في مبنى الأمم المتحدة في نيويورك، عاصمة السياسة والمال والفن والغرف المظلمة، يقال: إن فيها رجلاً سياسياً يلقب بـ «أمير الظلام»، يخطط – وفق إلهامات إبليسية – سياسات البيت الأبيض المستقبلية!
وأياً كان «أمير الظلام»، فرداً أم مؤسسات أو شيطاناً، لكنه حاضر اليوم بحكم الساعة السياسية الراهنة ليكون (حاوياً) بين العربان، والحاوي حسب معجم المعاني الجامع هو الشخص الذي يُرقِّص الحيّات ويجمعها.. وكيف لا يكون سياسيُ الغرف الأمريكية المُظلمة حاوياً وهو اليوم يعمل على تشكيل «حلف ناتو عربي» يطوّع فيه بعض الزعماء العرب ليكونوا أدوات لإنشاء هيكل استخباراتي إقليمي للسيطرة على الأمن العربي، وتوظيفه لمصلحة واشنطن، وحماية الكيان الصهيوني، تحت ذريعة (الوقوف في وجه ماوصفوه بالعدوان الإيراني والإرهاب والتطرف)، وتيمناً بالمشروع الغربي (حلف شمال الأطلسي).
العرب المتحالفون أمريكياً ظاهرياً وباطنياً، أعياهم التفكير بشكل القوة المقترحة، وكيفية محاكاة الغرب، وهم الذين فشلوا أشد الفشل في تحقيق أي تعاون عربي ماعدا التعاونات الشفهية التي خطّوها سابقاً ولم تكن إلا حبراً على ورق لتكون نقشاً على أطلال من قبيل (معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي عام 1950).
الـ«ناتو» العربي، فكرة لم تكن وليدة ما يسمى (الربيع العربي)، وجديدها أن تثار بصوت عالٍ، فإدارة ترامب التي تعرف كيف تستثمر الخوف والتخويف بخلق حالات عداء وبناء التحالفات المفيدة لها، وتسجيلها الاختراقات الاستراتيجية بقدرة كبيرة على الابتزاز، وانتزاع المواقف السياسية من الحلفاء، لابد من أنها تعرف أيضاً من أين تؤكل الكتف العربية، في ظل فوضى مشتعلة في المنطقة ليست إلا تربة مناسبة لجولات مكوكية كان في الإمكان الاستغناء عنها بمكالمة هاتفية لأن المتخاذلين طوع البنان، والأجواء جاهزة لا تحتاج تهيئة لتحقيق نظرية الأعداء العابرة للحدود، حيث أمنها الإقليمي ينشد ممارسة مباشرة في التأثير على الدول العربية وتكوين هياكل بديلة تجمع الدول المتقاربة من حيث البنى والإيديولوجيات والمصالح، والجاهزة لتأكيد (المؤكد) بالخضوع التام لسياسات «أمير الظلام»..
ومادام المنظّر (الحاوي) قد أعلن لزوم إنشاء «ناتو» عربي فليكن، فالأفاعي حاضرة مطواعة لا تحتاج أي رُقية ولا شعوذات، والـ«ناتو» (الجنين) في الحاضنة ينتظر الأبواب المغلقة لغرف الظلام للإعلان عن ساعة ولادة لفضاء سيطرة جديدة للولايات المتحدة الأمريكية، ووسيلة سيطرة على مقدرات دول الخليج، والتعويض عن الخسارة الأمريكية في سورية والعراق، بعد زرع فكرة تغيير العدو وحرف التفكير العربي عن القضية الفلسطينية بـ«ناتو» عربي ليس إلا جنيناً مشوهاً لقّح ألف مرة ليكون في الوطن العربي «ابن حرام» جاهزاً للتمثيل، ولا يشوبه إلا بعض الاستفهامات حول القيادة والأدوار والمسؤوليات وخطط التشغيل.. ولكونها أسئلة وجودية لن يعني الحلفاء أياً منها، ولأن العقول أسيرة لأفكار وخلافات، فإن الحل فيها أن تكون القيادة لـ«الكيان» وهنا يكمن الجواب، فلمَ التأخير بإعلان الـ«ناتو» العربي وانتقاله من حيز التخطيط لقيد الإنجاز، والتسريع والتنشيط في عملية «صفقة القرن» ليتم حل/ تصفية القضية الفلسطينية، وإنشاء علاقات دبلوماسية كاملة تنتقل من حيز الكتمان إلى العلانية مابين الدول العربية والكيان الصهيوني، بعدها سيكون الاحتفال بمخاض عربي- أمريكي على سرير إسرائيلي في عرف القانون الدولي الواهن، مادام الشيطان الأكبر واشنطن هو المصدر والمشرعن الأول للاستراتيجيات، عندها يكون الـ«ناتو» العربي بحكم الحلال..
ولعاب المتحالفين سيستمر في السيلان مادام الحاوي يضخ الشعوذات، فـ«التحالف» لن يكون عسكرياً فحسب بل دبلوماسياً واقتصادياً، ينسق لموقف دبلوماسي موحد واقتصادي متكامل بين الأعضاء، وسيطلق مشاريع مشتركة في مجال الطاقة، وستسهم واشنطن بتقديم العمل الاستخباراتي من معلومات وأنظمة الإنذار المبكر والعمليات الخاصة والدفاع الصاروخي واستخدام القوى البحرية في وجه أعداء «التحالف»، الذي ما عادت «إسرائيل» بوصلة هدفه، وما عاد الكيان هو العدو، فصكّ البراءة قد جاءه من أهل بيت المغدور وهاهم اليوم -الحلفاء- بانتظار «الختم» فقط ليكتمل المشهد بحاوٍ «يسير ملكاً» بين عرب نيام…!
*صحيفة تشرين