ليس أكثر وقعا على النفس من الألم والحزن، عندما لم تكد نشوة الفرحة بالنصر، أن تعيد لنا الثقة في أنفسنا، حتى ما تلبث حفنة من المتربعين اللاشرعيين على القرار الفلسطيني، المرهون بالإرادة الصهيونية وبمباركة النظم الرجعية العميلة العربية، في حشد كل جهودها وطاقاتها من أجل تحويله إلى شعور بالنكسة والإحباط، حين لم يألوا جهدا حتى في إغتيال كلمة الرشد والنصح، التي لا تتفق مع مصالحهم الشخصية وأدوارهم التآمرية المشبوهة، حتى لو كان الثمن هو القتل عن سابق الترصد والعمد!
لا شك أن حالة من المفاجأة والإرباك لدى المتربصين بالأمة سوءا، قد تشكلت في أعقاب معركة “سيف القدس”، التي تكللت في تحقيق النصر المبين، ولكننا حتى لا تأخذنا مظاهر النصر بالغرور، والركون إلى المراقبة والسكون، قبل أن يقع أو يتكرر المحظور، فإنه لابد لنا أن نضع قضية إغتيال المناضل الفلسطيني شهيد الكلمة الحرة، نزار بنات من خلال السياق نفسه الذي سبق وخبرناه، لو سمحنا لأنفسنا الإستعانة بالذاكرة التي قد تنفع، وربما تقودنا إلى الغرض ومن يقف والمستفيد الأول، من وراء هذه الجريمة الشنعاء، حتى نكون على بينة مما يجري ويدور على الساحة الفلسطينية!
بالتأكيد أن الكثيرون منا إن لم نكن جميعنا، نتذكر حجم ذلك التضامن والإلتفاف الجماهيري الكبير حول المقاومة، على إثر النصر الإلهي الذي حققته عام 2006، الذي لم يرق للقوى المستكبرة وأدواتها من الرجعية العربية، وعهدت في حينه إلى بعض الجماعات المندسة على الدين، وتجار الفتاوى المغرضين وهي تسخر لهم، كل الإمكانات من وسائل الدعم الإعلامي والمادي وغيرها، حتى حين ينجحون في الإيقاع بين الجماهير العربية المساندة للمقاومة وتشظيها، من خلال إحياء النزعات الطائفية والمذهبية وحتى العرقية، وهكذا تبدأ تحوم حول المقاومة مجالات التشكيك باهدافها وحتى عقيدتها، وينتقل الوضع بعده إلى المشاحنات والإتهامات المتبادلة والمواجهات، حتى تذهب كل انجازات ذلك النصر العظيم من تفاصيل كثيرة في مهب الريح، تماما كما يبدو عليه المشهد اليوم في أرض الصمود والرباط، حتى في غياب البعد الطائفي والمذهبي، كمدخل لإيجاد المبررات لإشعال حملات التشكيك والخلافات!
ولما كان الشيء بالشيء يذكر فلعله من الواضح تماما، أن صدى الإنتصار الذي حققته سيف القدس، وما تخللها من وحدة حقيقية على أرض الواقع الفلسطينية، وما جلبته من التضامن والإلتفاف الجماهيري العربي والدولي حولها، أنها ما من شك كما أرقت الصهاينة ومن يدعمهم ويدور في فلكهم، لابد أنها كذلك قد استشاطت غضب الذي يتربع على عرش السلطة الفلسطينية، الذي بات يتوجس من فقدان شرعيته المزعومة، وراح بدل التنحي عن السلطة ولو من قبيل موقف، يحفظ له إن تبقى لديه بعض من ماء الوجه، راح ينهمك وينشغل في حبك المخططات للوقيعة بين أبناء الشعب الواحد نفسه، من خلال إشعال نار الفتنة التي دشنها بعملية إغتيال الناشط الحقوقي، الشهيد نزار بنات والتي تشير كل الدلائل على أنها إن لم تكن بأمر من العدو مباشرة، فإنها بالتأكيد في التنسيق الكامل معه، الذي يندرج كله في محاولاته اليائسة، إلى تمييع النصر الذي تحقق وتفريغه من محتواه وما سوف يترتب عليه، في مسيرة المواجهة المستمرة مع العدو الصهيوني، الذي تعززه مشاهد القمع اليومية لأبناء شعبنا، ناهيك عن التعذيب في السجون التي تعج اليوم بالكثير منهم!
ومن هنا نقول لكل غيور على مصلحة قضية الأمة المركزية، فإنه لا بد من الحذر كل الحذر، حتى من أولئك الذين يزعمون تمثيلهم للشرعية الوطنية، الذين ما أن يلبثوا يشعرون في الكشف عن حقيقة أمرهم، فإنهم قد لا يبالون إلى ما قد تتطور إليه الأمور، داخل النسيج المجتمعي الواحد، نتيجة الدسائس الذي لن يتوانى العدو الصهيوني في تغذيتها، والذي سوف يقودنا في النهاية إلى التساؤل عما بعد نزار، إن لم تكن الأولوية اليوم في تقديم عباس وزمرته إلى محكمة ثورية، حتى توضع نهاية إلى هذه المهزلة القيادية، وعلى النقيض منه فإننا قد لا ندري إلى متى، سوف يبقى مصير القضية مرتبط بمصالحه، ولجنته المركزية الإنتهازية من حوله، وبالتأكيد القوى الغربية والعربية التي تدور في فلكها، حتى نكون على بينة إلى أين في المحصلة النهائية نحن ذاهبون، حتى لا تذهب سدى إنجازات الإنتصارات الإلهية المتراكمة، التي شاركت في صنعها حتى لا نهضمها حقها، الكثير من العواصم من طهران إلى دمشق ومن بيروت إلى صنعاء، وترجمته السواعد الفلسطينية، إلى نصر مؤكد على طريق التحرير الكامل لترابنا الوطني.
رحم الله نصير الكلمة والحرية، الشهيد البطل نزار بنات، وهنيئا له حي يرزق وهو يراقب ذلك الزخم الجماهيري، الذي زفه إلى مثواه الأخير وهو يتعلق بوصيته ويردد، أن الصمت ليس من شيمنا مهما حاولوا اسكاتنا و قمعنا، طالما أن الجنة في الآخرة هي ملقانا.
فلسطيني واشنطن