يرى الباحث الكندي ستيفن غاوتز أن مشروع إنشاء دولة عربية واحدة تقف في وجه الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط كان أساسه التضامن المفقود بين القاهرة ودمشق وبغداد.
هذا الرأي جاء في كتابه «حرب واشنطن الطويلة على سورية» في الصفحة (20) ترجمة د.غياث بركات وإصدار الهيئة العامة السورية للكتاب مؤخراً.
الكاتب مراقب موضوعي لأنه أجنبي يرى الأمور بمنظار علمي، فهو لا يملك أي عاطفة تجاه قضية القومية العربية وسعي القوميين العرب إلى إعادة بناء واقع الأمة.. وتقدير الكاتب حول «التضامن المفقود» بين القوميين تقدير حقيقي ينبغي أن نعترف به، ومن الممكن أن نضيف العاطفة إلى العلمية شرط ألا تعمينا العواطف عن الحقائق، أي أن نلتزم نهج النقد الذاتي!.
لماذا حصل ما حصل وأخذت الدوحة والمنامة والرياض دور المتحدث باسم المنطقة أمام العالم مع تراجع العواصم العربية الكبرى الثلاث؟.
كتبت عن هذا الموضوع غير مرة، وكنت دائماً ألقي اللوم على القوى القومية العربية التي كان تضامنها المشترك مفقوداً، لا بل كانت العلاقات بينها في أغلب الأحيان شبه عدائية..
لم تنجح عدة محاولات لتحقيق شكل من أشكال الوحدة بين الدول التي تحكمها قوى قومية (مصر، سورية، العراق، ليبيا، السودان)، بينما يستمر في نجاحه مشروع «الدول الرجعية».
إنه عبث السياسة الهارب من وحدة الإيديولوجيا بالنسبة للقوى القومية. كان خطاب سورية ومصر والعراق واحداً منذ عام 1958 (الوحدة السورية- المصرية وثورة تموز العراقية)، واستمر الخطاب موحداً حتى آخر أيام الناصرية وأول أيام «كامب ديفيد» في مصر، أما مع العراق فبقي الخطاب حتى الاحتلال الأمريكي عام 2003، وكانت المستندات الإيديولوجية لهذا الخطاب واحدة، لكن النزاع السياسي كان على أشدّه من دون أي منطق أو تفسير موضوعي.
الأمر الثاني، الذي سبّب فشل المشروع القومي، هو في تمسك القوى القومية بنهج التماثل، أي «ينبغي أن تكون مثلي في كل التفاصيل وإلا فأنت عدوي».. إنه الافتقاد الخطير لثقافة الحوار والتوافق..
الأمر الثالث هو «الرومانسية السياسية» التي كانت تقول إما الوحدة العربية أو لا شيء.. في النهاية خرجنا «بلا شيء».
..اليوم لابدّ من أن يكون منطلقنا لإعادة الجبهة القومية هو دعم الدول العربية، لا كي تتوحد في دولة واحدة، وإنما بالعكس تماماً كي تحاول الحفاظ على استقلالها، فأول خطوة نحو مشروع قومي واقعي هو أن تتمتع الدول العربية باستقلال ناجز.