كارثة إنسانية أصابت لبنان وعلى وجه التحديد في طرابلس مع الحدث المفجع بغرق قارب ذهب نتيجته ما يقرب من 30 انسان ما بينهم أطفال وأمهات حوامل. لم تضح الصورة بعد ولحين كتابة هذه السطور عن هذه الكارثة الإنسانية بكل أبعادها ونتائج التحقيق في القضية التي ما زالت مستمرة للوقوف بتفاصيل الحدث. التفاصيل في مثل هكذا كوارث إنسانية لا تتعدى ولن تتعدى الجانب اللوجيستي وكالعادة لن تتناول الأسباب الجوهرية التي تدفع او التي دفعت هؤلاء الناس كبارا كانوا او أطفالا ومن ضمنهم الرضيعة التي توفيت ان يأخذوا مثل هذه المجازفة الخطرة بالحياة وركوب البحر الهائج حاملين ارواحهم وارواح صغارهم تحت رحمة الأمواج.
لن تجد في التحقيقات توجيه أصابع الاتهام الى المافيات المالية والسياسية التي كانت السبب الرئيس في خراب البلاد والعباد.
لن توجه أصابع الاتهام الى الشرائح الفاسدة التي قامت بنهب الدولة ومقدرات الناس المعطرين وتحصيل المليارات من الدولارات عبر مجموعات متخصصة باللصوصية والتهريب وغسيل الأموال.
ولن توجه أصابع الاتهام الى هؤلاء اللذين قاموا بتهريب مليارات الدولارات الى خارج البلاد عندما شعروا ان الأمور ذاهبة من السيء الى أسوأ في لبنان بسبب الفساد المالي والسياسي والاخلاقي والإنساني في لبنان واللذين هم يشكلون الجزء الأكبر من هذه الظاهرة غير المسبوقة بحدتها في تاريخ لبنان المعاصر والتي وصل الحال ببعض العائلات تقديم اطفالها لمن يستطيع ان يقدم لهم رغيف الخبز.
و لن توجه أصابع الاتهام الى ربما اقل من 1% من الشعب اللبناني اللذين هم من أصحاب المليارات وناهبي خيرات البلد بأكمله واللذين لا يشكل لبنان لهم سوى مشروعا اقتصاديا لهم ولعائلاتهم والاقربين يحلبونه ليلا ونهارا بينما ربما أكثر من نصف العائلات اللبنانية أصبحت تتضور جوعا ولا تجد ما يسد رمق افرادها ولا فارق بينهم وبين أغلبية الشعب اليمني الذي تحول مئات الالاف من اطفاله الى هياكل عظمية حية نتيجة الحرب الهمجية التي تشنها النظام السعودي والامارتي
لهذا كله اتخذ هؤلاء الغلابا والمعترين الطريق الى البحر علهم يجدون على الطرف الاخر من اليابسة ما يسد رمقهم والبدء بنسج حياة أفضل لهم ولأبنائهم، ولكن البحر لم يمهلهم فالتهمهم قبل ان يصلوا مبتغاهم.
هكذا كان وسيبقى الحال في لبنان طالما بقيت الطغمة المالية والسياسية الفاسدة تتحكم في لبنان وفي رقاب العباد. وطالما بقي النظام السياسي الطائفي المقيت ونظام المحاصصة التي تطال كل جوانب الحياة والمؤسسات وعدم اقتصارها على المقاعد والمراكز السياسية.
كان وسيبقى الحال على ما هو طالما بقي طاغوت المال هو المتحكم في إدارة البلاد واقتصادها وتوزيع مقدرات البلد بين القلة القليلة من العائلات وكأن الدولة ملك لهم. كان وسيبقى الحال على ما هو طالما بقيت العصابات المافيوزية متحكمة بالبنك المركزي اللبناني ولا تستطيع الدولة ولا القضاء ولا الأجهزة الأمنية القاء القبض على من ساهم وبشكل مباشر في خراب البلد التي قاربت ان تعلن افلاسها لأنه محمي من عصابات المافية ومحمي من قبل الصندوق الدولي ومحمي من قبل السفارة الامريكية في لبنان التي تتحكم بمفاصل السياسة الداخلية والخارجية “على عينك يا تاجر” كما يقول المثل هذا بالإضافة الى الأدوات الإقليمية وخاصة عش الدبابير وأبو منشار. هل هذا تجني يا سادة؟ اليس هذه هي الحقائق المرة التي يحاول البعض أي يخفيها بأصبعه.
من غيبوا عن هذه الحياة بأثر الفاجعة لهم الرحمة ولأهلهم والشعب اللبناني المعتر العزاء وكل المحبة أما المسؤولين الفعليين عن هذه الفاجعة والذي لن يطالهم القانون ولا التحقيق لا رحمة لهم او عليهم.
كاتب وباحث فلسطيني