنتاجًا غريبًا إذا كانت هذه الأسلحة ، وقت نشر ملف سبتمبر ،في جاهزية ال (45 دقيقة).
وحين ذاك ، وقبل تقرير جيليجان أيضًا ، التقى مارش مع كلير شورت التي أخبرته أنه “لم يتم تقديم معلومات استخباراتية أظهرت بشكل قاطع أن العراق كان تهديدًا وشيكًا”. ووفقًا لصحيفة التايمس، “ساعدت كلماتها في دفع البرنامج الى تصديق السبق الصحفي الواضح لجيليجان: أن داونينج ستريت أدخل الادعاء، وعلى عكس تمنيات الخبراء ، بأن العراق يمكنه إطلاق أسلحة دمار شامل في غضون 45 دقيقة”. [45] أن تأكيد جيليجان على أن الحكومة “ربما كانت تعلم” أن ادعاء الـ 45 دقيقة كان كاذبًا مع ذلك مستمرة في إدراجه التقرير، هو تشخيص صحيح بشكل أساسي. ويبدو أنه كان مخطئًا في الإشارة إلى أن أليستر كامبل كان مسؤولاً عن إدخال الادعاء. لكن الإشارة الأولى في الملف إلى أن العراق كان لديه أسلحة دمار شامل جاهزة للاستخدام في غضون 45 دقيقة، أدخلت في فقرة تتعلق “بهدف العراق بالهيمنة الإقليمية”، ومباشرة بعد الادعاء بأن صدام “كان قادرًا على توسيع النطاق للصواريخ الباليستية في برنامجه. [ 46] وهكذا شجعت الحكومة في أسوأ الأحوال، وفي أحسن الأحوال لم تفعل شيئًا لتصحيح، الرأي القائل بأن ادعاء الـ 45 دقيقة تشير إلى أسلحة بعيدة المدى. ومع ذلك ، كان كل من هون وسكارليت وديرلوف يعرفون أن الأمر يشير إلى ساحة المعركة بدلا من اشارة الى الأسلحة الاستراتيجية بعيدة المدى.

