الإثنين , 23 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة
لوحة لرسام الكاريكاتير المغربي عبدالغني الدهدوه

ماذا وراء الأكمة المغاربية؟…بقلم محمد الرّصافي المقداد

لم يتخلى الإستعمار الفرنسي على الجزائر بالمقام الأول، وتونس بالمقام الثاني، إلا بعد تضحيات جسام خلدتها المقاومة الجزائرية، بأكثر من مليون ونصف مليون شهيد، وإشتركت مع تونس في شهداء قصف ساقية سيدي يوسف في 8/2/1958(1)، أفضى إلى إقرار فرنسا بإستقلال الجزائر في 5/7/1962 (2)، ومع صفقة الاستقلال العاطلة التي أمضاها بورقيبة عميل فرنسا، مع حكومة منداس فرانس، والتي تلتها بعد سقوطها في 20/3/ 1956 (3)

وكادت بنزرت أن يلحقها ما لحق مدينتي (سبتة) و(مليلية) المغربيتين، لولا رفض الشعب بقاءها تحت الإستعمار الفرنسي، كقاعدة بحرية وجوية وبريّة استراتيجية متقدّمة في أفريقيا، وبدء مقاومته لوجود هذا الإستعمار على أخر نقطة من أرضه، فقدّم من أجل تحريرها مئات الشهداء، في معركة الجلاء الغير متكافئة، بين جيش استعماري مدجج بمختلف الأسلحة، وبين نواة جيش حديث العهد بتاسيسه، مدعوما بوطنيين وكشّافة شبه عزّل في 19/7/1961(4)

وطبيعي أن تكون نوايا الفرنسيين أبعد مما نتوقعه، من خبث واعتبارات مصلحية، هدفها الأوّل والأخير الابقاء على مكتسبات فرنسا من غنائمها في أفريقيا، على حساب شعوبها وفي مقدمتهم شعوب شمال أفريقيا، فلا يعتقِدَنّ أحدٌ بأن لأي حكومة فرنسية سبقت أو لحقت، إعتبارات إنسانية أو حقوقية في مجال التعاون الدّولي والعيش المشترك، وهي شعارات زائفة تُسوِّقُها أبواق إعلام حكومات متواطئة خاضعة للإرادة الإستعمارية، بل هي بالأساس تنفيذا لبروتوكول مُمْضى عليه من طرف بورقيبة، لتبقى فرنسا المتحّكمة فعليا في تونس بالتّبعيّة الإقتصادية، والسّلع الفرنسية غير قابلة لمنافسة دولة أخرى في تونس، ولها الأولوية في التوريد إلى الأسواق التونسية.

ذكرت (ناتالي يامب)، مستشارة حزب “الحرية والديمقراطية لجمهورية ساحل العاج لموقع دوتشي فيليهDW: )بعد ستين عاماً، لم تنل الدول الإفريقية الفرنكوفونية استقلالاً حقيقياً ولا حرية”، تقول ناتالي يامب، “، وأضافت أن الأمر يبدأ من المدارس التي تقرر مناهجها في فرنسا. وأذكر هنا أن مناهجنا التعليمية في تونس كانت تعتمد اساسا على المتعاونين الفرنسيين في مجال التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي، وكنّا ندرس بالاعتماد على كتاب مطبوعة في فرنسا فتفرض علينا دراسة جغرافيا الخارطة الفرنسية وغير ذلك من الاكراهات التي كانت تمرّ دون اعتراض من بورقيبة وكيل فرنسا ومقيمها العام المخلص.

أنشأت فرنسا نظم سياسية قبل رحيلها.”قبل 1960 قررت باريس إلغاء النظم البرلمانية في بعض الدول كساحل العاج، وإقامة بدلاً عنها نظم رئاسية، يمسك رأس الدولة فيها بكل شيء في البلاد، الهدف من وراء ذلك للسيطرة على البلد، ينبغي فقط التحكم بشخص يتمتع بكل السلطات. تضيف يامب في حديثها مع DW.

النفوذ الفرنسي مستمر في المستعمرات السابقة. وينمو الغضب في نفوس الشباب من السياسات الاستعمارية القديمة. ومنذ مطلع ثمانيات القرن العشرين يعد الكثير من المرشحين بالابتعاد والتخلص من ذلك النفوذ.

