بقلم #الناشط_السياسي محمد البراهمي |
تواجه بلادنا، كسائر بلدان العالم، وضعا غير مسبوق ناجما عن تفشي وباء خطير وفتاك، وهو يهدد أساسا الطبقات والفئات الاجتماعية الأقل حماية والأكثر هشاشة، إقتصاديا واجتماعيا وصحيا ونفسيا وقد أدى هذا الوباء إلى إصابة المئات ووفاة العشرات ووضع الآلاف تحت الحجر الصحي الذاتي ،وهي أعداد مرشحة للارتفاع بشكل مخيف في الأيام القادمة إذا تواصل الاستهتار و اللاوعي و اللامسؤولية، و لا يزال هذا العدو الخفي ينتشر حول العالم بأرقام مرعبة في عدد الإصابات والوفيات المعلنة وغير المعلنة، ولا يزال هذا الوباء هاجسا عالميا مخيفا وواقعا حياتيا خطيرا ،
في هذا الوضع الدقيق والحساس على الدولة مصارحة الشعب و طمأنته حول كيفية تجاوز المخاطر المفروضة على البلاد في مواجهة جائحة فيروس كورونا، وذلك من خلال طمأنة المواطنين بان الدولة مستمرة في اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية والاحترازية للحد من آثار هذا الفيروس، و لا يحتاج المواطن إلى خطاب الاطمئنان الزائف الذي تعممه الدولة بمقارنة مع إنتشار الوباء في بلدان أخرى تتوفر لديها إمكانات صحية وقاعدة اقتصادية لا تقارن بأوضاع بلادنا يجعلها مسؤولة على النتائج المترتبة عن استهتارها بخطر حقيقي يهدد صحة الناس.. و يجب اتخاد إجراءات عاجلة و إقناع المواطنين بالتحضير الجماعي لخوض معركة مع خطر وبائي محتمل.. في الأثناء أرى ان البعض ينظرون إلى الخسائر الاقتصادية المترتبة عن إتخاذ قرار الإستنفار الإستثنائي بالعودة إلى الحجر الصحي ، ولم ينظروا إلى الكارثة البشرية التي قد تؤدي إليه تدابير جزئية في ظل انتشار هائل للوباء في حال لم تتخذ الدولة قرارات مستعجلة و موجعة للحد من إنتشار كوفيد-19.. منها المغامرة الصحية في العودة المدرسية بالنسبة للمناطق المصنفة بالموبوءة..
للخروج من هذا المأزق الوبائي الذي يهدد امن و إستقرار تونس يتطلب من كل الأطراف الفاعلة في الساحة الوطنية التحلي بالحكمة والرصانة و الحوار والتشاور لمعالجة المشاكل القائمة وتجنيب البلاد سيناريوهات لن تؤدي إِلا إلى مزيد تعكر الأوضاع وتأزمها.. لا شك و ان الوضع الوبائي في البلاد على مفترق طرق، وإذا لم تتم السيطرة عليه، سوف يدخل القطاع الصحي في مأزق في ظل ضعف المنظومة الصحية.. هذه الأزمة الوبائية لابد أن تكون فرصة حقيقية للدولة لمراجعة شاملة للقطاع الصحي والتفكير في تطوير منظومته مستقبلا و في الحقيقة هذه الجائحة عرت عدة نقائص وزادت في تعميق أزمة المنظومة الصحية و قد أثبت وباء كورونا أن الاستثمار في الصحة ضروري جدا، ولابد أن تعيد الدولة النظر في سياستها الصحية والطبية المستقبلية..
لابد أن يدركوا اهل السياسة حقيقة الوضع الصحي بتونس العاجز تماما عن مواجهة امراض متوسطة الخطورة، يجعل قلوبنا ترتجف من كلفة انتشار كورونا في ظل خراب اقتصادي واجتماعي خلفته سياسة عقود نتيجة التبعية المفلسة، فككت خدمة الصحة العمومية وفتحت أبوابها أمام الرأسماليين الخواص وتحولت المستشفيات العمومية إلى بنيات عاجزة بسبب قلة الأطر الطبية والشبه الطبية وقلة التجهيزات الطبية، بالرغم من أن غالبية التونسيين ليس أمامهم إلا تحمل معاناة المرض حتى يحين دورهم، جراء سياسة التهميش و التمييز السلبي .. كيف لنا ان نتحدث عن مبدأ التمييز الايجابي بين الجهات الذي جاء به دستور 2014 و لم يطبق إلى حد الآن، ينبغي أن تقوم الدولة بواجبها من خلال توفير البنية الأساسية للجهات الداخلية المنسية و توفير كل الإمكانيات والموراد المتاحة لمجابهة هذه الجائحة في الولايات الداخلية المهمشة.. حتى نستطيع أن نتحدث عن دولة قوية وعادلة و مبدأ التمييز الإيجابي بين الجهات و يتمتع المواطن التونسي البسيط بحقه في الصحة و العيش الكريم..
في هذا الظرف الوبائي الإستثنائي مسؤولية مكافحة إنتشار كورونا لا تقع فقط على جانب السلطات الرسمية و الطبقة السياسية بل تشمل جميع المواطنين بمختلف فئاتهم و انتماءاتهم من خلال الامتثال إلى الإجراءات و الإلتزام الجاد بالبروتوكول الصحي ،و توحيد الجهود، والتكاتف من أجل مواجهة هذا الخطر الذي أصبح تحديا كونيا، وذلك من خلال الانخراط المسؤول والملتزم في جھود الحد من انتشار الفيروس،
عندما يدرك كل فرد من مجتمعنا أن مسؤولية مكافحة انتشار الوباء تنطلق من مسؤولية فردية لتكون بعدها مسؤولية جماعية في معاضدة مجهودات الدولة، عندها فقط نكون قد خطونا الخطوة الصحيحة في وضع حد لانتشار هذا الوباء الفتاك..
وما ينبغي التأكيد عليه هو أن على كل مواطن مسؤولية كبيرة لحماية نفسه وأسرته ومحيطه ووطنه،من خلال الالتزام بالتدابير الاحترازية، بمعنى أن مسؤولية الانتصار على جائحة كورونا ،مسؤولية جماعية من أجل الخروج بأقل الخسائر..
و أخيرا.. و بدون تهويل إذا لم تتوفر الإرادة السياسية و المجتمعية لمجابهة هذه الجائحة فإن كورونا ستكسب المعركة أمام غياب الوعي و اللامسؤولية.. ويبقى السبيل الوحيد لمواجهة كورونا بين الرهان على الوعي المجتمعي و الإرادة السياسية..
“حفظ الله الوطن و الشعب التونسي من كل سوء ”