لقد عجز الاحتلال الصهيوني بكل ما يملك من قوة وامتداد رسمي في العالم العربي من الوصول إلى الشعوب العربية، فكانت الاتحادات والنقابات والمؤسسات الأكاديمية والثقافية والمهنية والفنية وكذلك الأفراد سداً منيعاً في مواجهة التطبيع، وما زال “الكيان الصهيوني” العدو المركزي للشعوب العربية. حاول الصهيوني الدخول للشعوب من أبواب أخرى فكانت وجهته الشبكة العنكبوتية *”التطبيع الرقمي”* الأسهل والأسرع والأقل كلفة أمنية ومالية، فأصبح استراتيجية حديثة لجأ إليها “الصهيوني” بعد فشله في عملية التطبيع التقليدية.. إن من أخطر المعارك التي ينتصر بها العدو هي أن يضغط الفلسطيني أو العربي *”like- أعجبني”* أو يضع متابعة على صفحة صهيونية ناطقة بالعربي، فهي صنعت من أجل الولوج إلى العقل العربي، وكانت طريقاً مبتدع للتأثير على الأفراد والشعوب والوصول لقطاعات واسعة وفئات عمرية مختلفة تستخدم الصفحات الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وما يدل على أهمية ذلك لدى الاحتلال استقباله الوفود الأولى من الشخصيات الشبابية الناشطة والشهيرة بصناعة المحتوى الرقمي على مواقع التواصل الاجتماعي بداية اتفاقيات التطبيع بين الكيان وبعض دول الخليج العربي، وذلك قبل الوفود الرسمية محاولاً الوصول للشعوب الخليجية لإدراكه لأهمية ذلك.
*فما هو الهدف من إنشاء عشرات الصفحات “الصهيونية” الناطقة بالعربية والتي تمتلك ملايين الإعجابات والمتابعات العربية؟*
منسق قطاع التمكين والإبداع في شبكة التحول الرقمي في لبنان الدكتور “دال حتي” يوضح أنّ الهدف من خلال هذه الصفحات (استمرار الضغط على تفكيرنا العربي بهدف إزالة الذاكرة الشعبية وتدمير تراثنا وتاريخنا وخلق تفاعل أدبي وفكري مع إسرائيل” بغية الوصول إلى توقيع اتفاقيات وخلق تعايش بين الإسرائيلي والعربي).
يستخدم الاحتلال الصهيوني لذلك أكفأ ضباط الاستخبارات ورجال الإعلام، ولغة تناسب العربي وكذلك صور وفيديوهات تصنع محتوى يتقبله العربي ويلقى إعجابه، فهم يملكوا الخبرات الأمنية والنفسية والتقنية ويعملوا باستراتيجية بعيدة المدى وليست آنية لتحقيق أهدافهم بتطويع العقل العربي وتقبل “الإسرائيلي” والحصول على أكبر كم من المعلومات الشخصية والعامة من عالم رقمي يسهل اختراقه.
لعل المثال الأبرز لهذه الصفحات صفحة “ضابط الاستخبارات *”افيخاي ادرعي”* ذو الأصول العراقية الذي كان يعمل في وحدة الاستخبارات الإلكترونية الشهيرة والمعروفة ب “وحدة – 8200” فهو عنوان وواجهة لطاقم كبير ومختص من قيادة حروب السايبر في جيش الاحتلال وضباط لهم خبرة كبيرة في علم النفس السلوكي ودراسة المجتمعات والأديان، وهو الواجهة الأكثر احترافية في التواصل العربي فلا يترك مناسبة وطنية أو دينية أو حفل أو عيد ميلاد فنان أو فنانة إلا وتفاعل مع ذلك بكلمات دينية أو جميلة ولطيفة، بل يحاول تحريض الشعوب العربية على الفلسطيني وإظهار أن “الشعب الإسرائيلي لطيف ومظلوم وذو امتداد تاريخي على هذه الأرض وله عادات وتقاليد وأكلات، ويتعرض للعنف الفلسطيني”، صفحة أدرعي لها ملحقات من آلاف الصفحات بأسماء وحسابات عربية ترد على بوستاته بكلمات جميلة ومتعاطفة وتدعو للسلام مع الصهيوني فجميع هذه الصفحات تتبع للاستخبارات الصهيونية ولكن بأسماء عربية تدعي أنها من دول مختلفة، ولكننا لا نستطيع أن ننكر تفاعل كثير من الحسابات العربية الحقيقية والتي لها توجهات مشبوهة خصوصاً في منطقة الخليج.
نشاط “أفيخاي أدرعي” على مواقع التواصل الاجتماعي لم ينحصر بحسابه على تطبيق الفيسبوك التي زاد المعجبين بهما عن 2 مليون شخص بل توسع للعمل بقوة على تطبيق “التوك توك”.
