نحن نتبنى تماما منهج وعقيدة الوقاية من الثقافة السياسية للفساد والثقافة الاقتصادية للفساد وثقافة الفساد بشكل عام من عمقها الانثروبولوجي والانثروبولوجي السياسي إلى عمقها الديكولونيالي النازع للاستعمار. وهنا نحيل كل من يهمه العقل الوطني والتحري على رأي آراء ارتورو وارمان في جزئية مفهوم الفساد على انه تبعية وتخلف واختراق اجتماعي ومن بعده سائر رموز مدارس وتجارب التحرر وما بعد الاستعمار ونزع الاستعمار في كل جوانب الحياة.
إننا نعيد صياغة وإنتاج مجموعة من المبادىء الأساسية العليا لنظام حكم وطني وسيادي، قاعدي وموسع، لائق ورفيع، مسؤول وناجع، نزيه وحكيم ويحقق تونس الاستراتيجية التي نطمح إليها جميعا. وكانت كلها محاولات امتدت منذ ما قبل سنة 2011 وخاصة ما بعده، وحتى سنة 2020 في مجموعة من المقالات المتواضعة في مختلف الصحف التونسية والعربية ومن بينها جريدة الشعب وجريدة الشروق وجريدة الصباح وموقع المحور العربي وموقع الحوار المتمدن وموقع رأي اليوم وموقع الميادين نت… الخ. وسينجر عن ذلك بداهة ما سينجر في مستويات النظام السياسي والنظام الانتخابي واستراتيجيات المستقبل ودور نخب نزع الاستعمار وواجب جماهير جمهورية الحق والقرار والاقتدار.
أولا:
تقديم أي جهة تتقدم في أي انتخابات ينجر عنها تشكيل حكومة (حتى إذا كانت جهة فردية)، تقديم مرشح لها لرئاسة الحكومة أو مجلس الوزراء أو حتى الوزير الأول وهذا بصرف النظر عن كيفية تكليفه ومن يكلفه وصيغة التصديق عليه.
ثانيا:
إنهاء شريعة قبول أي مرشح لرئاسة الحكومة لا يكون مترشحا للانتخابات ومنتخبا فيها بشكل مريح ومحترم. وإذا لزم الأمر انتخاب رئيس الحكومة وأعضاء الحكومة مباشرة من الشعب من ضمن قائمات اسمية متنافسة حزبية أو ائتلافية أو مستقلة أو رئاسية (يقترحها من يرشح نفسه رئيسا) أو برلمانية تقترحها كتلة أو مجموعة كتل برلمانية وتتنافس على كسب صوت الشعب… وهكذا من الصيغ التي يمكن أن تكون عديدة مباشرة وغير مباشرة.
ثالثا:
تقصي كل هيئات الدولة الرقابية عميقا وقبليا، ومعها كل المؤسسات المعنية الأخرى حول المرشحين قبل الحملات الانتخابية وغربلة المترشحين عند تقديم ترشيحاتهم في مدة تحقيق معقولة
رابعا:
تقديم المرشحين لهذه المناصب العليا مذكرات رؤى وبرامج سياسية بحثية محكمة علميا تنجزها فرق عمل وتنشر للعموم ويجري نقاشها العام قبل مدة معقولة من تقديم الترشحات مع الاستئناس بعقول الهيئات الاستراتيجية القارة للدولة اذا وجدت.
خامسا:
قطع دابر التدخل الأجنبي والتوجيه الأجنبي الخارجي في عملية طرح وتصعيد المعنيين بتولي مثل هذه المناصب القيادية في الدولة والمتعلقة بمصير الوطن والشعب والدولة وابعاد كل لوببات النفوذ والتأثير الداخلية عن هذه العملية.
سادسا:
اعتماد مبدأ الثقة المتناسبة بين مؤسسات الحكم المنتخبة وتعزيز الأغلبية الاجتماعية الشعبية (لا مجرد العددية) بالجدارة الاعتبارية والاهلية الأخلاقية والكفاءة السياسية – العلمية والأحقية القانونية.
سابعا:
عدم السماح دستوريا وشعبيا بقبول أي وضعية تخرق هذه المبادىء لصيانة الاستقلال وسيادة البلد ومناعة الوطن وحق شعبه الحصري والتام في تقرير مصيره.
ثامنا:
عرض هذه الصيغة بعد التهذيب والحوار المعمق على الاستفتاء الشعبي والعمل على توسيع هذا الامتحان الوطني والديمقراطي والشعبي البديل ليشمل كافة المسؤولين السياسيين في كافة منظومات الحكم المنتخبة وفي أدنى تقدير الرئيس ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان. وانها فرصة تاريخية غير قابلة للتضييع ولا تقبل لا التسقيط الشعبوي السياسوي ولا التسقيط النخبوي التبعي والاستعماري.
أما في واقع الحال، فنعتبر في رسالة بسيطة إلى كل من يهمه الأمر ان التمسك بقشة لا يضر القشة في شيء بل يحرق المتمسك بالقشة. وان البلاد تحتاج صخرها الصلب لا قشها الهش المتناثر، وهي التي تكتوي بنيران المفاهيم الكاذبة والمزعومة والمتخلفة أكثر من الأخبار الكاذبة والرايات الخاطئة. ونرى ان تبييض الفساد المركب والتزوير العميق لوعي الناس أفسد من الفساد المرتكب.
ليس من مكر التاريخ ولا من نكد الدهر أن يسمي الفاسدون فساد الحكومة تصفية حسابات، وإنما هو عصر يكاد فيه المعنيون التنظير لفساد شريف وبريىء وفساد فاسد عمد، بل فساد هجوم على الخصوم وفساد دفاع عن النفس.
إن من يجبن أمام الفساد يجبن حتما أمام الاستعمار
ومن يجرم في حق وطنه بداعي التبعية يجرم حتما بداعي الفساد.
وان كل من سوف يتواطؤ في تبييض الفساد الحكومي والمشاركة في هذه الجريمة القذرة، سوف يدفع لاحقا كل الأثمان الغالية. ولن يستثنى من ذلك أي حزب حكومي ولا رئيس الجمهورية ولا البرلمان ولا المنظمات الوطنية.
وبدل البكائيات والتخاذل ولعب دور الضحية وتعويض البذل الصلب بالاوهام الكلامية اليومية التي لن تغير شيئا، على من تبقى من شرفاء تونس أن يقوموا بما يجب القيام به وتضحية:
سلطة القش الفاسدة التي يعشش تحتها الخراب يجب أن تزال من مستقبل تونس.
النشر والتداول والنقد والنقاش مكفول للجميع.