بدأ الرئيس التركي رجب طيب أوردغان مسيرته مقدماً انموذجاً يتوافق مع الديمقراطية ومفاهيمها. وقد نصرته فى ذلك مسيرة متدرجة ترسخت بإنتخابه عمدة لاستانبول وكانت مدخلاً لانتصار أعظم وحزبه بفوزه بعموم تركيا وتوليه رئاسة الوزراء وأصبح أنموذجاً لتصالح الفكر الإسلامى والنظام الديمقراطي وأصبح ملجأ وقبلة لملايين الأتباع المنتشرين حول العالم. وعبر عدد من المنظمات والأفراد الذين يحملون ذات الأهداف مسترشدين وتابعين لفكرة أخذت طريق الحداثة ومنهجها في الرؤى والفكر الإنساني السليم والحضارة المتراكمة للتجارب الإنسانية في التداول السلمي للسلطة والحكم بتجربة تتراكم مع الزمن وتتطور سلباً وإيجاباً حسب بوصلتها وتوجهات مسارها وإتجاهات تطورها بعامل الممارسة والافعال والنتائج.
والتجربة لم تتأثر في بداية انتصاراتها بطغيان شخصية القائد رجب طيب أردوغان ورغبته بالاستمرار قائداً عملياً وتنفيذياً متلائماً وأوضاعه الدستورية التي توضح وتقسم الادوار ما بين سلطات رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء وتحديد دورات وأمد كلاهما مما يستوجب تعديلات دستورية كانت أول جرثومات التجربة وإفراغها من مضامينها الديمقراطية وتكريس الزعامة والديكتاتورية وسلطان الفرد وسيطرته لصالح أردوغان وشخصيته القابضة والمسيطرة بتكتيكات تبادل الأدوار ونائبه وصديقه المطيع عبدالله غول مابين رئاسة الجمهورية وسلطاتها المحدودة وسلطات رئاسة الوزراء حتى إذا ما تم التعديل الدستوري.
فقد الصديق دوره وإنزوى فى غياهب التجربة تجاه السلطان العثماني المتفرد رجب طيب أردوغان مع احتفاظه بشعبيته الجارفة واستمرار ضعف الأحزاب الليبرالية الأخرى واستمرار رفعه راية العلمانية مرجعاً للدولة مع تكرار لتعديلات دستورية تعزز مركزه القابض.
وأتى إنقلاب فتحي غولن وفشله ليهدم المعبد الديمقراطي ليزج الآلاف بالسجون قضاة ومحامون ورجال شرطة وجيش ومعلمون وليفقدوا وظائفهم وصحافيون تمتلئ بهم السجون وأصبحت أي معارضة لطيب أردوغان تعني الإتهام بالإنضمام لغولن مما يعني التصفية بالسجون والفصل من الخدمة وتطور الأمر إلى داخل الحزب وشهد انقسامات من أقرب مؤيديه ورفاق دربه من المناضلين وظهرت نماذج الإستبداد فى الزحف الأسري في مفاصل الحزب والدولة وأصبح وزير المالية صهره وزوج إبنته، غير النافذين الآخرين بالدولة من الأسرة في مظهر من مظاهر الديكتاتورية والاستبداد لمختلف الأمم عبر العصور.
وشهد الاقتصاد التركى تراجعاً عظيماً بعد أن شهد نمواً أعظم بنهاية القرن العشرين وبداية الواحد وعشرين نتاج التعاون والتكنلوجيا الإسرائيلية الألمانية والإيطالية والأمريكية ودوراً متعاظماً داخل حلف الناتو وأكبر أسواق السياحة والتنمية العقارية فى العالم.
أتى هذا التدهور بناء على أزمات متراكبة ولمعالجة أزمة الكورونا وزحف روح الاستبداد بالصرف المهول على الدفاع والأمن بدافعية الحلم الذاتي الإمبراطورى والمجد الشخصي بإعادة ذكريات الإمبراطورية العثمانية.
وأصبح اردوغان الآن يترنح نتاج الانقسامات الدخلية بحزبه ونتاج الانهيار الاقتصادي والتحالفات السياسية المعتلة مع بقايا الإرهاب من مختلف العالم تعبيراً عن أزمة نفسية ووجودية ودور محوري يبحث عنه فى السياسة العالمية وتحديداً بالشرق الأوسط وضغوط إنتخابية وعودة العافية والتنظيم للأحزاب الليبرالية وخسارته المهولة لإنتخابات استانبول حتى بعد إعادتها وبنتيجة أكبر، كانت بمثابة إنذار مبكر لخسارته الإنتخابات القادمة فأصبح يبحث عن انتصارات وهمية شعبية حتى ولو توفرت لها المسوغات المادية.