الصلة بالقاعدة وملف شباط/فبراير 2003

ولمح ادعاء آخر غير سليم من جانب الحكومة إلى وجود روابط بين نظام صدام والقاعدة. قبل ان تبدء هذه الحملة ، قال وكيل وزير الخارجية بن برادشو أمام البرلمان في كانون الثاني/ يناير ونيسان/أبريل 2002 بقوله “لم أر أي دليل يثبت وجود شبكة للقاعدة في العراق”. ولكن وبحلول أواخر عام 2002، على كل حال، كانت هذه هي القصة الخاطئة. الآن قال وكيل وزير الخارجية الجديد مايك أوبراين “نعتقد أن هناك عناصر من القاعدة في العراق”. في 5 شباط/فبراير 2003 ، أخبر توني بلير مجلس العموم:
سأكون مخطئا أن أقول إنه لا يوجد دليل على أي صلات بين القاعدة والنظام العراقي. المؤكد وجود دليل على هذه الصلات. ولكن الشئ الغير مؤكد هو المدى الذي تصل اليه هذه الصلات … هناك معلومات استخبارية تصلنا طوال الوقت حول هذا الأمر … ليس من الصحيح القول إنه لا يوجد دليل على أي صلة بين النظام العراقي والقاعدة. [47] وفي وقت لاحق نفى وزراء بالحكومة وجود مثل هذه الصلات المباشرة بين بغداد والقاعدة. وفوق ذلك، وعلى النقيض مما سبق، حتى حزيران/يونيو 2004 ، كانت متحدثة باسم الحكومة البريطانية تدعي أن رئيس الوزراء “كان دائما يقول بإن صدام قد أوجد بيئة متساهلة مع الإرهاب ونحن نعلم أن الأشخاص المنتمين إلى القاعدة عملوا في العراق أثناء فترة النظام”. وخلص تقرير بتلر إلى أنه في المعلومات الاستخباراتية المقدمة للوزراء “أوضحت لجنة الاستخبارات المشتركة أنه على الرغم من وجود اتصالات بين النظام العراقي والقاعدة ، إلا أنه لم يكن هناك دليل على وجود تعاون”. [48] وقد تم نفي الاقتراح القائل بوجود مثل هذه الصلة من قبل مصادر استخباراتية، فعندما طرح عليها سؤال في الصحافة عما اذا كان لصدام اية صلات مع القاعدة، قال ” عكس ذلك تماما”.[49] وعلى اثر ذلك استنبطت الحكومة صياغة جديدة بارعة وهي: “ان الارهاب والانظمة المارقة هما جزء من الصورة نفسها”، وهذا هو ما بدأ جاك سترو بقوله وتكراره في منعطف 2002/2003، وهي الصورة التي كثيرا ما رددها بلير. والسبب في ذلك كما بررها (سترو) هو “ان المصادر الاكثر احتمالا للتكنولوجيا والمعرفة لهذه المنظمات الارهابية هي الانظمة المارقة”.
إن الارتباط المزعوم بالقاعدة كان مجرد حالة من الاختلاق يتلائم مع سير الأمور، وربما كان الأمر الاخرق من افتراءات الدعاية في هذه الفترة.
على كل حال، كان المنافس الاقرب لهذه الجائزة هو التقرير الحكومي الثاني الصادر في فبراير 2003، والذي أصبح يُعرف باسم “الملف المراوغ” (على الرغم من أنه بالكاد يبدو اكثر مراوغةً، من حيث المحتوى، من الأول). لقد ضلل بلير البرلمان بتمريره على أنه “تقرير استخباراتي”. وقد تم الكشف لاحقًا أن جزءًا كبيرًا من المستند تم نسخه مباشرة من مصدر على الإنترنت. في الواقع ، لم يتم فحص الملف من قبل أي من وكالات المخابرات قبل نشره. [50] كان مؤلفو الملف من المقربين من أليستر كامبل، الذي أشرف بنفسه على المشروع، والذي كان يهدف بشكل أساسي إلى تقديمه كإحاطة لوسائل الإعلام. وقد بالغ الملف في نص المصدر الاصلي في عدد من الأماكن، وتم تغير بعض الجمل فيه، فعلى سبيل المثال تم تغير “مساعدة جماعات المعارضة العراقية في الأنظمة المعادية” لتصبح “دعم المنظمات الإرهابية في الأنظمة المعادية”. [51]

