إنه البرد والجوع والتظاهرات المناهضة للحكومتين الفرنسية والبريطانية , غلاء المعيشة , اختفاء الأخشاب , شح المواد الغذائية والطبية , ارتفاع فواتبر الوقود والكهرباء , تقنين الإنارة والتدفئة و”الإكتفاء بغرفة واحدة” , المطالبة بزيادة الرواتب , الظلام في باريس , إضرابات الممرضين والمسعفين وسائقي الحافلات والمدرسين وعمال البريد وعاملي السكك الحديدية والخطوط الجوية , ناهيك عن تزايد الهجرة , وتضاعف جرائم العنف .. هذا حال الشعبين والبلدين الجارين , ومشجعي منتخبيهما عشية لقائهما المونديالي بالأمس , وما كتبه ماكرون على موقعه على تويتر قبيل إنطلاق المبارة ” Allez les Bleus”.
تبدو خلطة هموم وصعوبات ومعاناة مشتركة يعيشها الفرنسيون والبريطانيون , زاد من وطأتها , زيارةٌ فاشلة قام بها ماكرون إلى واشنطن , أسمعه فيها بايدن أن: “واشنطن , لا تُعدّل ولا تتراجع” , وجاء ذلك بخصوص التسهيلات والقروض التي شرّعها الأمريكيون لإتاحة الفرصة أمام الصناعيين والمستثمرين الفرنسيين والأوروبيين عموماً لممارسة نشاطاتهم التجارية والصناعية على الأراضي الأمريكية , على الرغم من محاولات ماكرون لإرضاء بايدن بالحديث عن نية فرنسا دعم فكرة إنشاء محكمة دولية خاصة لمحاسبة ومقاضاة روسيا , الأمر الذي أسعد العجوز بايدن , وسارع لمكافئته بجلب وحشد بعض المصفقين والمصافحين المهللين الأمريكيين للصداقة بين البلدين والزعيمين , في الوقت الذي ندب فيه جونسون حظه , وتحدث فيه رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون عن عدم توقعه وصول بريطانيا إلى هذه الحال “الكارثية” , بالمقابل أكد وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي في إدارة سوناك ، أن : “حلف شمال الأطلسي يبذل قصارى جهده لعدم الدخول في صراع مع روسيا في أوكرانيا” , ونفى “أن يكون الناتو قد هدد روسيا أو أنه يهددها”.
لقد عاد ماكرون من لقاء بايدن خالي الوفاض , ومع ذلك بدا سعيداً بالمونديال , وقد يكون من المراهنين على إنشغال الفرنسيين بمنتخبهم , بعيداً عن أوضاعهم الصعبة , وهموم البلاد الغارقة بمشاكلها الاقتصادية والإجتماعية , وخطورة ما قد تحمله أيام الغضب المتصاعد أكثر فأكثر في الأيام القادمة , فيما كللت خسارة المنتخب الإنكليزي , هزائم وإخفاقات هذا العام لحزب المحافظين , وزادت الطين بلة , فالحلم الكروي لهذه النسخة المونديالية انتهت بالنسبة للبريطانيين , وعادت الهموم مجدداً , بإنتظار إضراب عمال السكك الحديدية والخطوط الجوية للإضراب المعلن والمرتقب.
هل يفعلها البريطانيون , ويغادرون بلادهم في فترة أعياد الميلاد ورأس السنة , إلى حيث الأمان والدفء , بإنتظار الحلول الحكومية , وكيف سيكون عليه الحال مع الفرنسيين بعد أسبوع ومع نهاية المونديال , هل سيحذون حذو جيرانهم , أم سيعودون إلى الإضرابات دون إضاعة الوقت , أم سيحل الهدوء في فترة الميلاد ورأس السنة .. تبدو فترةً كافية لسوناك وماكرون كي يبتكرا الحلول لتفادي الطوفان , وقبل أن يتعلم الشعبين كيفية إسقاط الحكومات , كبديل حقيقي عن التظاهرات والهتاف بدون جدوى.
قد يكون ماكرون أسرع من سوناك الذي يفكر بفرض قانون لمنع الإحتجاجات , وتوجه ماكرون نحو الفرنسيين , ليترجم كلاماً سمعه في واشنطن , أو ربما قرأه في الصحف الأمريكية , بأن الولايات المتحدة ذاهبة نحو التفاوض مع روسيا , وسارع للحديث مع زيلينسكي عن نوايا باريس بتنظيم واستضافة مؤتمر “المساعدة الدولية لإجتياز الشتاء في أوكرانيا” ؛ ومؤتمر “الشركات الفرنسية لـ إعادة إعمار أوكرانيا” , يبدو أن ماكرون يستعجل تقاسم الكعكة الأوكرانية مع لصوص زيلينسكي ونخبه المتطرفة الحاكمة.
ولطالما كان فاقد الشيء لا يعطيه , فكيف يمكن لأوكرانيا أن تعتمد على الدعم الفرنسي لتجاوز الشتاء ولإعادة الإعمار, وحكومة الإليزيه عاجزة عن فعل ذلك داخل فرنسا ولأجل شعبها , وهل حقاً يهتم الأوكران بالدفء والإعمار, على حساب السيادة ومصير الأرض والقوات العسكرية والأسلحة المتواجدة على الأراضي الأوكرانية , ناهيك عن المرتزقة والإرهابيين الذين يملئون شوارع وقرى وجبهات أوكرانيا, , وعلى حساب إعادة وحدة الشعب الأوكراني المنقسم والمنفصل أصلاً .. بالتأكيد سيكون الأوكرانيون “سعداء” للغاية بوجود رئيسٍ فرنسي يعتني بهم وبسلامتهم على حساب مصالح بلاده وشعبه.
لقد تعرضت البنى التحتية والمشاريع الكبرى ومحطات الطاقة النووية الفرنسية إلى الإهمال الضرر منذ حكم ساركوزي وصولاً إلى ماكرون , فيما تكفل خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي بإيصالها إلى حالة من التدهور الإقتصادي , أوصلها بدوره إلى ذات النتيجة , وباتت فرنسا وبريطانيا تبدوان وكأنهما من دول العالم الثالث , حيث العوز والفقر وغياب العدالة الاجتماعية , المتزامنة مع سياسات مجنونة لحكومات ضعيفة ارتضت أن تكون قطيعاً أمريكياً , وبات على الشعبين الجارين , دفع ضريبة وصول أشباه السياسيين والشخصيات غير الناضجة , التي لا تحمل الحد الأدنى من الرؤى السياسية إلى سدة الحكم في لندن وباريس.
الوسومإيمانويل ماكرون ازمة الغاز روسي ميشيل كلاغاصي
شاهد أيضاً
“إسرائيل” ترد وتهاجم إيران عسكرياً.. وتُهزم عسكرياً وسياسياً…بقلم م. ميشال كلاغاصي
نتيجة المخاوف الأمريكية من التهديدات الإيرانية بمحاسبة من سيشاركون في الرد الإسرائيلي على إيران, ومن …