فيما أسفرت ثورات ما عرف بالربيع العربي، عن نجاح شعوب مضطهدة في اسقاط أنظمتها، قوبلت ثورة الشعب اليمني بقمع من جيرانه، في تحالف عربي، قاده نظام بعيد كل البعد عن احترام القوانين المدنية في سيادة الشعوب على بلدانها وحماية مصالحها.
يقترب عدوان التحالف على اليمن من عامه السادس(26/3/2015)، وحبل الجرائم المقترفة بحقه على الغارب، غارات جوية لم تترك شيئا على أرض اليمن إلا وقصفته، متحركا كان أم ثابتا، مدنيا كان أم عسكريا، مخلفة خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، وبلدا بلغت الأضرار به من جراء العدوان والحصار المطبق، مبلغا أصبح تتهدّده الأوبئة والمجاعة(1).
ما جرى لليمن يعتبر سابقة خطيرة، في انتهاك القوانين الدولية، لبلد عضو في الأمم المتحدة، وفي الجامعة العربية، وفي منظمة المؤتمر الإسلامي، يُعتدى عليه من طرف جارته الكبرى السعودية، بتحالف مع دول عربية أخرى منها الإمارات – بتعلّة إعادة الشرعية – في صمت مريب من دول العالم، فلا يرتفع لأجله صوت رسمي، يمثل دولة أو منتظما أمميا، الدّولة الوحيدة التي وقفت إلى جانب اليمن وقواه الثورية – وليس كما يدّعون (حوثية)- هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إيمانا منها بأن الشعب اليمني تعرض إلى مظلمة غير مسبوقة.
إيران الإسلامية بدافع مبادئها الثورية في مناصرة الحقّ وأهله، وقفت من قبل الى جانب شعب البوسنة، وأسهمت في انقاذه من الإبادة العرقية أثناء حرب البلقان، ولولا ذلك الموقف لكان شعب البوسنة في خبر كان، وبدافع نهجها التحرري في معاداة الاستكبار والصهيونية، وقفت إلى جانب أحرار لبنان في مقاومة الغزو الصهيوني لأراضيهم، واستباحته في كل مرّة، ووقفت إلى جانب الشعب الفلسطيني لصد العدوان الصهيوني عليه في قطاع غزة، ولا تزال إيران بمفردها تدافع عن القضية الفلسطينية بما اوتيت من امكانات وقوة.
لم تتحرك دولة عربية أو أوروبية، للتنديد باستباحة مدن اليمن، بنى ومنشآت ومدنيين، ولا عبّرت عن مجرّد حياد إعلامي، في نقل ما يتعرض له اليمنيون من اعتداءات همجيّة عنيفة، سقط من جرّائها عشرات آلاف الضحايا، بين شهداء مظلومين وجرحى معوّقين، طوال هذه السنوات الخوالي، المثقلة بجرائم عدوان لا يستحي من اقترافها، وسكوت المجتمع الدولي عنها، شجعه على مواصلتها والتمادي فيها، وفيما كان من باب أولى واحقاقا للحق، أن يقع التنديد بالجرائم المرتكبة في حق أهلنا في اليمن، نددت قطر والكويت والامارات ومصر والاردن والجزائر وفرنسا والمانيا وبريطانيا، بمحاولة استهداف العاصمة السعودية الرياض بصاروخ، قيل أنه تمّ اعتراضه بنجاح.(2)
إن ما تعرض له الشعب اليمني من ظلم كبير، قابله أغلب العالم بالصمت حينا، وبالتنديد على ردود افعال الجيش اليمني وقواه الشعبية الرديفة، وهي في حقيقتها دفاع شرعي عما تبقى من اليمن، بعد ما يقارب ستٌّ سنوات من العدوان عليه، كان من باب أولى تنديد هؤلاء المنددين بالمعتدين عليه، منذ أول انطلاق حملة العدوان، على أساس أن هؤلاء لا يملكون حقا بالتدخل في الشأن الداخلي لليمن، وأهله أدرى بمصالحهم، خصوصا بعدما نجحوا في ثورتهم، وبدأوا في تحقيق أهدافها، فكان ذلك حافزا على التدخل بالعدوان، بتحريض أمريكي صهيوني.
