بقلم ميلاد عمر المزوغي – كاتب ليبي |
تسع سنوات تمر على تدخل حلف الاطلسي والحصيلة ان انهار الدم لم تتوقف، الديمقراطية لم تتحقق، بل نجد ان المجتمع الدولي يحاول فرض شروطه والوقوف الى جانب من يرون انهم سيجلبون الشركات الاجنبية لإعادة اعمار ليبيا ووقف الهجرة غير الشرعية وابعاد شبح الارهابيين عن دولهم. انهم يفرضون حكومة وصاية دون اضفاء الشرعية عليها من قبل البرلمان الشرعي، فهل هذه الديمقراطية التي وعدنا بها؟
نعيد التساؤل: لماذا غزو ليبيا؟………..
سؤال قد لا يحتمل الكثيرين سماعه، بل يعدونه انتقاص من قدرات الشعب ورغبته في التغيير، ويعتبرون أن مجرد الإشارة إلى الأيادي الخارجية هو ضرب من التهويل غير المبرر، ولا داعي للخوف، فما إن سقط النظام حتى انكشف المستور وظهر إلى العلن ودونما مواربة أولئك الذين يريدون حكم ليبيا وبأية وسيلة، الغرب ومن معه من العرب يخططون، والعملاء ينفذون، ولا يزال الوطن يحصد ما زرعه الاستعمار الذي حاول بكل ما أوتي من قوة أن يقسم البلد، فكانت “الدولة الفدرالية” والأقاليم الثلاثة ولا نعلم ما هو الآتي.
لا شك أن هناك أسبابا عديدة دعت للتدخل في ليبيا، قد يكون النفط والغاز وموقعها المتوسطي خاصة وأن أكبر قاعدة جوية للولايات المتحدة خارج أراضيها كانت في ليبيا، تنازلت عنها كرها بعيد ثورة الأول من سبتمبر العام 1969،أو لأنها تربط بين أوروبا والقارة السمراء (السوق المستقبلية لمنتجات الغرب) أو لأنها لم تبني علاقات وطيدة مع أي من الدول الكبرى حتى تحتمي بها؟ لنقرأ ما تفضل به علينا ساسة الغرب من أخبار وما كان يخطط للمنطقة برمتها ومنها ليبيا، يقول الجنرال الأمريكي المتقاعد ويسلى كلارك بموقع ” الديمقراطية الآن” نشر العام 2007، بأنه بعد عشرة أيام فقط من أحداث الحادي عشر من سبتمبر سمع من أحد الجنرالات أن قرارا بالحرب ضد العراق قد اتخذ. فسأله ” كلارك” لماذا؟، فأجاب: لا أعرف. بعد ذلك قال نفس الجنرال: ” أنه تقرر اجتياح سبع دول في غضون خمس سنوات. هذه البلدان هي: العراق وسوريا ولبنان وليبيا والصومال والسودان وإيران”.
كتب “كينيث سكورتجن” في موقع ” examiner.com” قبل ستة أشهر من التحرك الأمريكي للإطاحة بـصدام حسين، أن الدول النفطية تحركت نحو استبدال الدولار باليورو في التعاملات النفطية مما كان يشكل تهديدا للدولار كعملة احتياطية وكعملة أجنبية تتعامل بها الدول النفطية.
اتخذ القذافي خطوة جريئة، الغرض منها رفض الدولار واليورو واستخدام عملة بديلة وهي “الدينار الذهبي” مما أثار حنق الغرب، دعا القذافي الدول العربية والأفريقية لاستخدام هذه العملة البديلة، وقال إن هناك أكثر من مائتي مليون فرد سوف يستخدمون هذه العملة إذا ما تمت الموافقة عليها، وهذا يكون أحد سبل تأسيس قارة أفريقية موحدة. لقيت فكرته استحسانا من الدول العربية، والكثير من الدول الأفريقية ماعدا جنوب أفريقيا والأمين العام لجامعة الدول العربية. رفضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي الفكرة، وقال ساركوزي: “إن ليبيا تمثل تهديدا للأمن المالي للبشرية جمعاء”. لم يتنازل القذافي عن الفكرة، واستمر في مسعاه نحو أفريقيا الموحدة.
ترى هل ضرب ليبيا بالقنابل عقاب للقذافي لمحاولته رفض الدولار؟
هناك حقيقة قلما يشير إليها الإعلام والسياسيون الغربيون وهي أن المصرف المركزي الليبي مملوك للدولة بنسبة مائة في المائة عكس بقية “المحميات” الأخرى. وهذا يعنى أن الحكومة الليبية تملك تماما نقدها الخاص بها من الدينار الليبي عبر مواقع مصرفها المركزي الخاص. وهذا حقها كدولة ذات سيادة لها مصادرها الكبرى ولديها القدرة على تعزيز نظامها الاقتصادي الخاص بها، وهذا أمر لا يعترف به إلا القلة. هذا الأمر يتسبب في مشكلة كبيرة للمصارف الاحتكارية الكبرى عند التعامل مع ليبيا، فهي إن أرادت أن تنفذ أعمالا في ليبيا عليها أن تذهب إلى المصرف المركزي الليبي وعليها أن تتعامل مع العملة المحلية الليبية. وهذا يعنى أن هذه المصارف الاحتكارية الكبرى لا سيطرة لها ولا نفوذ تبسطه على المصارف الليبية. من هنا كان ضرب البنك المركزي الليبي التابع للدولة أمرا في غاية الأهمية للدول الاستعمارية الكبرى. لكن هذا لا يظهر في تصريحات قادة الغرب بالرغم من أنه من المؤكد أن هذا الأمر يأتي في قمة الأجندة العالمية لإخضاع ليبيا وضمها إلى سلة الأمم التابعة. حيث أن قواعد مصرف التسويات الدولية تخدم في الأصل نظم المصارف الدولية الخاصة حتى ولو تسبب ذلك في تعريض الاقتصاديات الوطنية للخطر. كما أن الدور الذي يلعبه مصرف التسويات الدولية بالنسبة للمصارف الوطنية هو نفس الدور الذي يلعبه صندوق النقد الدولي بالنسبة للأنظمة الاقتصادية الوطنية أي أن الأمر في النهاية ليس في صالح الاقتصاد الوطني. مع نظام الاستثمار الأجنبي المباشر FDI (foreign direct investment) يتعامل بالعملات الأجنبية، ويجعل الدفع بالفائدة بالدولار، ومن ثم لا يضيف إلا القليل للاقتصاديات الوطنية. لا شك أن تطبيق نظرية الدولة في النظام النقدي يعنى أن كل دولة تستطيع أن تمول مشروعاتها التنموية بعملتها الخاصة وبذلك ستحافظ على عمالة كاملة دون حدوث تضخم. وتعنى هذه النظرية ببساطة أن التمويل المالي سيكون هنا من قِبَل الحكومة الوطنية، وليس من البنوك الأجنبية الخاصة.
القول بأن الاقتراض من البنك المركزي الحكومي سوف يؤدى إلى التضخم بينما لن يحدث ذلك إذا كان الاقتراض من البنوك الدولية أو صندوق النقد الدولي قول ليس في مكانه ذلك لأن الاقتراض من المصرف المركزي الحكومي يحقق ميزة هامة وهي أنه يعمل بهامش “بسيط”من الفائدة وهذا يؤدى إلى تخفيض تكلفة المشروعات العامة بنسبة لا باس بها, وبالتدقيق في الكيفية التي تعمل بها شبكة النقد الليبية يبين أن وظيفة البنك المركزي الليبي هو إصدار وتنظيم الورق النقدي والعملات المعدنية وإدارة وإصدار مختلف أنواع القروض للدولة، كما أن المصرف المركزي الذي تملكه الدولة بالكامل يمكنه أن يصدر العملة المحلية ويقرضها لأغراض التنمية في الدولة. هذا الأمر يشرح لنا من أين تمول ليبيا تكلفة التعليم المجاني والرعاية الصحية لشعبها، وكيف تعطى الدولة قروضا بفائدة بسيطة، ومن أين وجدت ليبيا ثلاثة وثلاثين