مصيبة قتل سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين عليه السلام لا تعادلها مصيبة في الاسلام، ورزيتها باقية بقاء من أسسوا أساس الظلم لأهل البيت عليهم السلام يتعبّدون بتجاهل حقوقهم، وفي نفس الوقت يدّعون محبّتهم بالإدّعاء دون الفعل.
من عرف الإمام الحسين بن علي عليه السلام، شخصيّة بما اشتملت عليه من خصائص فريدة عالية المضامين، لم يجد عناءً في معرفة هجرته إلى الله سبحانه بالطريقة التي اختارها، ومضى عليها مطمئنّا راجيا ما عند الله، صادقا في عهده معه، موطّنا نفسه على لقائه مظلوما منتهكا حرْمته، شاء الله أن يراه في ذلك المقام من التضحية والفداء راضيا قانعا، وأكرم بها من خصوصية حسينية لم يصلها حتى يحي نبيّ الله. (ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله)(1)
وما كان الدين الإسلامي – وهو خاتم شرائع الله – ليستمرّ أداؤه بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم جسدا بلا رأس، يقود أحكامه ويوجّه سياسته في الناس، فمن البداهة إذا، أن يكون لإمامة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقيادته للأمة خلفا له، منصوصا عليه من طرف من هم أدرى بمعرفة الأولى بها، ومن السذاجة الإعتقاد بأن الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم أوكلاها للناس، ومن هنا بدأ الإنحراف بها سريعا، من مقام الوحي في تعيين الأولى بتقلّدها، إلى مقام هوى الناس واختياراتهم الخاطئة.
مسألة الإمامة (الحكومة في الإسلام) هي من الضرورة بما كان، في تعيين من هو مؤهّل لها في أخريات حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يألو جهدا في التعريف بالشخص المعنيّ بها كلّ مناسبة، في سلم كانت أم في حرب، وفي حضر أو في سفر، وعلى الرّغم من أنّ التّعيين والإستخلاف كان واضحين، في بيانه الذي تناوشته أيدي المُحرّفين، فزادوا فيه وحذفوا منه، ووصل إلينا عاما مبهما يَصْدُقُ على كلّ قرشي برّا كان أم فاجرا : (إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة.. كلهم من قريش) (2)
خلفاء الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، هم صفوته من خلقه، ومن خير بيوت أنبيائه، ممن فضلهم على العالمين لمعرفته الدقيقة بأشخاصهم ونفسياتهم وروحانياتهم ومدى قربهم منه، ومقدار حبّهم له، فزكّاهم وزادهم من فضله بأن بوّأهم مكانة رفيعة في الدنيا، بإمامة إلهية هادية إلى الحق بإذنه، وأعطاهم الإمامة والعلم والحكم والقيادة في الدنيا (إنما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون)،(3) والأعراف والشهادة والشفاعة في الآخرة (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) (4)
هذه الإمامة التي أحصى الله في أشخاصها، كل شيء مما يحتاجه الناس لمعاشهم ومآبهم (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) (5) استهدفت بالتّعطيل والتجاهل من طرف فئة، لم يرُقْ لهم مسارها فعارضوا تعيين أهلها من صفوة الله في الأمّة، طمعا في الحكم وطلبا للرئاسة، فتربّصوا بالنبي (ص) وحاولوا اغتياله عند منصرفه من تبوك ليلة العقبة، ثم عملوا على صرفها بحيلهم وتآمرهم عن الإمام علي عليه السلام أولا، ثم تلا ذلك بقية أولاده من أئمة الهدى عليهم السلام بأساليب خبيثة ووحشية، تعنونت بالغدر والتنكّر لأولياء الله في مودّتهم وطاعتهم، متجاهلين مقالات الوحي والنبوّة المتكررة بشأنهم: (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)(6) (من كنت مولاه فعليّ مولاه) (7)(الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا)(8) ( الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة)(9) (حسين مني وأنا من حسين أحبّ الله من أحبّ حسينا حسين سبط من الأسباط)(10) (إنّي تارك فيكم ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي) (11)
هذا البيت الطاهر، الذي أراد الله أن يكون أهله، أئمة وقادة وهداة للأمّة من بعد نبيّها (في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله عز و جل فانظروا من توفدون)(12)
ولولا صرْفُ الحكومة عنهم بدأ من حادثة سقيفة بني ساعدة، لحكموا في الأمة بالهدى ودين الحق، لذلك أقول إنّ ما وقع في السقيفة كان تأسيسا لكربلاء، و تمهيدا للعدوان على صفوة الله الطاهرين، وإيذانا لقلب واجب مودّتهم، (ذلك الذي يبشر الله به عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه من أجر إلا المودّة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا)(13) إلى معاداتهم وحربهم، ولو أن الله سبحانه أمر هذه الأمّة بمعاداتهم ومحاربتهم، لما جاؤوا بأكثر مما فعلوهم بهم، فأسفي على امّة كيف ضيّعت صراط أوليائها المستقيم، لتتيع أشباه رجال ما زادوهم إلا خبالا.
وأعجب ممن يدّعي حب أهل البيت عليهم السلام ويستنكر احياء مناسباتهم، ويبكي على أقاربه في مصائبهم ويتعاطف معهم ولا يرى لمودّة أهل بيت النبي(ص) مكانا في قلبه وحياته، مع أنها فريضة ملزمة كأجر للرسالة التي أدّاها خاتم الأنبياء سيّدنا وسيدهم، ويقيني أن من أهم أسباب عدم توفّقنا الى نهج الحق وصلاح حالنا يعود بالأساس الى بعد هذه الأمة عن هؤلاء الأطهار الأخيار فمتى تعي النصيحة وتستوعب الدرس؟
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين، والسلام على زينب وقلبها الصبور وشخصها الجسور بطلة كربلاء، اللهم لا تفرق بيننا وبينهم دنيا وآخرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المراجع
1 – سورة النساء الآية 100
2 – مسلم كتاب الامارة باب الناس تبع لقريش ج6ص3ح1821/باختلاف يسير البخاري كتاب الاحكام ج9ص81ح7222 وح7223/
3 – سورة المائدة الآيتين 55/56
4 – سورة البقرة الآية 143
5 – سورة يس الآية 12
6 – سورة الأحزاب الآية 33
7 – سنن الترمذي ابواب المناقب عن رسول الله ج6ص79ح3713/سنن ابن ماجة المقدمة ج1ص136ح121/مسند أحمد بن حنبل مسند علي بن ابي طالب ج2ص71ح641 وص262ح950و951 وص268ح961 وص434ح1311
8 – تاريخ دمشق ابن عساكر ترجمة الإمام الحسن بن علي ص209 / مناقب آل ابي طالب ج 3ص394
9 – فرائد السمطين الجويني الحنفي ص42
10 – سنن الترمذي أبواب المناقب عن رسول الله ج6ص118ح3775/سنن ابن ماجة المقدمة باب في فضل الحسن والحسين ج1ص152ح144/مسند أحمد بن حنبل مسند الشاميين حديث يعلى بن مرة الثقفي ج29ص102ح17561
11 – حديث الثقلين: مسلم باب فضائل أهل البيت ج7ص119/ سنن الترمذي ابواب المناقب ج6ص124ح3786 وص125ح3788/ مسند احمد مسند ابي سعيد الخدري ج17ص169 ح11104وص211ح11131وص308ح11211وج18ص114ح11561ومسندالانصار حديث زيد بن ارقم ج35ص456ح21578
12 – الصواعق المحرقة ابن حجر الهيثمي
13 – سورة الشورى الآية 23