دخلت الامبريالية حروبا كثيرة ولكن حربها ضد الأمة العربية والإسلامية مختلفة، من الحضور المكثف لتاريخ طويل من الصراع يمتد إلى عشرة قرون، حيث لا يمكن للجميع نسيان الحروب الصليبية وحملات الاحتلال التي بدأت مع القرون الثلاث الاخيرة.
وعمدت هذه القوى إلى غرس الكيان الصهيوني وسط الأمة العربية والإسلامية ليكون قاعدة عسكرية كبيرة وممتدة وقادرة على تغيير هوية المنطقة نهائيا.
ولكن هذا المشروع فشل لسبب رئيسي وهو تصدي أمة المقاومة وعزمها على تقديم أعظم التضحيات لمنعه وقطع الطريق عليه.
ويمكننا أن نعتبر حادثة إسقاط البرجين في العاصمة الأمريكية 11~9~2001، هي بمثابة الإعلان الرسمي عن انطلاق مرحلة الحضور المباشر والمكثف للولايات المتحدة الأمريكية داخل منطقتنا.
وقد رفع جورج بوش الإبن شعار ” الفوضى الخلاّقة ” خلال احتلال العراق عام 2003، حيث انطلق البرنامج الجديد لتدمير الوضع القائم وتأسيس دول جديدة وجغرافيا جديدة تستجيب للهيمنة الأمريكية وتقبل بالقيادة الصهيونية للمنطقة.
وطيلة العقدين الماضيين تنوعت الأسماء والشعارات ولكن المسمى بقي واحدا، والمستهدف لم يتغير.
فقد استعملت وزيرة الخارجية الأمريكية مصطلح “مخاض الشرق الأوسط الجديد ” تعليقا منها على بشاعة الحرب الصهيونية ضد الم_قاومة اللبنانية في تموز 2006، وتم الحديث عن تأسيس الشرق الأوسط الكبير الممتد من المغرب الأقصى إلى الباكستان مرورا بالمنطقة العربية كلها وتركيا وايران وأفغانستان ثم الباكستان، وتزامنا مع مرور قرن من الزمان على اتفاق تقسيم الدول العربية وسرقة حراك عربي وفي إطار الإشارة الرمزية إلى الاتفاقيات الاستعمارية الظالمة التي مزقت الوطن العربي والأمة الإسلامية عام 1916، جاء مصطلح ” سايكس بيكو الجديد “.
إن القرار الاستكباري العدواني بتقسيم سوريا والعراق والسعودية ومصر وغيرهم من دولنا، تم الإعلان عنه بوضوح بعد اجتماع عقده رؤساء المخابرات الأمريكية والفرنسية والبريطانية في 28 أكتوبر 2015 ، فقد أجمعوا على أن حدود الشرق الأوسط القديمة قد انتهت عمليا ولا يمكن العودة إلى الوراء.
في قلب هذه المعركة الممتدة على كامل الوطن العربي والإسلامي، كان القادة الشهداء يخوضون معركة مفتوحة وغير مسبوقة.
فقد استطاع العدو تصنيع جماعات جهادية ارهابية تكفيرية وكانت تعد بعشرات الآلاف من المقاتلين، كلما مات عدد منها فإنه يتم تعويضهم وبسرعة بعشرات الآلاف الجدد.
جميع الدول المرتبطة بالاستكبار العالمي شاركت بشكل ما ضمن الحرب الكونية على أمة المقا_ومة.
وقد تحدث رئيس الإدارة الأمريكية السابق ترامب عن خسارة أمريكية في سوريا تقدر بـ 7000 مليار دولار، وهو رقم خيالي يفوق ميزانيات دول.
كانت الرهانات كبيرة جدا وصفها كثيرون بأنها حرب عالمية جديدة، رهانات سياسية واقتصادية وأمنية واستراتيجية.
وكان المتضرر المفترض هو الأمة كلها دون استثناء، من المغرب الأقصى إلى الباكستان.
إن المعجزة الأولى التي صنعها القادة الشهداء (الحاج قاسم سليماني والحاج ابو مهدي المهندس) هي قرار المواجهة ورفض الخضوع المذلّ للبرنامج الأمريكي والص_هيوني، رغم الاختلال الكبير في موازين القوى، وكان عزمهم على الجهاد والصمود إحياء لتلك السنّة الرسالية الجهادية: حيث جاء في سورة آل عمران 176 :
” ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَٰانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ “
يمكن للأمة الإسلامية ولجميع المظلومين في العالم أن يفخروا بأن رجالا منهم صدقوا العهد وثبتوا في ميدان معركة عالمية وقادوا المعارك بكل شجاعة وذكاء وأخلاقية واستطاعوا أن يصنعوا نصرا كبيرا وتاريخيا ضد الإمبريالية العالمية مجتمعة.