الوعود بفتح صفحة جديدة بين فرنسا ومستعمراتها لا يعدو كونه كلاماً في كلام ومجرد “طقس”، حسب البرفيسور (يان تايلور) المختص بالسياسية الإفريقية في جامعة (سانت أندروز) في (أسكوتلندا). “يعدون بالتغير، لكن بعد استلامهم مهامهم، سرعان ما يلاحظ الرؤساء الفرنسيون، أن المصالح السياسية والاقتصادية لبلادهم في القارة السمراء كبيرة، وأن ليس هناك مصلحة حقيقة لدى الأفارقة ولا لدى الفرنسيين بأي تغيير..) (5)

لقد غادرت فرنسا بحشودها العسكرية، الدول الافريقية التي كانت مستعمرة لها، لكنها بمخططاتها الجديدة، تركت وراءها على مدى ما يزيد على جيلين من الشعوب الأفريقية، طبقة مثقفة فرنسيا، بثقافة الأمّ والتبعيّة لها

جاء في موقع عربي بوست: (تنفرد فرنسا من بين قوى الاستعمار القديم، بأنها فعلت ما بوسعها لضمّ المستعمرات ثقافيا .. جنودها خرجوا من أفريقيا وآسيا صحيح، لكنها بقيت عبر اتفاقيات وشراكات عبر خطط طويلة المدى لتحديد النخب الحاكمة الآن والتعاون معها، وفرز واختيار النخب التي تحكم غدا، وإعدادها حكام المستقبل في باريس.)(6)

يد فرنسا الطولى في مستعمراتها بأفريقيا تواصلت بشكل اكثر اجراما بعد فترات استعمارها، حيث لا فرق بين ابادة شعوب بالقوة العسكرية الفرنسية، وبين إبادته بالفتنة والنزاعات العرقية، واعتراف الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) بالمسؤولية الجسيمة، في ما حصل من إبادة جماعية في رواندا عام 1994(7)، لا يحمّل بلاده مسؤولية كاملة في هذا الشأن، كما يحمّل فرنسا الإستعمارية مسؤوليتها كاملة، في استعمال 45.000 من جزائريي منطقة راقان و150 مجاهد محكوم عليهم بالإعدام فئران تجارب، في أول تجربة تفجير نووي بصحراء الجزائر، والتي بدأت سنة 1960، واستمرت حتى 1966 حسب موقع ويكيبيديا التوثيقي الحرّ، بما معناه حتى بعد استقلال الجزائر(8)

ما وراء الأكمة المغاربية مصالح فرنسية، إقتضت على حكوماتها المتعاقبة الحرص على حمايتها، بمختلف السّبُلِ ثقافيا وإعلاميا وتعليميا وإقتصاديا، سلاحها الكبير في هذا الدهاء والخبث في حبك الفتن والمؤامرات، وفرض الحلول التي لا تعتبر بالاساس حلولا، فهي استسلامات للأمر الواقع الفرنسي، الذي يعتمد على مصالحه في تلك البلدان في المقام الأول، وعلى حساب الشعوب التي ما زالت ترى فرنسا أمُّ فرنكوفونيتهم العاطلة، فهل سيأتي يوم تستفيق فيه هذه الشعوب من غفلتها، فتعرّي ذئبها ممن لباس حِمْلانِها، وتقرر حقيقةً مصيرها بنفسها، وتغيّر مسارها من التبعية والإستقلال الصوري، إلى الحريّة والإستقلال الحقيقي؟

المصادر

1 – أحداث ساقية سيدي يوسف

https://ar.wikipedia.org/wiki/

2 – عيد استقلال الجزائر

https://ar.wikipedia.org/wiki/

3 – إعلان استقلال تونس

https://ar.wikipedia.org/wiki/

4 – أحداث بنزرت

https://ar.wikipedia.org/wiki/

5 – فرنسا ومستعمراتها السابقة .. لماذا بقي الإستقلال منقوصا؟

https://www.dw.com/ar/54444836

6 و7 – فرنسا الإستعمارية .. ثقافة تهيمن ونهب ممتد

https://arabicpost.shorthandstories.com/francafrique/index.html

8 – التجارب النووية الفرنسية في الجزائر

https://ar.wikipedia.org/wiki/

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024