اذا كان جو بايدن خائف من انفجار الغضب في العالم، لماذا لا يفعل، بصلاحياته الأمبراطورية، ما فعله دوايت ايزنهاور حين أرغم كلاً من اسرائيل وبريطانيا وفرنسا على الانسحاب من مصر، خلال حرب السويس عام 1956، ويرغم اسرائيل على وقف الحرب المجنونة على غزة، لعله يتذكر عنوان مقالة آرثر سالزبرغر، وهو اليهودي، في “النيويورك تايمز”، “غروب الآلهة”.
لا مجال للمقارنة بين الرئيس الـ 46، الآتي من تلة الكابيتول، والرئيس الـ 34، بطل النورماندي، والقائد العام للجيش الأميركي خلال الحرب العالمية الثانية. ولكن هل تمكن المقارنة بين دافيد بن غوريون، الذي أعلن وثيقة قيام الدولة، ووزير دفاعه الشهير موشي دايان، وكل من بنيامين نتنياهو، كلاعب تلفزيوني، ويؤاف غالانت الذي يقول زملاؤه أنه برأس وحيد القرن؟
لكن أميركا ازدادت قوة، وتأثيراً، على مدى العقود السبعة المنصرمة، ان في التكنولوجيا العسكرية أو في الاستقطاب الاستراتيجي. اسرائيل ازدادت تقهقراً. في جنوب لبنان سقط السوبرمان اليهودي (وبكى)، في غلاف غزة، بدا عارياً حتى من هيكله العظمي…
بات معلوماً أن هناك قادة عرب اتصلوا بالبيت الأبيض، كما لو أنها صيحة استغاثة. “النيران تحيط بنا”. مشاهد القتل الهمجي للأطفال، والنساء، ولللرجال، وحتى للحجارة، هزت حتى أرواح الموتى. كل ما استطاعت أن تفعله الأمبراطورية (التي كما لو أنها بقيادة يهوه) هدنة انسانية لأربع ساعات، تسبقها وتعقبها، عواصف جهنم.
العالم كله يهتز. واضح تراجع القادة الأوروبيين عن التأييد المطلق لاسرائيل. هذا وقت لنقول للمستشار الألماني أولاف شولتس انك تفعل بالفلسطينيين أكثر بكثير مما فعله أدولف هتلر باليهود. لكنك، يا رجل، في ألمانيا (مخزن العبقؤيات)، وحيث كانط وهيغل وماركس ونيتشه وحيث غوته ونيتشه واينشتاين وفاغنر وبيتهوفن!
لعلك، أيها السيد المستشار قد تذكرت، وأنت ترى الحطام في غزة، الحطام في برلين. كن كونراد اديناور الذي اغرورقت عيناه، وهو يجمع الركام، ولا تكن ظلاً للقتلة. لو كان غانتر غراس هناك لقال لك “لا تكن الفوهرر، ولكن بثوب كاهن”. الفلسطينيون كائنات بشرية مثل اليهود، ويستحقون موطئ قدم في هذه الحياة، لا الهولوكوست التي تحاول، عبثاً، الهروب من آثاره…
عشية كلام السيد حسن نصرالله الذي تنتظره اسرائيل كما لو أنها تنتظر الزلزال، وهو الناطق باسم كل النيران التي تتأجج في صدور العرب، وفي صدور من يصغون الى دقات قلوبهم في هذا العالم، نقول للذين يتحدثون عن الدولة متى كانت هناك دولة في لبنان. تصوروا دولة يجثم على تخومها أولئك البرابرة، وترفع شعار “قوتنا في ضعفنا”. أن نواجه القاذفات والدبابات بالعتابا والميجانا…
السيد يعلم أي لبنلن الآن، وأن هناك من ينتظر اندلاع الشرارة ليأمر حملة السكاكين بالتحرك. واحداً، واحداً، يعرفهم، ويعرف ما في رؤوسهم، دون أن يدروا أين ستكون هذه الرؤوس اذا جدّ الجدّ. لن يبقى أي منها لأن الأرض ستتجاوزهم، ولأن الدم سيتجاوزهم. القصور ستتحول، حتماً، الى قبور!
السيد يعلم أيضاً أي مأزق في اسرائيل، وأي مأزق في أميركا، الآن. صورة اسرائيل تخفت في أرجاء الدنيا لتتألق فلسطين. بالدم ـ الدم الفذ ـ تتألق فلسطين.
ندرك ما هي الآثار الكارثية لأي حرب في بلد ممزق سياسياً، وطائفياً. ولكن، ألم يقل نتنياهو أنه سيغيّر الشرق الأوسط؟ في هذه الحال، ألا يفترض بنا أن نكون في خندق واحد، للدفاع عن ترابنا. الفلسطينيون أثبتوا، بالدم أيضاً، أنهم أهل للدفاع عن أرضهم، وعن قضيتهم التي عادث، كما الطوفان، الى المشهد الدول.
لسنا نحن بل “النيويورك تايمز” التي نقلت عن أصحاب القرار تخوفهم من اعصار بدأ يتشكل، حتى داخل أميركا، ضد يهوذا القرن. أليست أرض البدايات أرض النهايات؟
السيد يتكلم اليوم لكل من له قلب في هذا العالم، ولكل من يرفع قبضته في وجه الهمجية. واثق بأن اسرائيل ساقطة، ساقطة، ساقطة. لمن يخافون، يقول السيد حسن أن ما سيراه الاسرائيليون، اذا ما حاولوا شن الحرب على لبنان، ما لن يروه في الجحيم.