اليورانيوم من النيجر

وزعمت الحكومة في ملف أيلول/سبتمبر أن العراق كان يسعى لشراء يورانيوم من النيجر لاستخدامه في برنامجه النووي. وفي 7 يوليو 2003 ، وتحت عنوان “بريطانيا كانت تعلم أن ادعاءات اليورانيوم كاذبة ” كتبت صحيفة الغارديان أن” المسؤولين البريطانيين كانوا يعلمون أنه لم تكن هناك تجارة سرية لليورانيوم من إفريقيا إلى العراق، وكان ذلك قبل سبعة أشهر من إثارة هذه المزاعم في ملف أيلول/ سبتمبر الذي اصدرته الحكومة البريطانية ‘، جاء هذا وفقًا للسفير الأمريكي المتقاعد الذي يحقق في القضية لصالح وكالة المخابرات المركزية. وفي الأسبوع التالي، كررت صحيفة الغارديان ما قاله “جو ويلسون ، المبعوث الذي أرسلته الولايات المتحدة إلى النيجر للتحقيق في الوثائق، بإن بريطانيا كانت تعلم وقبل شهور من نشر الادعاء في ملف أيلول/سبتمبر، بأنه لا توجد تجارة سرية في اليورانيوم “. [52] ويلاحظ بأن هذا التقرير يحمل نفس المحتوى الذي حملته رسالة جيليجان – وهي أن الحكومة كانت تعلم أن شيئًا ما كان خاطئًا لكنها استندت إليه على أي حال. إن عدم وجود ضجة كبيرة حول هذا الادعاء هو دليل إضافي ،في الواقع، على الكيفية التي تسمح بها وسائل الإعلام للحكومة بوضع أجندتها.
في مارس 2003 ، قال محمد البرادعي ، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية ، لمجلس الأمن الدولي أن وثائق اليورانيوم النيجيري مزيفة. يكتب الصحفي الاستقصائي الأمريكي سيمور هيرش ، مشيرًا إلى الحملة الدعائية البريطانية على العراق في أواخر التسعينيات، أن هذه الوثائق تم تداولها في البداية من قبل البريطانيين ، على الرغم من أنه لا يمكن التأكد مما إذا كان جهاز المخابرات السرية (MI6) قد قامت بتزويرها بالفعل. وقد أخبر أحد أعضاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية هيرش أن “هذه الوثائق سيئة للغاية لدرجة أنني لا أستطيع أن أتخيل أنها جاءت من وكالة مخابرات جادة”. تم توقيع رسالة واحدة من قبل وزير في النيجر كان خارج المنصب خلال السنوات 11 الماضية. في غضون ذلك ، اعترفت الحكومة بأنه “قبل نشر الملف مباشرة ، عرضت وكالة المخابرات المركزية تعليقًا يشير إلى أنها لا تعتبر الإشارة إلى توريد اليورانيوم من إفريقيا أمرًا ذا مصداقية” ، لكن بريطانيا مضت قدمًا على أية حال مستندة في ذلك على “معلومات استخباراتية موثوقة ” تابعة للحكومة، والتي تقول على أنها جاءت من أكثر من مصدر واحد. [53] وقد يكون هذاخارج الموضوع. فكماو أشار البروفيسور نورمان دومبي من جامعة ساسكس ، “ماذا يعني لو سعى العراق لتوريد اليورانيوم من إفريقيا؟ فالعراق يمتلك بالفعل مئات الأطنان من اليورانيوم تحت تصرفه. ولكن بدون وجود مرافق متخصصة في التخصيب، ستكون هذه المواد غير مجدية للأسلحة النووية. [54] يرفض تقرير بتلر معظم ماجاء في الدليل وكذلك الاستنتاجات بان الحكومة لديها معلومات استخبارية من عدة جهات أشارت إلى أن زيارة العراق إلى النيجر كانت لغرض الحصول على اليورانيوم. ومع ذلك ، فقد فشلت في ذكر دليل من جوزيف ويلسون وإن إشارتها الوحيدة إلى وكالة المخابرات المركزية هي القول: “نصحت وكالة المخابرات المركزية بالحذر بشأن أي إشارة إلى أن العراق قد نجح في الحصول على اليورانيوم من أفريقيا ، لكنها وافقت على انه قد كان هناك دليل على ان العراق قام بمحاولة البحث في ذلك”[55] وبمجرد ما حدث الغزو، واستنفاذ الغرض من استخدام ذريعة التهديد العراقي لتبرير الغزو، بدأ الوزراء في التراجع عن مزاعمهم السابقة. ففي مقابلة في أبريل / نيسان 2003 ، قال بلير: “لن نتمكن أبدًا من العثور عليها [أسلحة الدمار الشامل] حتى يصل الخلاف الى مرحلة يكون فيها العلماء والخبراء العراقيون العاملون في هذه البرامج مستعدين للحديث عنها”.[56] وبخصوص التعليق الذي ادلى به جاك سترو، بأن الحكومة لم تعتبر صدام أبدًا تهديدًا وشيكًا فقد تم تفصيله فيما تقدم. قال سترو في وقت من الأوقات إنه “ليس من المهم للغاية” العثور على أسلحة دمار شامل ، على الرغم من أن إزالتها هي الأساس المنطقي الرسمي لعملية الغزو. [57] كما أخبر سترو تحقيقًا برلمانيًا أيضًا “أنني لا أعتبر ادعاء( 45 دقيقة ) كانت له هذه الأهمية التي نسبت اليه” – وهذا على الرغم من تأكيد بلير على الادعاء الوارد في مقدمة الملف والإيجازات الإعلامية المرتبطة به. وسئل سترو أيضا عما إذا كان لا يزال متمسكًا بادعاء الـ 45 دقيقة. بدلاً من مجرد الرد بـ “نعم” قال سترو أولاً “لم يكن هذا ادعائي. أنا أقف إلى جانب نزاهة لجنة الاستخبارات المشتركة”. أكثر ما يمكن أن يقوله هو “أقبل الادعاء ولكني لم أفعله”. [58]