محاولة تطويع العقل العربي لا تتوقف على حساب أو صفحة واحدة بل هناك عشرات الصفحات الناطقة بالعربي منها رئيسية وأخرى فرعية مخصصة لكل بلد. مثل صفحة *” إسرائيل تتكلم بالعربية”* موثقة من إدارة “فيس بوك” يتابعها أكثر من 3 مليون شخص، وصفحة رئيس الوزراء الحالي *”بينيت”* والتي يتابعها أكثر من 314 ألف شخص، وكذلك صفحة رئيس المعارضة *”بنيامين نتنياهو”* والتي إنخفض عدد المعجبين بها لحوالي 53 ألف متابع بعد أن كانت تزيد عن 111000 متابع حينما كان رئيساً للوزراء، وصفحة *”إسرائيل في مصر”* يتابعها 264 ألف شخص”، وصفحة *”إسرائيل باللهجة العراقية”* يتابعها أكثر من 358 ألف شخص.
إن هذه الصفحات لم تتوقف عند النشر فقط بل تتجاوب مع تعليقات المعجبين وتتحاور معهم وتناقشهم، ولم يتوقف الأمر على ذلك بل أطلق “أدرعي” حملة “إنت الأدمن” التي تتمثل بيوم خاص حدده الأخير لمتابعي صفحته على الفيسبوك، ليرسلوا على بريده الخاص رسائل حول أي شيء يريدون نشره على صفحته مع ذكر اسم دولتهم ليختار هو أفضل الصور وينشرها مع اسم المرسل أو بدونه حسب اختياره.
استخبارات الاحتلال لم تكتفي بذلك بل شكلت وحدة عسكرية من عشرات المجندات الجميلات أطلقت عليها وحدة *”مجندات التيك توك”* وظيفتها نشر محتوى يتلاءم مع سياسة “التيك توك” وتُظهر فيه أن الجيش الإسرائيلي جيش جميل إنساني مرح فيه الكثير جداً من الجميلات اللاتي يتراقصن ويرددن الأغاني الدارجة من داخل ثكنات الجيش وفي الميدان وعلى الحدود كما حدث مع نشر إحداهن مقطع رقصات مع الجنود المصريين على الحدود الجنوبية الفاصلة، إن حسابات المجندات على التيك توك والانستغرام أخطر من الحسابات الرسمية لجيش الاحتلال كونها تحتوي على مواد قصيرة وتظهر عفوية وبها ايحاءات جنسية، وخطورتها كونها تُبث على مواقع يتابعها الجيل الشاب والمراهق، مما ينتج اعتياد على مشاهدة وتقبل جنود الاحتلال بأسلحتهم ولباسهم العسكري، هذا النشاط الممنهج دفع رئيس الأركان الصهيوني لتكريم بعضهن على جهدهن المبذول على التيك توك والانستغرام.
*مما سبق يتضح لنا أن العدو استخدم طرق واستراتيجيات متعددة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي للوصول إلى عقل الشعوب العربية .. أهمها:*
– سخر إمكانياته الاستخبارية والتكنولوجية للتقرب من الشارع العربي واختراقه أمنياً واجتماعياً.
– وظف لهذه المهمة ضباط خبراء في مجال التكنولوجيا ويملكوا الخبرات الأمنية والتقنية والنفسية والاجتماعية.
– استخدم محتوى يتلاءم مع ثقافة ولغة وسياسة مواقع التواصل الاجتماعي منتج بنمط يحاول فيه الظهور بصورة القريب من الناس، وأنه جزء عادي في المنطقة، وليس قوة للقتل وهدم البيوت واغتصاب الأرض الفلسطينية، في محاولة منه “لكسر الحاجز النفسي” مع الشعب العربي.
*هذا الجهد الصهيوني للأسف رغم عدم تحقيقه لنجاحات كبيرة إلا أنه أنتج أمور غاية في الخطورة:*
– أوجَدَ بعض الكتاب والنشطاء الذين تجرأوا على شتم الفلسطيني وتفضيل الصهيوني عليه، والاستهزاء بشعارات مقاومة الاحتلال.
– أصبح أمر معتاد أن نرى الصهيوني يُشاهد من قبل جيل الشباب ويُستمع له في البيوت العربية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن نجح في الظهور الدائم على أكبر المواقع الإعلامية العربية.
– استطاعت هذه الصفحات خلق بيئة حوار بينها وبين بعض نشطاء التواصل الاجتماعي.
– بعض من الإعلاميين العرب والفلسطينيين يعتبرون هذه الصفحات مصدر إخباري ويرفضوا حتى حذف إعجابهم بهذه الصفحات ولا يتجاوبوا مع حملات المقاطعة.
*ولمواجهة معركة التطبيع الالكتروني يجب القيام بخطوات متعددة أهمها:*
– القيام بحملات دائمة لإزالة الإعجابات بهذه الصفحات ومنع الصداقة المشتركة بين صفحات الاحتلال وصفحتك الشخصية.
– التجاهل التام لهذه الصفحات وذلك بعدم التعليق أو المشاركة أو الرد على ما تحتويه، لأن التفاعل معها بأي طريقة يساهم في توسع نشرها وفق خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
– معركتنا في الأساس مع هذا العدو تقوم على الوعي، لذلك يجب توعية جيل الشباب وشعوبنا العربية من خطورة هذا النوع من التطبيع والذي يهدف لكي الوعي العربي وتقبل الصهيوني، وهذا يقع على عاتق وسائل الاعلام الفلسطينية الرسمية بشتى أنواعها، وكذلك الكتاب وصانعي المحتوى الرقمي، والفصائل الفلسطينية.