قبل أن نتحدث عن أكبر أزمة نفط تمر بالعالم منذ عام 1986 والحال الذي وصلت له السعودية، وأوصلت له الولايات المتحدة الأمريكية التي تتوعد ولي العهد السعودي، وتزبد غضبا من اتفاقه مع روسيا، والذي أغرق المستهلكين والمنتجين الأمريكيين، علينا أولا أن نقول الحمدلله أن جعل الله قطر تخرج من منظمة أوبك الفاشلة، والتي تديرها كبار الدول المنتجة للنفط وصبت كل اهتمامها على منتج الغاز، والذي تضاعف سعره باعتبارها من أكبر المنتجين والمصدرين له، وتبدو قطر بجانب الكويت فقط اللتين لن تتأثرا بالوضع الذي آلت إليه أسعار النفط على عكس باقي الدول الخليجية، وأكثرها تأثرا هي السعودية التي تواجه انتقادات كبيرة في واشنطن بعد اتهام ستة أعضاء جمهوريين بمجلس الشيوخ الأمريكي باستغلال الرياض انتشار وباء فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية لتصفية الحسابات في سوق النفط، وأن دوافعها قد تكون متعددة أهمها زعزعة استقرار استثمارات طويلة الأجل في أمريكا، وأن هيمنة بلادهم على الطاقة باتت تهديدا مباشرا من بلد يعد بحسب قوله حليفا وصديقا لأمريكا!.
وبعيدا عن نظرة الشك الأمريكية التي باتت صريحة لنوايا الرياض في لعبتها الخاسرة بالتلاعب في أسعار النفط، فالسعودية نفسها وقعت في شر أفعالها، بعد أن دخلت شركة أرامكو النفطية السعودية في تفاوض مع عدة بنوك لاقتراض ما قيمته عشرة مليارات دولار للمساعدة في تمويل يصل إلى 70% لضمان استحواذ حصة في الشركة السعودية للصناعات الأساسية “سابك”، في الوقت التي سعت فيه لجمع ما قيمته سبعة مليارات من الدولارات الخضراء الأمريكية من خلال بيع سندات دولية لتعويض انخفاض حاد في عائدات النفط وسط مخاوف من أزمة سيولة تمنعها من تحقيق ما أعلنت عنه سابقا في قدرتها على شراء النادي الإنجليزي نيوكاسل يونايتد الذي كان حلما يراود ولي العهد السعودي، ليكون رئيسه رغم تحفظ كثير من القيادات الرياضية في بريطانيا على هذه الصفقة، والتي تحقق للسعودية حلمها بأن تكون قوة فيما أسموها بالحوكمة الدولية لكرة القدم، ويبدو أن هذا الحلم لن يتحقق على المدى القريب بعد الانهيار التاريخي لأسعار النفط، والذي لم تشهد هذا المستوى من الانهيار منذ أكثر من عشرين عاما، نتيجة الأزمة التي تراجع الطلب فيها على النفط ومشتقاته خلال الأشهر الماضية، بسبب إجراءات الإغلاق في مختلف دول العالم بسبب تفشي وباء فيروس كورونا، واضطرار الجميع لالتزام بيوتهم وتوقف العديد من المصانع.
ورغم التصريح المقتضب لترامب في أن الانهيار التاريخي الذي شهدته أسعار النفط بأنه “قصير الأجل”، وناجم عن ضغوط مالية، إلا أنه تدارك الأمر بالتصريح أيضا بأنه يفكر بوقف شحنات النفط القادمة من السعودية، ويعتزم أيضا زيادة مستوى مخزون النفط الخام لحالات الطوارئ في البلاد مع هبوط الأسعار، وأنه سيستغل هذا الانهيار التاريخي الحاصل لأسعار الخام لشراء 75 مليون برميل لملء مخزون بلاده الاستراتيجي من النفط، إلا أن تصريح رئيس البلاد لم يمنع تهكم وغضب الكثيرين من ردود الفعل الأمريكية لكثير من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوري، والذي ينتمي له ترامب نفسه الذين اعتبروا ما فعلته الرياض وروسيا هو إغراق الأسواق العالمية، بهدف سحق منتجي النفط والغاز الأمريكيين، وهذا تصرف يهدد الاقتصاد والأمن القومي لبلادهم، وطالبوا ترامب بوضع رسوم للوقود السعودي المُصدّر لهم، وهذا ما لم يعتمده ترامب حتى الآن، ولكن الواقع يبدو أشد على السعودية التي تبدو فقيرة بالسيولة جراء توقف الكثير من مشاريعها، بسبب كورونا ومشاكلها النفطية التي لم تؤت أُكلها بحسب ما كانت تعتقد، حيث نشرت رويترز أن المملكة لم تشعد مشاريع جديدة منذ أكثر من شهرين وتوقف مشاريع توسعة الحرم المكي بعد تفشي الفيروس في عدد من العمال، ولعل ما كان السبب فيه فيروس كورونا جاءت السعودية لتكمله بأزمة نفط فاشلة!.
ebalsaad@gmail.com