بعد الحرب على سورية وليبيا واليمن جاء الآن دور أرمينيا وأذربيجان، فتصطف روسيا خلف أرمينيا وتركيا خلف أذربيجان، وبالنظر إلى جملة التوترات والصراعات بين الروس والأتراك والناجمة عن خلافات الطرفين في عدة ملفات أهمها الملف السوري والليبي، تذهب الأنظار إلى منطقة ناغورني قره باغ كمركز أخر للصراع بين الطرفين.
وسعت روسيا من دائرة إنتقاداتها الإقليمية والدولية على خلفية الموقف التركي المتحيز للطرف الأذري، فدعت أنقرة إلى وقف التدخل هناك، لذلك يبدو أن الصراع على منطقة قرة باغ أعاد روسيا وتركيا إلى المربع الأول لتشتعل الحرب بينهما مرة أخرى .
اليوم تُعتبر ساحة قره باغ من أهم ساحات المواجهة الروسية – التركية، حيث تملك موسكو في هذه المنطقة أوراق قوى تمكِّنها من استفزاز أنقرة بسهولة في العتبة الشرقية لها، وذلك لقدرة موسكو الفعلية على استهداف غالبية التشكيلات العسكرية التركية في شرق البلاد، وعلى الطرف الأخر تقيم روسيا مع أرمينيا علاقات أوثق تختلف كثيرا من حيث النطاق والبعد، ، من علاقاتها مع أذربيجان،بالرغم من أنها تبيع الأسلحة للطرفين.
كذلك ترتكز أعين أنقرة على تلك المنطقة، حيث تُعنى القيادة التركية بطموحات جيواستراتيجية في القوقاز وآسيا الوسطى، جعلت من أذربيجان الثرية بالمحروقات، حليفها الأساسي في المنطقة.
في السياق ذاته وعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدعم أذربيجان حليفة انقرة “حتى النهاية” في نزاعها مع أرمينيا ، بعد المعارك العنيفة التي شهدتها المدينة، ونقلت الرئاسة التركية عن اردوغان قوله “نصلي من اجل انتصار أشقائنا الأذربيجانيين في هذه المعارك بأقل خسائر ممكنة”. وأضاف “سندعم أذربيجان حتى النهاية”.
بالمقابل، انتقد رئيس وزراء أرمينيا تركيا، التي تدعم أذربيجان في هذا النزاع القديم، وقال إن “سلوك تركيا محفوف بعواقب مدمرة على جنوب القوقاز”، وحث المسؤول الأرميني المجتمع الدولي على ضمان عدم تدخل أنقرة في النزاع الدائر بين باكو ويريفان حول إقليم ناغورني قره باغ منذ عام .1991
وهنا لا بد من التذكير بان المسألة أكبر من تركيا على الرغم من التصريحات غير المسؤولة التي أدلى بها الرئيس التركي بشأن صبه الزيت على النار في الأزمة بين أذربيجان وأرمينيا، وتأكيداته الغريبة على أنه سيقف إلى جوار أذربيجان في حربها “العادلة” مع أرمينيا. أي أن أردوغان وجد أخيراً ورقة لممارسة سياساته المثيرة والغامضة، بالضبط مثلما فعل بشأن جمهورية القرم الروسية عندما توجه إلى كييف ليؤكد لنظيره الأوكراني بيترو بوروشينكو أنه يقف إلى جواره ضد “الأعداء الروس”. ومن الواضح أن أردوغان يحاول أن يصور نفسه بطلا عالميا لرفع الأثقال السياسية، لأنه في الوقت نفسه يتعامل مع التنظيمات المتطرفة والإرهابية ويسعى لفرض مشاريع لتقسيم المنطقة.
وفي نفس الوقت إن أزمة قره باغ تجاوزت الخلاف الأرميني ـ الأذربيجاني التقليدي، لينتقل إلى مستويات عالية، فتصاعد أعمال العنف هناك قد تنذر بعواقب وخيمة على المدى المتوسط ولا يمكن التراجع عنها قد تصل لحد اشتعال حرب شاملة، ومن شأن العودة للحرب زعزعة الاستقرار في الإقليم الذي تمر عبره أنابيب لنقل النفط والغاز. وقد يؤدي ذلك لدخول القوتين الكبيرتين بالمنطقة روسيا وتركيا لغمرة النزاع المسلح والعنف.
لنكن أكثر صراحة ووضوحاً إن تركيا تلعب بالنار، ولكنها نار مختلفة هذه المرة وتزداد قوة وقد تحرق أصابع أخرى، والمأمول آن تدرك القيادة التركية حجم المغامرة وتبادر إلى مراجعة حساباتها، وتجنب التورط بقدر الإمكان بالمستنقع الأرميني -الأذربيجاني لأن روسيا لن تسمح لتركيا بالتدخل هناك مهما كلف الأمر.
فالحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين إن تطور الموقف الروسي والتركي حيال التوتر والأزمات الدولية سيتفاوت من منطقة إلى أخرى، تبعا للظروف والحساسيات والمصالح، ولذلك سيتعين على متتبعي هذه المواقف دراسة أثر النزاع الروسي – التركي على أزمات العالم كل على حدة.
كاتب سوري
Khaym1979@yahoo.com
رأي اليوم