إعلان الرئيس الأمريكي (جو بايدن) قراره بانسحاب قوات بلاده من افغانستان، لا يمكن ان يمرّ دون النظر في ملابسات ذلك، خصوصا وقد تضمن خطابه اعترافا ضمنيا، بفشل الاستراتيجية الأمريكية المتوخاة في افغانستان، منذ وضعت الإدارة الأمريكية أرجل مخابراتها وقواتها العسكرية على أرض أفغانستان، وهي أطول مما ذكره بايدن في تصريحه الأخير، إذا أخذنا بعين الإعتبار التدخّل الاستخباري الأمريكي، وتاسيس تنظيم القاعدة الارهابية، لمحاربة الوجود العسكري السوفييتي في أفغانستان.
لقد قال الرئيس الامريكي: حان الوقت لعودة القوات الأمريكية إلى أرض الوطن من أفغانستان، متطلعا إلى طي صفحة تدخل بلاده عسكريا هناك منذ 20 عاما، وسط مخاوف من عودة سيطرة طالبان. أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن بدء انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، اعتبارا من الأول من أيار/ مايو، على أن يكتمل بحلول 11 أيلول/ سبتمبر.
قناعة رابع رئيس أمريكي، بأنه يجب عليه أن ينهي تواجد قواته في أفغانستان، ولن يقوم بنقل ملف احتلاله إلى رئيس آخر بعده، ليس من باب الشفقة على أفغانستان التي عانت الأمرّين من التواجد العسكري الأمريكي على أراضيها، واستباحتهم لكل شيء لضمان أمنهم ورخاء عيشهم هناك، ما ترتّب عن ذلك ارتكاب قوات بلاده جرائم حرب عديدة، بحق المدنيين الأفغان، القليل منها اعترف به، وظهر لدي الإعلام الأمريكي والعالمي، وبقية الجرائم بقيت في طي الكتمان.
اللافت في إعلان بايدن قوله: إن بلاده ستركز على التهديدات الإرهابية التي تظهر في أماكن أخرى إضافة إلى الصين.(1)
فقد عرّفنا بأن إنسحاب قوات بلاده من افغانستان، سيكون مركّزا على إعطاء أولوية لأماكن أخرى، لم يحدد أسماءها مع أنه يعلمها يقينا، وذكر فقط دولة الصين الشعبية، ووجود قواته هناك، في صورة اندلاع حرب مع الصين مثلا أو إيران، ستكون بمثابة الهديّة التي لا تقدّر بثمن، وسيؤخذون بأيسر الطرق وهو القصف الصاروخي، وتجربة القوات الأمريكية في قاعدة عين الأسد العراقية، لا تزال مرارتها عالقة بحلوق الأمريكيين، المتواجدين هناك لحظة القصف، من طرف القوات الصاروخية للحرس الثوري الإيراني.
ولا يستبعد أن يكون الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان، تمهيدا لتطبيق إتفاق سرّي بين الإدارة الأمريكية وحركة طالبان، يقضي بفسح المجال لهذه الحركة المتطرّفة، بالإستيلاء مجددا على كامل أفغانستان، وإسقاط المسار الديمقراطي هناك، فقد يرى الأمريكيون تجديد أسلوب الإعتداء على إيران بأيد غير أمريكية، كما فعلت ذلك من قبل، بتحريضها صدام العراق شن حرب على إيران الإسلامية.
وأمريكا ببايدن وسلفه ترامب يدركان جيّدا، أن إيران الإسلام أصبحت في غير متناول أمريكا عسكريا، فاتجهت إلى توهينها اقتصاديا، بسليط عقوبات عليها وتشديدها في كل مرة، على أمل تغيير داخلي في إيران يترتّب عليه ضغط العقوبات، وإلا فالأمريكيون على قناعة تامة بأن النظام الإسلامي لن يستجيب لرغبتهم مهما بلغت العقوبات، فبينهما مشروع يسعى كل طرف إلى تحقيقه، مشروع تحرير فلسطين، وكسر شوكة الإستكبار العالمي بزعامة أمريكا، بإنهاء الإحتلال الصهيوني ومخططه المهيمن، ليس على فلسطين فقط، وإنما على المنطقة بأسرها، وقد تبنّته إيران منذ انتصار ثورتها، وإعلان قائدها التاريخي، الإمام الخميني رضوان الله عليه ذلك الهدف، وهدف الإبقاء على ما فرضته أمريكا وبريطانيا على العالم مما يسمى بدولة اسرائيل وإقامتها على أرض فلسطين لتستقر فيها، وتتوسع بعد ذلك، لتهيمن على منطقة الشّرق الأوسط بأسرها فتصبح راعية المصالح الأمريكية وحلفائها في توطين جذّاذ الآفاق.
قد يكون الرئيس الأمريكي تفطّن إلى أن قواته المتواجدة في أفغانستان، أصبحت لقمة سائغة لإيران والصين، فسارع إلى إعلان إنسحابها من هناك، تحسّبا لكل طارئ قد يطرأ، من سياسته الخارجية، التي وضعت في حسبانها فرضية شن حرب على إحداهما، وبقاء قواتها هناك، يعتبر حماقة في إستراتيجيات التمركز العسكري للقوات، وعلى أية حال فإن ما تلمّسناه من الإدارة الأمريكية من قبل، أنها لا تقيم وزنا لمصالح الشعوب، وما يهمّها أولا وأخيرا مصالحها، فلا يغترّن أحد بأي قرار أو إجراء أمريكي، حتى لو تعنون بتقرير حقوق الإنسان، لأنه سياسي بامتياز، يستهدف كل من عارض السياسة الأمريكية، سواء أكان دولة أم مؤسسة أم شخصيات.
ونسجا على منوال أميركا فقد قرر بقية أعضاء الناتو، المتواجدة قواتهم في أفغانستان الإنسحاب تزامنا مع الانسحاب الأمريكي، ولا يستبعد أن يكون حصل نتيجة مفاوضات الدوحة، والإتفاق الذي تمخّض عنها بين حركة طالبان، والمبعوث الأمريكي بتاريخ (29 شباط/فبراير 2020) يمهد الطريق لسحب آلاف الجنود الأمريكيين من أفغانستان، ضمن فترة زمنية من 14 شهرا، وذلك بعد 18 سنة من اندلاع الحرب.(2)
مخطط جديد افتتح به الرئيس الامريكي الحالي، من المؤكد أنه يخفي وراءه أهدافا عسكرية، لا علاقة لأفغانستان بها، ومصلحة أمريكا ليس في انسحابهم من أفغانستان فقط، وإنما ستتالى انسحابات قواتها من أماكن أخرى، ترى في بقاء قواتها هناك خطرا جدّيا يهددها، اذا هي استراتيجية تتغير بتغير العوامل والأهداف، بدأت تنتهجها أمريكا حتى على حساب الحكومة الأفغانية، التي ستكون ضحية هذا الإنسحاب بلا أدنى شك، وستدخل افغانستان في موجة جديدة من المعارك الطاحنة، بين حركة طالبان المتطرّفة، وتنظيم داعش الذي سجل حضوره هناك، وبين القوات الحكومية الأفغانية التي لن تصمد طويلا، وقريبا سنرى حركة طالبان تحكم أفغانستان بعد سيطرتها على العاصمة كابل.
المراجع
1 – أفغانستان- بايدن يعلن سحب قوات بلاده من أطول حرب خاضتها أمريكا
https://www.dw.com/ar/57206960
2 – واشنطن وطالبان توقعان اتفاقا تاريخيا في الدّوحة
https://www.dw.com/ar/52588161