وقد تحقق هذا النصر بسرعة قياسية حيث كانت توقعات دوائر الاستكبار تؤكد أن داعش سيمتد عمرها إلى ثلاثين سنة مما يجعلها قادرة على تحقيق جميع الأهداف التي تمت برمجتها من حيث تفتيت الأوطان ومن حيث التدمير الممنهج لجميع مظاهر الحضارة ومن حيث إشاعة البداوة والتخلف بين أبناء الأمة ومن حيث تدمير جميع الروابط الإنسانية والدينية والإسلامية والوطنية في أمتنا، مما يعني أن الأمة كانت في مواجهة حرب الإبادة الجماعية.
أراد البرنامج الامبريالي أن تكون داعش هي المركافا الصهيونية الجديدة التي تقوم بسحق جميع أشكال المقا_ومة، وتهيء المنطقة لتكون خالية من اي مشروع مقاوم أو وطني أو سيادي، وليتم قتل جميع المقا_ومين وسحلهم في الشوارع وتعذيبهم وحرقهم من طرف أبناء أمتهم وتحت صيحات التكبير…
إن راية ” لا إله إلا الله محمد رسول الله ” التي جاءت رحمة للعالمين ومحبة للمحرومين وانتصارا للمستضعفين تحولت ضمن هذه الجريمة البشعة إلى راية الإرهاب والفساد والقتل والخراب.
وعندما تغرق المنطقة في الدماء والخراب فإنه من السهل أن يتقبل الجميع وفي صمت مطبق دخول جرحى داعش للاستشفاء داخل مؤسسات طبية تابعة للكيان الص_هيوني…
كانت الأمة الإسلامية كلها أمام كارثة معنوية ومادية هائلة تتجاوز كثيرا نكبة 1948…
ورغم ضخامة الجريمة وامتدادها فقد صنع القادة الشهداء معجزة أخرى وتحقق النصر بسرعة قياسية ضد داعش وصناع داعش وحماة داعش ومشروع داعش، وهو نصر حقيقي لكل عربي ولكل مسلم ولكل مستضعف ولكل إنسان.
وهذه قيمة اضافية في جهاد القادة الشهداء، فقد كان صمودهم وجهادهم نيابة عن الجميع وخدمة للجميع.
ويمكننا أن نوجز أربع خصائص في شخصية الشهيد القائد الحاج :
–1~~ الخاصية المعنوية لشخصية القادة الشهداء: ونعني بها شدة إيمانهم بالغيب، بالله وبعالم الآخرة وتشبعهم بالقيم الإلهية العظيمة، وهذا الارتباط العميق يرتفع بهم في مستويات التخلّق والمحبة وجميع القيم الإنسانية الإلهية.
-2~~ الخاصية الثانية وهي معرفة العدو: إن هؤلاء الشهداء نشأوا وتربوا فكريا وسياسيا على أن الإدارة الأمريكية هي الشيطان الأكبر وأن الكيان الص_هيوني هو غدة سرطانية، مما يجعل القضية في مستوى الحقائق الإيمانية والبديهية.
إن الدرس الاول التي تلقاه آدم عليه السلام كان بعنوان “إعرف عدوك”
والقادة الشهداء يعرفون جيدا عدوهم وقد عبّروا عن ذلك مرات عديدة، يعرفونه سواء ظهر مكشوفا أو محاولا التنكر .
-3~~ الخاصية الثالثة: الوحدة، استطاع القائد سليماني أن يكون نموذجا فريدا في توحيد جبهة المقا_ومة وفي حفظ الحد الأدنى الضروري لوحدتها، ولم يكن هذا الأمر سهلا طيلة سنوات من الحرب الكونية ضد الأمة الإسلامية ورجال المقاومة، ولم تستطع المخططات الصهيونية والأمريكية الضخمة أن تعطل جهوده الوحدوية.
-4~~الصبر: إن الشهيد القائد الحاج قاسم سليماني جسّد نموذج الصبر الجهادي المقترن بالعمل وبالحوار وبصناعة الحلول واتخاذ القرارات الصعبة في اللحظة المناسبة.