بعد إعلان الفيلسوف الأميركي الياباني الأصل (فرانسيس فوكوياما) انتصار الليبرالية عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، ها هو بعد 30 عاماً على احتفائه بالليبرالية كنظام وحيد و منتصر العالم يعترف بخيبتها ويجعل عنوان كتابه الأخير (خيبة الليبرالية) تعبيراً عن المآل الذي وصلت إليه . وبدلاً من تكريس الحرية الفردية التي تحدثت عنها الليبرالية، جرى ترسيخ عبودية الفرد والمجتمع للفقر والجوع. و عوضاً عن الحرية الاقتصادية التي روّجت لها الليبرالية، جرى استعباد السوق بشكل وحشي، حيث حول السوق الإنسان إلى عبد ينتج و يستهلك، لتبقى عجلة الأرباح تدور لمصلحة قلة ناهبة و مستغلة. وفي محل الحرية السياسية التي ادعتها الليبرالية في اختيار الحاكمين، كرست آلية لا تتوانى عن وضع أهبل مثل جورج بوش الابن في سدة الحكم، ولم تخجل بسمسار عاهر مثل ترامب رئيساً لعظمتها التي ” تتفشخر” بها.. إنها (خيبة الليبرالية) حسب عنوان ومحتوى كتاب فوكوياما.
بعد الحرب العالمية الأولى. وقفت أمريكا عبر مبادئ رئيسها ويلسون. مع الشعوب المستعمرة، كما وقفت ضد العدوان الثلاثي؛ الإنجليزي الفرنسي الإسرائيلي ضد مصر. وظن العالم أن هذه القوة الصاعدة، ستستمر وفقاً مبادئ ويلسون، في حفظ حقوق الشعوب وسيادتها، لكن ليبراليتها التي شعرت أنها انتصرت وأنقذت أوروبا من النازية، وأصيبت بـ(شبق الإمبراطورية) واستبدلت مبادئ ويلسون بممارسات البطش و الغزو والاحتلال والتمدد والإ*ره*اب ونهب الشعوب… من فيتنام و حرقها وتدميرها، إلى كوريا و تقسيمها، إلى العراق وأفغانستان .. تحولت الهستيرية الإمبراطورية الأمريكية، إلى جنون عدواني، يسرق خيرات البلاد الأخرى. و ينصّب حكومات دمى على بلاد غنية أو إستراتيجية. و يستخدم الإر*ه*اب بكل أنواعه لإشاعة الفوضى في بلاد مستقرة . كما اكتسبت الهستيرية الليبرالية الأميركية منتهى الوقاحة في استلحاق الدول الحليفة و المتقدمة بسياساتها- كما فعل مع أوروبا واليابان وأستراليا وكندا- وهذا الجنون في العدوان والنهب و الإر*ه*اب، راكم قوة وثروة و تقدماً تقنياً. وفي الوقت نفسه أنضج هذا الجنون في الذات الإمبراطورية الأمريكية بذور خيبتها و سقوطها. وبعدما زينت الليبرالية، البيت الأبيض برئيس أسود يخدمها. انفضحت عنصريتها في رئيس همجي يعبّر عنها هو ترامب، الذي كشف الغطاء عن تمايز عنصري بغيض بين البيض والسود، و هو التمايز الذي يقسم المجتمع الأمريكي عمودياً. العنصرية ليست تجاه السود فقط، بل عنصرية بين متعلمين وأميين، بين عاملين و عاطلين. ووضعت الليبرالية أمريكا اليوم على حافة حرب أهلية، بعد أن بلغت العنصرية أو الانقسام فيها حدّ الهمجية بالهجوم الإر*ه*ابي على الكونغرس.
ما سماه فوكوياما خيبة الليبرالية، هو في الحقيقة عفن الليبرالية، عفن أيديولوجية الإمبراطورية الأمريكية.. ومهما عظمت الدول، فإن عفن إيديولوجيتها، يدفعها نحو التفسخ و التبعثر و التخبط والسقوط.