إن غزو العراق سيؤدي إلى زيادة الإرهاب

وعلى صعيد آخر، كان من الواضح أن غزو العراق سيزيد من احتمالات الإرهاب. كان استخدام القوة الغاشمة الأنجلو أمريكية في احتلال العراق، إلى جانب الدعم الفعلي للعدوان الإسرائيلي في الضفة الغربية، سيوفر دائمًا حافزًا لجيل ثان من الإرهابيين – بالطريقة نفسها التي استخدمتها الادارة الأنجلو-أمريكية في الدعم السري لمقاتلي المجاهدين في أفغانستان في الثمانينيات والذي ساعد على إنشاء الجيل الاول.
في 10 فبراير 2003 ، أي قبل خمسة أسابيع من بدء الغزو ، ذكر تقرير سري للجنة الاستخبارات المشتركة أن أي تهديد إرهابي سيزداد بغزو العراق:
ظلت القاعدة والجماعات المرتبطة بها تمثل إلى حد بعيد أكبر تهديد للمصالح الغربية وسيزداد هذا التهديد من خلال العمل العسكري ضد العراق: أي ان انهيار النظام العراقي سيزيد من مخاطر تكنولوجيا الحرب الكيماوية والبيولوجية أو العوامل التي تجد طريقها إلى أيدي الإرهابيين بما في ذلك القاعدة. [59] خلال الأيام العشرة التي أعقبت هذا التقييم ، تم إطلاع 18 من كبار السياسيين من قبل رئيس لجنة الاستخبارات المشتركة، جون سكارليت، حول العراق.[60] يبدو من المرجح أن التهديد المتزايد على بريطانيا نتيجة غزو العراق كان معروفًا لمجموعة واسعة من الناس. نفس السياسيين، أي الذين يتظاهرون الآن بأنهم منقذونا في حماية البلاد من ويلات الإرهاب.
في كانون الأول (ديسمبر) 2003 ، كتبت الحكومة في مذكرة إلى لجنة الشؤون الخارجية أن “نشاط التحالف في العراق ، وقضايا إقليمية أخرى ، قد ادى الى ادامة وربما زاد من دوافع الإرهاب”، على الرغم من أنه أضاف أنه “ليس لدينا دليل مباشر على أنه قد ادى الى ازدياد التجنيد في القاعدة ‘. وخلصت لجنة الشؤون الخارجية في تقرير نُشر في فبراير 2004 إلى أن “الحرب في العراق ربما جعلت الهجمات الإرهابية ضد الرعايا البريطانيين والمصالح البريطانية أكثر احتمالًا على المدى القصير”. [61]

UNPEOPLE
BRITAIN’S SECRET HUMAN RIGHTS ABUSES
Mark Curtis
Published by Vintage 2004
uruk1934@gmail.com

“اللا بشر”: الإنتهاكات البريطانية السرية لحقوق الإنسان…ترجمة: عزام محمد مكي

“اللا بشر”: الإنتهاكات البريطانية السرية لحقوق الإنسان/ الجزء الأول- العراق…ترجمة: عزام محمد مكي

