تمكنت الأجهزة الأمنية الصهيونية من القاء القبض على أربعة من أبطال الحرية بحسب ما ورد في الاخبار البارحة وهذا الصباح. ولا شك خيم الحزن على كل وطني غيور وهذا الشعور هو شعور طبيعي فنحن في النهاية بشر نفرح ونتألم لما يصيبنا وما يصيب احبائنا فكيف بهذه الكوكبة من اللذين حققوا المستحيل. ولا بد من تسجيل بعض النقاط هنا حول الامر:
أولا: انه وكما اشرنا سابقا ان إحتمال القاء القبض على هذه المجموعة او إستشهادهم هو أمر وارد وذلك ضمن الحملة والاستنفار الذي لم يسبق له مثيل للأجهزة الأمنية والإستخباراتية ووحدات المستعربين والعملاء وأجهزة التنصت التي بمقدورها التنصت على كل مكالمة في فلسطين المحتلة الى جانب تمشيط الأرض وطائرت تحلق على مدار 24 ساعة. ولو كانوا قد حصلوا على سلاح بشكل او بآخر لكان إحتمال الاستشهاد وارد أيضا.
ثانيا: إعتقال البعض من أبطال الحرية للان لم يؤدي الى زعزعة الايمان لشعبنا بمقاومة المحتل والإحباط والسكينة والندب على ما حصل كما أراد الاحتلال الذي حاول تصوير الاعتقالات وكأنه إنجاز ضخم وذلك للتغطية على خيبة اجهزته الأمنية والتي هزت الكيان الصهيوني هزة غير مسبوقة وفقدان الثقة بهذه الأجهزة والجيش من قبل الجمهور الصهيوني, فقد عمت المظاهرات والاشتباكات مع جنود الاحتلال التاريخية كافة المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية وكذلك قطاع غزة وداخل 48 مرسلين رسالة واضحة الى العدو الصهيوني. وتزامنت هذه التظاهرات والمسيرات مع إنتفاضة سجناء الحرية القابعين في سجون الاحتلال اللذين اشتبكوا بالأيدي مع السجان والقوات الخاصة التي أرسلت لقمعهم وقاموا بإحراق ما يقرب من سبعة غرف بالكامل وعدد آخر بشكل جزئي ولم يقوى الاحتلال على كسر عزيمتهم. هذا هو شعبنا الذي لم ولن يستكين للجلاد.
ثالثا: لقد حاول الاحتلال وكعادته ومن خلال وسائل الاعلام الصهيونية الى زرع بذور الفتنة ليس فقط بتضخيم الحدث بل وباللعب أيضا في محاولة إحداث فتنة بين فلسطيني الأراضي المحتلة عام 67 وفلسطيني عرب الداخل 48 بالتركيز على عدد من الروايات على ان عائلة عربية قد أبلغت عن إثنين ممن اعتقلوا بعدما قاموا بطلب غذاء من تلك العائلة وفي رواية أخرى من ان شاب عربي يعمل مع الشرطة الإسرائيلية هو من قام بالتبليغ عنهم حال رؤيتهم وغيرها من الروايات والشائعات. أيا كانت الرواية يجب ان نتنبه على ان هدفها هو القول بان فلسطيني الناصرة قد خذلوكم ووصم كل فلسطيني الناصرة بالعملاء للاحتلال. ولا شك ان البعض قد وقع فريسةلهذه الدعاية القذرة وخاصة في البداية تحت التأثير العاطفي لما حدث. ويجب التنبه الى مثل هذه الدعايات المغرضة والقذرة. وحتى فيما إذا ما صحت هذه الاخبار فيجب ان ندرك ان كل ثورة في العالم وبين كل شعب ثائر كان وما زال هنالك مخبرين يعملون مع العدو وهنالك من استطاعت أجهزة المخابرات الإسرائيلية تجنيدهم كعملاء. ونحن لسنا ملائكة هبطنا من السماء وبالتالي ظاهرة العملاء متواجدة والكل يعرف ذلك ولكن هذا لا يعني بالمطلق ان “عربنا خائن” وان “الخيانة” متأصلة فينا …الخ كما ذهب البعض بالقول. حتى في زمن الاحتلال النازي كان هنالك عملاء للنازيين من اهل البلد المحتل.
لا تجعلوا العواطف ان تأخذكم الى حيث يريد العدو. وللجيل الجديد ان يعلم أن أهل الناصرة ومحيطها ربما اكثر من غيرهم هم من حافظوا على الهوية الفلسطينية في داخل 48 ومنهم قامات في السياسة والادب المقاوم ومقاومة المحتل كانوا وما زالوا كذلك وهذا لا يقلل من فلسطيني المدن الأخرى مثل اللد والرملة ويافا وحيفا وغيرها ولكن وجب التنويه لان الاحتلال الصهيوني يحاول تشويه صوره أهلنا في الناصرة.
رابعا: ان القاء القبض على هذه الكوكبة لا يقلل البتة من قيمة وبطولة ما فعلوه على الاطلاق وهذا ما يفهمه العدو الصهيوني الذي حاول وبكل السبل كسر إرادة السجناء المنتفضين والذي حشد كل وسائل إعلامه لتصوير حدث الاعتقال وهم من قالوا ان ذلك غرضه رفع معنويات أجهزته الأمنية ورفع معنويات المستوطنين القدامى والجدد ومحاولة لإعادة ثقتهم بهذه الأجهزة وقدرة الكيان الصهيوني الذي إهتزت سمعته ككيان حامي لليهود وقطعان مستوطني فلسطين التاريخية.
خامسا: وأخيرا هذه ضربة لكل اللذين شككوا عن قصد من الطابور الخامس او دون قصد في الحدث وقدرة الفلسطيني على تحدي الجلاد وأجهزته الأمنية وقدراته التكنولوجية والخروج من اعتى سجن كما يقال والمجهز بقدرات امنية لا تضاهى كما كان يقال. آن لهذه الأصوات النشاز والاقلام المرتزقة ان تبلع خيبتها وخيانتها وقذارتها التي أصبحت واضحة للجميع. ولا بد من القول ان ما يصرف على السجون يساوي ما يقرب من ميزانية السلطة الفلسطينية ككل ومع هذا إستطاعت هذه الكوكبة الخروج من السجن. ولا بد من التنبيه انها ليست اول عملية فقد سبقتها عملية خروج خمسة سجناء عام 1987 من سجناء الجهاد الإسلامي وبقيت المجموعة مدة ستة أشهر في خارج السجن وقاموا بعمليات ضد الاحتلال الى ان استشهد أربعة منهم وتمكن الخامس من الإفلات. ولا شك لدينا ان هذه الكوكبة ستكون على راس قائمة تبادل الاسرى الصهاينة المحتجزين لدى حماس فيما إذا ما تمت صفقة التبادل أو على الأقل هذا املنا في المقاومة.
هؤلاء المقاومين قد نذروا أنفسهم للوطن وتحريره وكل منهم يعتبر نفسه مشروع شهادة.
كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني