هذا المثل كبقية الأمثال الشعبية لم يأت من فراغ بل هو خلاصة تجربة إنسانية تراكمت عبر الأجيال، فالإنسان في حياته اليومية يعرف كثيراً من الناس المقربين سواءً من أفراد العائلة أو من زملاء العمل أو ممن يصنفون كأصدقاء ممن يستريح لمجلسهم ولا يكون وراء هذه العلاقة أي مصالح شخصية، وفي مجالس الأصدقاء تزول الحواجز ويفضفض كل واحد للآخر حول مشاكله وهمومه وأحياناً يكون الصديق وفياً ومخلصاً أكثر من أفراد العائلة، ولكن الاختبار الحقيقي لمصداقية الأصدقاء هو وقت الضيق أي عندما يكون الإنسان بضائقة مادية أو صحية.
أذكر قبل سنوات وأن كتبت مصنِفاً (الأصدقاء)، فمنهم الصديق الصدوق الذي لا يجامل ولا يبحث عن مصلحة شخصية، وهناك المُكلف بمهمة حيث يدعي الصداقة ويفرض نفسه عليك ليتجسس وينقل أخبارك للغير مقابل مصلحة، وهناك الذي يسعى من صداقته وتكرار زياراته تضييع الوقت وقتل الملل، وهناك الصديق الذي يسعى للتفاخر والمباهاة بأنه صديقك، وهناك صديق التشفي وهذا يسعى من التقرب لك للتمتع بمعرفة مشاكلك ومصائبك ليُقنع نفسه بأنه الأفضل، وهناك صديق الطفولة والذكريات الجميلة، كما أن هناك صداقة السجون والمعتقلات …..
أعترف بأنني لست اجتماعياً بالقدر الكافي ودائرة الأصدقاء ضيقة وكلهم تقريبا من الأصدقاء الصدوقين، ولكنني خلال الحادثة التي تعرضت لها ،أو بالأصح عرضت نفسي لها، خلال الشهرين الأخيرين وأدت تقريباً لتعطيل اليد الشمال عن العمل وجعلتني نزيل ثلاثة مستشفيات – الإندونيسي في غزة والاستشاري في رام الله والشفاء في غزة ومرة أخرى سأعود للاستشاري في السادس من هذا الشهر حيث يبدو أن مشوار العلاج سيطول- خلال هذا الأزمة اكتشفت أهمية وقيمة الأصدقاء الحقيقيين وبعضهم لم يسبق لي مجالستهم مباشرة وكانت صداقتنا من خلال التوافق الفكري ومتابعة ما نكتبه، كما اكتشفت أن كثيراً ممن كنت أعتبرهم أصدقاء أو زملاء ليسوا كذلك ،ومع تفهمي لظروف الناس حيث لا أحد يخلو من مشاكل وهموم وأمراض أحياناً إلا أن للصداقة جانب أخلاقي يسمو على كل اعتبار.
أشكر كل الأهل من أفراد العائلة في المغرب وغزة والضفة الذين وقفوا لجانبي، كما أشكر الأصدقاء الذين عبروا عن صدق صداقتهم من خلال زيارتهم المتكررة لي في المستشفى أو البيت أو التواصل معي عبر الهاتف، كما أشكر الطواقم الطبية والإدارية في المستشفيات الثلاث وفي دائرة العلاج في الخارج في قطاع غزة، وإن اعتذر عن تخصيص الشكر والتقدير لأشخاص معينين بالاسم من قادة سياسيين ومجتمعيين تشرفت بزيارتهم لي فلأن لكل الأصدقاء نفس التقدير والاحترام، ولكن سأتجاوز ما ذكرت وأشكر وزيرة الصحة مي كيله على تواصلها المستمر معي وزيارتها لي في المستشفى.
Ibrahemibrach1@gmail.com