***************
المراجع
Notes

2. The quotation is from David Kelly in an email to a US journalist after giving evidence to a parliamentary inquiry. Cited in Simon Rogers (ed.], The Hutton Inquiry and its Impact, Guardian Books, 2004. p.224•
3. Neil Mackay, ‘Revealed: The secret cabal which spun for Blair. Sunday Herald, 8 June 2003.
4. Scott Ritter, letters, Guardian, 29 November 2003; Michael Meacher. ‘The very secret service’, Guardian, 21 November 2003
5. Meacher, ‘The very secret service’; House of Commons, Hansard, 12 January 2004, Col.538.
6. Nicholas Rufford, ‘Revealed: How MI6 sold the Iraq war’, Sundar Times, 28 December 2003; ‘MIG ran “dubious” Iraq campaign’, BBC News, 21 November 2003.
7. Seymour Hersh, ‘Who lied to whom?’, The New Yorker, 31 March 2003
8. See David Miller, ‘The propaganda machine’, in Miller (ed.). Tdllvfe Lies: Propaganda and media distortion in the attack on Iraq. Pluto. London, 2004
9. Defence Committee, Lessons of Iraq, Third report, Session 2003/04. 16 March 2004, paras 469-83, www.publications.parliament.uk.
10. David Leigh, ‘False witness’, Guardian. 4 April 2003; Stephen Dorril. ‘Spies and lies’, in Miller (ed.), Tell Me Lies, p. r i z: Peter Beaumont. ‘Allies fear Iraq plotting “scorched earth” war’, Observer. 25 February 2003.
11. David Hencke and Andy Rowell, ‘Battle the MoD lost. papers reveal failed bid to sway opinion on Iraq’, Guardian, 19 November 2003.
12. ‘Sincere deceivers’, Economist, 17 July 20°4; ‘He got it wrong’, New Statesman, 19 July 2004.
13. Butler report, paras 43.3, 434, 435, 222, 240, 226, 261. 272, 295, 292.
14. Government response to the intelligence and security committee report on Iraqi weapons of mass destruction – Intelligence and assessments 11 September 2003, Cm,61I8, February 2004-
15. Richard Norton-Taylor, ‘Tell us the truth about the dossier’, Guardian. 15 July 2003.
16. Robin Cook, ‘Blair and Scarlett told me Iraq had no usable weapons’, Guardian, 12 July 2004.
17. Cited in Rangwala, ‘Iraq’S weapons of mass destruction’ www.middleeastreference.org.uk

