بعد الثورة الاسلامية الايرانية، قامت الحكومة الإيرانية بمجموعة إجراءات لإخراج البلاد من النظام الاقتصادي الذي كان سائداً في عهد الشاه، وطبّقت عدة إصلاحات.. فما الذي يدفع بعض الدول إلى مواجهة ذلك؟
انخفض الدين الخارجي الإيراني بما يفوق النصف بين عامي 2012 و2013
من المثير للاهتمام حجم التطور والتقدم العلمي الذي أحرزته إيران، في المجالات كافةً، منذ انتصار الثورة الإسلامية على نظام الشاه في فيفري من العام 1979 وصولاً إلى هذه الأيام، التي تحقق فيها إيران نقلات علمية وعسكرية مهمة، مع بقاء حملات التشويه والترهيب ضدها من دول غربية وإقليمية.
فبدلاً عن نظامٍ عائلي وراثي مرتَهن للغرب (نظام الشاه)، مع ما يستتبع ذلك من نشوء بنى اقتصادية تراعي مصالح الدول “الحليفة” على حساب المصلحة الوطنية، ولو أدى ذلك إلى إفقار الشعب وبطالته، ثمّة اليوم نظام جمهوري يعتمد الانتخابات الرئاسية التعددية والمناظرات العلنية، التي يُتاح للشعب من خلالها أن يطّلع على برامج مرشحيه ويُسائل مسؤوليه على تقصيرهم.
لكن ما يلفت النظر في هذا التقدم الإيراني المُحرَز هو كيفية تعاطي العالم معه، فقد قابله بالعقوبات والحصار والتضييق، مما دفع إيران إلى تركيز صناعتها في المجالات العسكرية، الجوية (إنتاج الطائرات المقاتلة وإطلاق الأقمار الصناعية) والبحرية (بناء البوارج وتجهيز الغواصات)، والبرية، لمواجهة العدوانية الغربية ضدها، التي وصلت إلى حد التصفية الجسدية والإغتيال للنخب العلمية والفكرية، وعلى رأسهم وآخرهم العالم محسن فخري زاده، رئيس منظمة البحث والتطوير في وزارة الدفاع الإيرانية.
ففي الوقت الذي يُعتبر مفهوماً فيه كيفية تعامل الدول “الكبرى”، التي كانت مستفيدة من وجود الشاه وساعية إلى استمرار نظامه، بمقدار تضررها من قيادة فئات فقيرة مهمّشة لمجتمعٍ واقع لعقود طويلة تحت حكم رأسمالي لا يشبه الأغلبية العظمى من الناس.. يبدو من غير المفهوم على الإطلاق الطريقة التي يتعامل بها عدد كبير من الدول التي تصنف إلى جانب إيران ضمن خانة بلدان “العالم الثالث”، ذات المصلحة الحقيقية في الاعتماد على ثرواتها ومقدراتها البشرية والطبيعية، والتي يمكن لها أن تستفيد من التجرية الإيرانية.
إذا أردنا البحث في أسباب سلوك هذه الدول الأخيرة، التي تعمل قياداتها في الواقع ضد مصالح شعوبها، فإن أول ما يخطر في بالنا هي مسألة التبعية قبل أي شيء آخر.
إذ إن النظام في إيران تغيّر، أما الأنظمة في الدول المحيطة بها والتي كانت حليفة الشاه استمرّت في حكمها العائلي. ولم يخفِ قائد الثورة الإيرانية الإمام الخميني منذ وجوده في باريس شعارات ثورته التي دعت إلى “نصرة المستضعفين” أينما كانوا، وظل لفلسطين مكانة بارزة في خطاباته، وقد دخلت هذه الشعارات مرحلة التطبيق العملي بعد عودته إلى بلاده مع انتصار الثورة.
وبعد سنة وسبعة أشهر فقط من انتصار الثورة الإسلامية، في سبتمبر من العام 1980، قام الرئيس العراقي السابق صدام حسين بدفع جيشه إلى غزو إيران التي كان جيشها في طور البناء، ودولتها ضعيفة بشكل عام ومؤسساتها شبه معطلة. أدى ذلك إلى حرب دامت 8 سنوات. في تلك الفترة لم يكن صدام حسين ديكتاتوراً يقتل شعبه ويملك أسلحة دمار شامل.. بل كان صديقاً للغرب وللولايات المتحدة.