فهل لهذه الحكومات المنددة أخلاق أو دين، وقد أصبحت تتمعش باسترضاء النظامين السعودي والاماراتي، الغارقين في وحل جرائمهما بحق الشعب اليمن؟ أليس من باب أولى مناصرة أصحاب الحق، أو في أهون الحالات، النأي عن ذلك تماما، فلا تتورط في تحمّل أوزار العدوان، فيكونون شركاء فيه أمام الله؟ ألم يطالب نواب بريطانيون بوقف بيع الاسلحة الى السعودية والامارات؟ ألم يكن ذلك بدافع ما تسرب من تقارير حول استعمال تلك الاسلحة في قتل المدنيين في اليمن؟
أعتقد أن الطبع هنا قد غلب التطبع، ومن جنح للظلم لم يفقد سبيل أهله، فهو دائب على الإرتباط به رغم أنوف الشعوب التي كرهت السياسة بسببهم، وهيهات أن يستقيم اعوجاج سياسيين، قد حصروا همّهم في المتاجرة بحقوق شعوبهم وشعوب مع شعوبهم، مغنمهم الذي ذهبوا إليه صمّ بكم عمي، هو الكسب من أي مصدر كان وبأي ثمن كان، وهذه حقيقة أسوقها لشعبنا، ليعلم أن الحكومة وحزامها الحزبي، سائرة وراء مجاملة الباطل ومسايرته على جرائمه، وهذا ما لا يجب أن يستمر، ومواصلة طمس آثار جرائم التحالف الذي يقوده النظام السعودي بأمر من أسياده، خطأ يجب أن يصحّح، قبل فوات الأوان.
سبقت هذه التنديدات المكابرة للحق، أن تمشّت مع ادعاء النظام السعودي بان حركة انصار الله التي تعود الاعلام العربي تسميتها بالحوثي قد استهدفت مكة بصاروخ باليستي(3)، وهو محض ادّعاء كاذب، فمكة خط أحمر بعيد عن استهداف هؤلاء المظلومين، الذين هم ملتزمون بالإسلام ومقدساته بصدق وتفان، أكبر من كذب آل سعود ومن نحا نحوهم، فكل من ذهب الى ادانة احرار اليمن كذبا، كحركة النهضة التي اصدرت بيانا منددا على وهم(4)، تملّقا لأعدائهم آل سعود، وانجرارا وراء ادعائهم الكاذب، سيجدون يوما أنفسهم في موقف حرج أمام إرادة أهل اليمن، التي ستكسر كل عائق، في طريق تحقيق أهداف ثورتها، رغم أنوف المجرمين والفاسدين.
الشعب اليمني في مسيرته الثورية مؤمن بأن الله معه، وسينصره على أعدائه، إيمانا قاطعا لا يتزحزح أبدا، وكل مظلوم سينال حقه ولو بعد حين، فمتى سيعي سياسيونا وأحزابهم، أن مجاملة أهل الباطل، جريمة لا تقل إثما عما ارتكبه هؤلاء من جرائم؟
المراجع
1 – الأمم المتحدة تحذر مجددا: اليمن على “شفير المجاعة” Dw.com/ar /55817857
2 – تنديد خليجي عربي اوروبي واسع باستهداف الرياض
https://thenewkhalij.news/article/219838
3 – صحف عربية: غضب بعد تقارير عن استهداف الحوثيين مكة بصاروخ باليستي
https://www.bbc.com/arabic/inthepress-37813749
4 – حركة النهضة تندد باستهداف مكة المكرمة
http://www.assabahnews.tn/article/134701