تتحدث وسائل الإعلام الأميركية والغربية وأبواق الرجعية العربية بكثافة عن العلاقات السورية – الإيرانية، وتجهد لتشويهها والنيل من جوهرها كتجسيد حي لميثاق حلف استراتيجي بين البلدين والدولتين ضد الحلف الاستعماري الصهيوني وهيمنته وعملائه في الشرق، وتلك العلاقة الأخوية معقود اللواء منذ نشوئها لإرادة الاستقلال والتحرّر، واحتضان قضية فلسطين ومقاومة شعبها وسائر قوى التحرّر في الإقليم ضمن رؤية استراتيجية نافذة لوحدة الكفاح التحرّري ولقضية الاستقلال والتنمية في المنطقة.
أكدت العقود الماضية المجبولة بالتضحيات المشتركة والمعارك الصعبة متانة هذا المحور، وصلابته، وتجذّره، ورسوخ التحولات العميقة، التي يرعاها ويحفّزها في البيئة الإقليمية، ويرتقي بها إلى تكتل للشعوب والحكومات عابر للحدود بميثاق التعاون ووحدة الكفاح والنضال من أجل الاستقلال والتقدم، ومواصلة احتضان القضية الفلسطينية وقواها الحية المناضلة على ميثاق الوحدة والنضال ضد الهيمنة الاستعمارية اللصوصية والكيان الاستعماري الصهيوني.
أولا: يسعى الغرب الاستعماري وعملاؤه إلى طمس طبيعة التحالف السوري – الإيراني عبر تعميم صورة نمطية، ترسّخ سموم الدعاية والتحريض والتشويه والمزاعم الكاذبة عن مشاريع هيمنة إيرانية على الشرق العربي. ويتوسّل الحلف الغربي الصهيوني وعملاؤه العرب جميع صنوف التشويه والتحريض والافتراءات الهادفة لتشويه حقيقة العلاقات الإيرانية العربية ضمن حلف الصمود والمقاومة التحرري، ولاسيما العلاقة الإيرانية السورية، التي قامت من اليوم الأول على شراكة متكافئة، ميثاقها وحدة الأهداف والعمل معا من أجل دحر الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي في المشرق، والعمل لتوثيق علاقات التعاون والتكتّل ضمن هذا التوجه التحرّري ومبادئه. وقد تعمّد هذا التحالف بتضحيات مشتركة ودماء عزيزة في جميع الميادين والساحات، وآخرها ما سطّره الأشقاء الإيرانيون من بطولات وتضحيات دفاعا عن تراب سورية واستقلالها.
إن العلاقات التكاملية الوثيقة بين سورية وإيران شكّلت مظلة حامية وراعية لجميع قوى المقاومة والتحرّر في لبنان وفلسطين والعراق. وبرهنت السنوات الأخيرة على فيض من الهبات والتحولات النوعية، التي أطلقها هذا التطور الحاسم على مستوى المنطقة، التي تَعزّز فيها معسكر التحرّر والمقاومة بالبشائر اليمينة السعيدة والمفرحة، التي أثلجت صدور الأحرار بنسائم حرية وكرامة.
ثانيا: ينبغي ان نسترجع، اليوم بالذات، فصول التضامن السوري مع إيران الثورة، عندما تعرضت للعدوان والحصار، وكانت جمهوريتها الوليدة تواجه أخطر استنزاف عسكري واقتصادي عاشته المنطقة في تلك الحقبة، ووقفت سورية الأسد مع الشقيق الإيراني بصورة مشرّفة، بناء على توجيهات الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي سعى لتخطّي عوائق سياسية ومعنوية كثيرة، في محاولة صادقة وأمينة لثني القيادة العراقية عن مغامرة الانسياق في المخطط الاستعماري المدبّر، لتوريط المنطقة في أخطر بؤرة استنزاف وتخريب وتدمير للقوى البشرية ولصروح العمران ولموارد الثروة خلال إعصار دماء ونيران. وأمام تعنّت الشقيق العراقي، الذي تورّط في الحرب وحرائقها، لم يوفّر القائد الأسد شيئا من وسائل الدعم السياسي والإعلامي والاقتصادي لصمود إيران في وجه العدوان والحرب والحصار. وتحولت دمشق إلى رئة اقتصادية وحصن سياسي داعم لصمود إيران، التي لاقى الأسد بشارة انتصار ثورتها، بوصفها حدثا سعيدا ونجدة تاريخية لسورية ولقوى التحرّر والمقاومة في المشرق. وقد أرسى القائد الخالد ركائز هذا الحلف الاستراتيجي المقاوم على أساس وحدة التطلعات والإرادة الاستقلالية التحررية، وبوعي استراتيجي وتاريخي سبّاق لجوهر المشروع التحرّري، الذي كان يشغل عقله الاستراتيجي ووجدانه التاريخي. فكانت رعاية المقاومة اللبنانية ودعمها بكل الوسائل بعد الاجتياح الصهيوني عام 1982 أولى ثمار حلف تعاظم وتنامى، وترسّخت جذوره، فتحول إلى محور إقليمي قوي وصاعد، يشعّ ويفيض في جميع ساحات المشرق وبلدانه.
ثالثا: إن الشراكة الإيرانية السورية أرست دعائم البيئة الاستراتيجية الجديدة في الإقليم، وفرضت انقلاب الصورة نوعيا. فاليوم بات المعسكر المعادي، بجميع قواه وأطرافه، في حالة تراجع واستنزاف على جميع ساحات المشرق وفي سائر ميادينه، وتكسّرت النصال على النصال في التحام المقاومين الشجعان مع جحافل الغزاة المعتدين. وقد شهدنا تباعا انتصارات المدافعين عن بلداننا، الذين احتضنهم هذا المحور الإقليمي الصاعد، الذي يرسي نواة شراكات واعدة بين بلدان المنطقة على أساس وحدة المصالح والتطلعات، ورفض الهيمنة، واحترام الخصوصية. وهذا هو النموذج، الذي تشعّ به العلاقات السورية – الإيرانية الأكثر عراقة ورسوخا. وقد مضت عقود شهدت تناميها، وتنوع مجالاتها، وتحولها إلى نواة منظومة للتكامل المشرقي الواعد، ولوحدة الأهداف والتطلعات، والاستعداد لتقديم التضحيات في سبيلها دون تردّد.
إن هذا النموذج الحي، عمّدته المعارك الصعبة والقاسية، ولاسيما خلال حرب التكفير والتوحّش، التي دبرها الاستعمار الغربي بواسطة الكيان الصهيوني والحكومات الرجعية في المنطقة. وقد بات انتصار سورية قاب قوسين، معمدا بدماء عزيزة وغالية من سورية والعراق وإيران ولبنان في ملحمة تاريخية لأخوة المصير، تحمل البشائر لفلسطين وشعبها ومقاوميها، وترعب دوائر التخطيط الاستعماري الصهيوني الرجعي، لأنها قابلة الولادة التاريخية لوضع جديد، يشهد غروب الهيمنة الاستعمارية الصهيونية، ويهزّ جميع مواقع الرجعية والعمالة في المنطقة برمتها. ولم تكن التطورات الأخيرة المستجدّة لصالح انعتاق إيران من القيود والعقوبات الكابحة لنموها ولتطور قوتها الواعدة، سوى إحدى ثمار تلك السنوات الصعبة من الصمود والتضحيات وشراكة المصير.