بليون دولارا لبناء مشروع النهر الصناعي، وقلق ليبيا من أن غارات الناتو تعرض خط أنابيب النهر للخطر مما قد يتسبب في كارثة إنسانية جديدة. أم أن الأسباب تتعلق برؤية كل طرف لمستقبل المنطقة والسيطرة عليها وعدم تعود الغرب على من يقول لهم لا، وبعضهم ينظر إلى القذافي على انه رجل مشاكس، ولكن يصبرون عليه لسخائه، فكلمات معمر القذافي التي أهان عبرها ما يوصف بحلم ساركوزي نحو دخول التاريخ، تعكس دوافع نفسية أخرى لساركوزي للإطاحة بالعقيد القذافي، حيث يحارب ساركوزي على كل الجبهات للثأر من القذافي الذي وصف مشروع ساركوزي “الاتحاد من أجل المتوسط” بـ ” الطعم” و” المهين”. ومن أبرز ما جاء في نص خطاب القذافي إلى ساركوزي حول مشروع المتوسط قوله: “لما يقولون تعالوا نعمل اتحادا لأننا سنعطيكم مشروعا أو نعطيكم قمحا مثلا أو أرزا أو خبزه، هذه إهانة فنحن لا نريد لا قمحا ولا مكرونة. نحن لسنا جياعا ولا كلابا حتى يرمون لنا عظاما”
************
لقد انطلقت المواجهة عملياً في المجال النفطي بتأميم الشركات النفطية الاحتكارية مثل شركات شل والواحة ونلسون بنكرهانت وموبيل اويل وغيرها من شركات أمريكية وبريطانية، وكان المفاوض الليبي حينها قد رفض قبول زيادة في الأسعار، بل أصر على الحل الجذري وهو التأميم، ثم النجاح في إدارة تلك الشركات بسواعد وكفاءات وطنية.
وإذا تساءلنا ما هي الأسباب التي دعت الغرب إلى التدخل في ليبيا؟ هل هي حرب من أجل النفط، أم من أجل ضرب المصرف المركزي الليبي، أم من اجل الاستحواذ على المؤسسة الوطنية للنفط التي تدير عمليات بيع النفط وتسويقه وهي مملوكة بالكامل للدولة الليبية، أم أن هناك أسباب أخرى؟ كل ذلك ممكن لكن الأهم هنا هو أن الخطط الليبية لتطوير البنية التحتية للبلاد تهدف إلى تحرير ليبيا من قبضة المقرضين الأجانب وهذا هو التهديد الحقيقي الذي تمثله ليبيا. وهذا هو النموذج الذي تقدمه للعالم وتوضح له ما الذي يمكن أن يفعله. وهذا هو مكمن الخطر الذي يهدد المصالح الغربية. فحجم الخسائر العام 2011 م فاق 300 مليار دولار وإعادة الأعمار تسيل لعاب الكثير.
ترى هل الإطاحة بالقذافي ستؤدى إلى دخول المصرف المركزي الليبي تحت عباءة مصرف التسويات الدولية؟، وهل ستباع صناعة النفط القومية للمستثمرين الأجانب؟، وهل ستظل الخدمات الصحية والتعليمية مجانية؟ فإذا تغير كل ذلك، سنفهم لماذا ضربت ليبيا. واستنادا إلى صندوق النقد الدوليIMF فإن ليبيا لا تمتلك النفط فقط بل تملك مخزونا هائلا من الذهب يقدر بحوالي 144 طن وبهذه القاعدة من الأصول من يحتاج إلى مصرف التسويات أو غيره؟
يقول العديد من المحللين ان ليبيا كانت مستهدفة منذ زمن بعيد (صنفت ضمن محور الشر) بسبب المواقف المتشددة التي كان ينتهجها العقيد القذافي تجاه الغرب رغم التعاون ألاستخباراتي الملحوظ بشأن الارهاب في المنطقة. وكانت في نظر الغرب الدولة الاكثر امانا واستقرارا لعمل مشاريع استثمارية خاصة في الآونة الاخيرة حيث سنت قوانين تشجع الاستثمار الاجنبي في البلاد.