أما في الجانب الاقتصادي، وهو الجانب الأهم الذي يشكل وسيلةً للضغط والتحكم السياسي، ساهم تحقيق إيران للاكتفاء الذاتي في المجالات الهامة كافة، وخاصة في الزراعة والصناعتان العسكرية والكيميائية، بالإضافة إلى توليد الطاقة بالاعتماد تحديداً على البرنامج النووي، الذي شكّل نقطة سبق، وفي الوقت ذاته سبباً للحسد ومثاراً للاتهامات المشككة بعدم سلميته، ومن ثم تحولها من دولة مستهلكة لكل ما يُنتج في دول الغرب الصناعي إلى دولة صناعية مُصدِّرة، ساهم هذا كله في حفاظها على قرارها المستقل وتجنب تأثيرات الغرب وإملاءاته عليها.
إصلاحات اقتصادية بعد الثورة
وبعد الثورة، قامت الحكومة الإيرانية بمجموعة إجراءات لإخراج البلاد من النظام الاقتصادي الذي كان سائداً في عهد الشاه، وطبّقت عدة إصلاحات أبرزها:
1ـ تأميم جميع القطاعات الصناعية، ومنها شركة النفط الوطنية، وجميع المصارف الإيرانية.
2ـ تقسيم الاقتصاد، بموجب الدستور الجديد، إلى 3 قطاعات مختلفة هي: القطاع العام الذي أصبح فاعلاً وواسع الصلاحيات، والقطاع التعاوني الذي يجمع بين القطاعين العام والخاص، والقطاع الخاص، حيث أصبحت معظم الأعمال تتم بإشراف الدولة.
3ـ بدأت الحكومة استخدام التخطيط المركزي الاقتصادي، حيث يتم وضع خطط اجتماعية اقتصادية خمسية من قبل المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية ومجلس تشخيص مصلحة النظام.
4ـ تولت الدولة السيطرة على تحديد الأسعار والسلع المدعومة.
أدت هذه الإصلاحات خلال السنوات المتعاقبة إلى التقدم بإيران إلى مصاف الدول المتقدمة. ويمكن ترجمة هذا الكلام خلال السنوات الماضية بالأرقام على النحو التالي:
انخفض الدين الخارجي بما يفوق النصف بين عامي 2012 و2013، من 17,3 مليار دولار إلى 7,2 مليار دولار.
سجل الميزان التجاري فائضاً خلال العام الماضي بمقدار 1,5 مليار دولار.
في مجال المنتجات الصناعية، احتلت إيران المرتبة 39 بعائدات بلغت 23 مليار دولار بين عامي 2008 و2009.
لكنَّ أبرز ما سيسساعدنا على الفهم هو الاتجاه الذي اختارت إيران أن توجّه تطورها العلمي المتنامي فيه، بما يتلاءم مع التوجهات الأيديولوجية للثورة الإسلامية، إذ وضعتها في خدمة “محور المقاومة”، ومن أجل تحقيق أهدافه ومصالح شعوبه المتمثلة بالتحرر من الوصاية الغربية الاقتصادية والسياسية، وبتحرير شعوبه من الاحتلال العسكري الإسرائيلي المباشر، وإزالة دولته القائمة في فلسطين المحتلة.
بالطبع لم يكن موقف العداء تجاه الجمهورية الإسلامية يشمل جميع الدول، فقد سعت دول عدة للاستفادة من المقدرات الجديدة، وأرسلت طلابها للدراسة في الجامعات الإيرانية التي يبلغ عددها 2500 جامعة تحوي نحو 4 ملايين طالب، والتدرّب في مراكز الأبحاث والدراسات فيها، حيث تحتل إيران المركز الأول في المنطقة على صعيد الإنتاج العلمي، والمرتبة 16 عالمياً في سرعة النمو العلمي.
وتجاوبت إيران بدورها مع الدول والحركات التي لم تقف ضد ثورتها، ومدّتها في فتراتها الصعبة بوسائل البقاء والحياة، من الأسلحة المختلفة، في فلسطين خاصة، والتي استخدمت العديد منها ذات التأثير الفعال كصواريخ الكورنيت وصاروخ “عياش 250” بعيد المدى، في التصدي للعدوان الأخير على قطاع غزة ونصرة للقدس، إلى المشتقات النفطية ومحطات توليد الكهرباء التي كسرت الحصار المفروض على سوريا وفنزويلا، وصولاً إلى الأدوية والمعدات الطبية.
مواقع