18. Butler report, para 334.
19. Jack Straw evidence to the House of Commons Foreign Affairs Committee, 24 June 2003, Q735, www.publications.parliament.uk/ pa/cm200203
20. Jonathan Powell to John Scarlett, 17 September 2002., www.thehutton-inquiry.org.uk
21. Jonathan Powell to Alastair Campbell and David Manning, 17 September 2002, www.the-hutton-inquiry.org.uk: emphasis in original.
22. ‘I was shocked by poor weapons intelligence – Blix’, Guardian, 7 June 2003•
23. Robin Cook. ‘We must not let one “dodgy dossier” distract us from more crucial questions’, Independent, 26 June 2003.
24. Robin Cook, evidence to the House of Commons Foreign Affairs Committee, 17 Tune 2003, www.publications.parliarnent.ukJpaJ cm200203, Q9; ‘Iraq hits back with CIA offer’, Guardian, 23 December 2003; ‘Secret of Saddam’s hidden arsenal’, Cuardian, 5, September 2002.
25. ‘Responsibility for the terrorist atrocities in the United States, II September 2001 – an updated account’, www.pm.gov.uk.
26. Jason Burke, Al Qaeda: Casting a shadow of terror, I. B. Tauris, 2003, P•19•
27. Peter Beaumont and Ed Vulliamy, ‘Story of find in Afghan cave “was made up” to justify sending marines’, Obsen1er, 24 March 2002.
28. ‘Blair: I have secret proof of weapons’, Observer, 1 June 2003; Clare Short evidence, Q89, 94•
29. Ewen Macaskill, ‘Emails show how No. 10 constructed case for war’, Guardian, 23 August 2003.
30. Daniel Pruce to Mark Matthews, LO September 2002, www.thehutton-inquiry.org.uk.
31. Daniel Pruce to Alastair Campbell, II September 2002, www.thehutton-inquiry.org.uk: Tom Kelly to Alastair Campbell, II September 2002, www.the-hutton-inquiry.org.uk: Richard Norton-Taylor, ‘Dossier was too static for No. 10’, Guardian, 21 August 2003.
32. Richard Norton-Taylor, Nicholas Watt and Ewen Macaskill, ‘The remaining questions’, Guardian, 12 September 2003; Richard Norton-Taylor, ‘Hoon has no defence for the dossier’, Guardian, I October 2003.
33. “There was a lack of substantive evidence:”, Independent, 4 February 2004; Rogers (ed.], The Hutton Inquiry, pp. 219-21.
34. Richard Norton-Taylor, ‘Hoon has no defence for the dossier’, Guardian, 1 October 2003; Robin Cook, ‘A sound judgment but it sidesteps the central issues’, Independent, 29 January 2004.
35. Alastair Campbell to John Scarlett, 17 September 2002, www.thehutton-inquiry.org.uk: Sarah Hall, ‘Campbell misled us, says MP’, Guardian, 22 August 2003.
36. Ewen Macaskill and Richard Norton-Taylor, ’10 ways to sex up a dossier’, Guardian, 27 September 2003.
37. Evidence from journalist Tom Mangold to the Hutton inquiry, cited in Rogers (ed.), The Hutton Inquiry, p. 227.
38. Vikram Dodd, ‘Hoon knew WMD press reports were wrong. Guardian, 23 September 2003; House of Commons, Hansard, [0 February 2004, Col. 1305; Clare Short evidence, QI03-4.
39. Sarah Hall, Patrick Wintour and Richard Norton-Taylor, ‘Blair caught in Iraq arms row’. Guardian. 5 February 2004
40. House of Commons, Hansard, 12 February 2004. Col. 1(,7T Geoff Hoon, evidence to Defence Committee. 5 February 2004- www.publications.parliament.uk/pa/cm200304•
41. Butler report. para 497.
42. Richard Norton-Taylor. ‘What David Kelly knew’. Guardian. 24 July 2003; Ewen Macaskill, Richard Norton-Taylor and Vikram Dodd, ‘The desperate search for the dossier evidence’. Guardian. 27 August 2003.
43. Raymond Whitaker and Kim Sengupta. ‘Is this the face of the man who gave Blair the cue for 45-minute WMD claim?’. lndependent, 22 February 2004.
44. ”’A statement popped up and was seized on”’, Guardian. I4 August 2003.
45. Cited in Justice Not Vengeance briefing, ‘Gilligan 6:o7: Dr Kelly was not the only source for the story’. 5 February 2004. www.j-n-v.org
46. Foreword. ‘Iraq’s weapons of mass destruction: The assessment of the British government’. September 2002. www.fco.gov.uk.
47. House of Commons. Hansard, 23 January 2002. Col. 887 and 15 April 2002, Col. 721; 2 December 2002. Col. 522; 5 February 2003. Col 266.
48. Richard Norton-Taylor. ‘Iraq gave al Qaeda a base. says Blair Guardian. I8 June 2004; Butler report, para 484
49. Richard Norton-Taylor, ‘UK spies reject al Qaeda link’. Guardian. 10 October 2002.
50. ‘Iraq dossier fiasco rolls on’. 12 June 200). Jane’s. www.janes.corn.
51. Glen Rangwala, ‘Paper written for the Foreign Affairs Committee’. www.middleeastreference.org.uk.
52. Suzanne Goldenberg .. Britain “knew uranium claims were false:”, Guardian, 7 July 2003; Julian Borger. ‘Democrats step up pressure on uranium claims’. Guardian, 14 July 2003.
53. Seymour Hersh, ‘Who lied to whom?’; Memorandum from the Foreign Office to the Foreign Affairs Committee. 28 July 2003. www.publications.parliament.uk.
54. Letters, Guardian, IS July 2003
55. Butler report, para 497.
56. ‘Prime Minister’s interview with Arabic television’, 4 April 2003, www.pm.gov.uk.
57. Nicholas Watt, ‘Straw retreats on finding banned weapons’, Guardian, 15 May 2003.
58. Jack Straw, evidence to the Foreign Affairs Committee. 24 June 2003, www.publications.parliament.uk.pa/cm200203• Q737, 845-6.
59. House of Commons, Hansard, IS October 2003, Col. 234; Richard Norton-Taylor and Michael White, ‘Report reveals Blair overruled by terror warning’, Guardian, 12 September 2003.
60. ‘They won’t go away’, Guardian. 13 September 2003.
61. Memorandum from the Foreign Office to the Foreign Affairs Committee report on the foreign policy aspects of the war against terrorism, December 2003, w’Nw.publications.parliament.uk; Foreign Affairs Committee, Second report, Session 2003/04, Foreign policy aspects of the war against terrorism, 2 February 2004, para 23, www.publications.parliament.uk/pa/cm200304•
*************

شاهد أيضاً

العراق والسير في ركب التطبيع… بقلم ميلاد عمر المزوغي

مع اطلالة عيد الاضحى, يابى الفرنجة وعملائهم الا انغاص فرحتنا به ,عدوان غادر غاشم على …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024