كانت امريكا مترددة في البداية (او هكذا كان يبدو للعامة) لكن فرنسا وبريطانيا شجعتاها على الدخول، دخلت بريطانيا وفي نفسها الثأر لمقتل الشرطيةW C فليتشر، وإسقاط طائرة الـ (بان آم PAN AM ( فوق قرية لوكربي الأسكتلندية وأحداث مانشستر وطرد قواعدها وقواتها من الاراضي الليبية بعيد اعتلاء القذافي كرسي الرئاسة، انها اذن فرصة العمر ولن تتكرر فمن الحماقة تفويتها. أما فرنسا وبالأخص رئيسها ساركوزي فأموال حملته الانتخابية تشتم منها رائحة القذافي، حيث صرّح بعض المسئولين اللبيبين إبان الازمة أن ليبيا هي من اوصلته الى كرسي الرئاسة (قصر الاليزيه). ناهيك عن اسقاط الطائرة الفرنسيةUTA بأجواء النيجر وان كانت التعويضات مجزية إلا ان الدم الامريكي ليس بأعز من الدم الفرنسي.
سعى القذافي منذ البداية الى تقويض دور فرنسا والدول الاستعمارية في افريقيا ومحاولة الاستغناء عنها ومطالبته لها بالاعتذار لإفريقيا والتعويض عما لحق بها من ظلم وجور لشعبها، وسلب ونهب لخيراتها، إنها فرصة اذن للثأر من هذا الثائر الاسود القادم من الجنوب الساعي الى وحدة افريقيا واستغلال خيراتها لصالح شعوبها وتكوين تكتل اقتصادي وسياسي يماثل الاتحاد الاوروبي وطالب بأن يكون لهذه القارة مقعد دائم بمجلس الامن. أطراف أخرى ساعدت على تأجيج الصراع الداخلي في ليبيا، إما لأسباب شخصية للدور الذي حاولت القيادة الليبية لعبه في المنطقة وخاصة إفريقيا، وإما للتعبير لأسيادهم بأنهم قادرون على لعب اي دور في المنطقة والوثوق بهم. واستعدادهم لبذل ما يملكونه من اموال في سبيل تحقيق “الشرق الاوسط الجديد” ونسوا او تناسوا ان الدور سيكون عليهم فالغرب ليس له اصدقاء، إما أعداء وإما أزلام (خدم).
لعل الحدث الأبرز قبيل سقوط النظام هو ما أقدم عليه القذافي من تمزيق لميثاق الأمم المتحدة إبان حضوره جلساتها العام 2009 ويعتبر أول حضور له منذ توليه السلطة, افرغ ألقذافي ما في جعبته متهما الغرب بأنهم يكيلون بأكثر من مكيال في الشؤون الدولية وخاصة ما يتعلق بالعرب والمسلمين, ومن أن إفريقيا يجب أن تتمتع بمقعد دائم في مجلس الأمن الدولي حيث أنها تضم أكثر من خمسين دولة, لم يرق للعالم الغربي ذلك يعتبرونه حاكما مشاكسا, تعاملوا معه بقدر مصالحهم معه, لكن يبدو آن الكيل قد طفح وبلغ السيل الزبى, فكانوا يتحينون الفرص للانقضاض عليه, وهكذا كان ضمن مسلسل غربي نفذوه بإحكام متقن, ولا تزال ليبيا تعاني ضمن الدول العربية المستهدفة من ويلات الغرب, فمن تسلقوا جدران القصر الرئاسي اثبتوا أنهم مجرمون فعاثوا في البلاد فسادا وقتلا وتشريدا ولم يعترفوا بنتائج صناديق الانتخابات, ولا يزالون يصرون على حكم البلد وان أدى ذلك إلى إبادة شعب بأكمله والعالم كله يتفرج وخاصة أمريكا والغرب, أليسوا هم سبب بلاء الأمة.
وأخيرا وبعد سنوات من القتل والتدمير والتهجير اعتقد أن الجميع أدرك بأن ما يجري هو تنفيذا لأجندات خارجية هدفه تدمير بلدان الشرق الأوسط والاستحواذ على مقدراتها الطبيعية أما المتعلمون من العرب فإما ترحيلهم إلى بلاد الغرب للاستفادة منهم أو التصفية الجسدية. اعتذر من القارئ عن الاطالة.
mezoghi@gmail.com