بقلم: محمد الرصافي المقداد
ليس الارهاب سوى وهابية وتطرّف ديني، ابتليت به تونس تماما، كما ابتليت به دول عربية واسلامية اخرى، فمن حاول صرف القسم الكبر من الارهاب والتكفير عن الوهابية فهو مخطئ، أو له ضلع في الانتماء الى هذا التيار المتطرّف المتخلّف الهدام.
محاولة الدعوة الوهابية اختراق البلاد، بدأت منذ ظهور مؤسسها محمد بن عبد الوهاب، وارساله رسائل يدعو فيها التونسيين الى تبني فكره، فتصدّى له علماء الزيتونة، وعلى رأسهم الشيخان القاضي عمر المحجوب وسليمان التميمي، فألقموه حجرا، ولم تفلح صيحته الشيطانية في التي أطلقها، في استمالة تونسي، وكانت في نظرهم صرخة مبتدع ضل طريقه، فردّ عليه أبناء تونس بما يستحق، فلم يتسنى لدعوته ان تجد موقعا لها في بلادهم.
وجاءت حركة الاخوان في الثلث الاخير من القرن الماضي، ومنها تسرّب الفكر الوهابي المتطرف، الى افراد من الشعب التونسي، بعد تبني عدد من قادتها ومنتسبيها له، ولم يروا بأسا من الظهور به، والدفاع عنه وعن مؤسسه وعن اصوله دعاية له، على أساس أنه فكر اسلامي، وأنّ صاحبيه (ابن تمية وابن عبد الوهاب) رجلي اصلاح، في كتابه (القدر عند ابن تيمية) حيث قال في مقدمة كتابه عنه: بعد أن بوّأ ابن تيمية مكانة رفيعة، زاعما أنه من كبار زعماء التجديد الاسلامي (ص 5)، إنّ ( ابن عبد الوهاب) رجل اصلاح، جاء لإحياء فكر سلفه ابن تيمية، لاسيما في مجال العقيدة، وتحريرا لعقيدة التوحيد من ألوان الضلال والشرك (ص 10).
انتشر الفكر الوهابي التكفيري بواسطة هؤلاء، حيث كانت مساجد البلاد مفتوحة لهم، وبحكم الحماسة التي كانت سائدة، في أوساط الشباب الغيور على دينه، لم يتردد بعضهم من الانسياق اليهم، وتبني أفكارهم المتطرّفة، وما استتبعته من افعال مشينة، لم يتردد في وصفها فيما بعد، شيخ حركة النهضة بالإسلام الغاضب، تبريرا منه لتلك الجرائم المرتكبة، باسم الدين في سوريا والعراق، ولا يبعد ذلك التبرير، عما جرى في تونس من تجاوزات، بعيدة كل البعد عن الاسلام واحكامه، وجهة نظره التي عبر عنها بذلك الوصف.
وفيما كانت الجماعات الوهابية في تونس تتهيأ لبسط سيطرتها على الساحة، تحت مسميات مدنية مختلفة، وأعمال اغاثة انخرطت فيها، على الحدود الليبية، الغاية منها اتخاذها غطاء لتسريب الاسلحة والتجهيزات العسكرية والذخائر، لنقلها الى مناطق محددة من تونس، التقت عناصر قيادية من حركة النهضة، مع عناصر وهابية تكفيرية، وتمخضت تلك اللقاءات عن اتفاقات غير معلنة، تخص تسيير من يرغب في الالتحاق ب(الجهاد في سوريا والعراق) وتوفير التسهيلات له،مع ما كانوا يمثلونه بتجمعاتهم، وظهورهم على الساحة التونسية، من استفزاز وتهديد وتطاول على شرائح المجتمع، بلغ حدّ الاعتداء واعلان عداء سافر، بكل من رأوا فيه معارضا لهم ومخالفا لتوجههم.
لقد لفت نظري ما كان اعلن عنه سابقا، من وجود مجموعات تتدرّب في الجبال، سرعان ما غض الطرف عنها، والتغطية عليها، بأنها مجرد اشخاص يمارسون الرياضة، أيام وزير الداخلية علي العريض، رغم التأكيدات بأن حركات هؤلاء الناس المريبة، تستحق ايلاء الاهتمام اللازم بهم، وضرورة العرف عليهم ومتابعتهم، الا أن شيئا من ذلك لم يحصل، ومرّ تسفير هؤلاء الشباب وقنواتهم الى اليوم، مرّ السّحاب بلا أثر، فنفذ المجرم الحقيقي بجلده، بعد أن غنم المقابل من أموال الامارات وقطر والسعودية، وتلطخت من جرّاء ذلك سمعة تونس، بأنها مصدر لتمويل الإرهاب بعناصر تحمل الجنسية التونسية، وصنّفت على انها البلد الثالث، في ترتيب عدد الارهابيين الوافدين على سوريا.
لم يتردد الارهاب في استهداف بلادنا فلحقنا أذاه سريعا، وقد تضررت من جراء ذلك، أكبر قطاعاتنا الاقتصادية (السياحة) ضررا فادحا، لم تحسب له السلطة الحاكمة حسابا – والنهضة جزء من تلك السلطة – آنذاك في امكانية تقدير ارتداده علينا، ومضت قياداتها تحشد هؤلاء ضد سوريا نظاما وارضا وشعبا، ويرون في ذلك حرجا، بدأ من رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي، بل ويعبّرون عن اعتزازهم وفخرهم بذلك.
التهديدات الارهابية التي تستهدف تونس وبقية البلاد العربية الاسلامية لم تتوقف فكرا وبقيت تنفيذا تتحين الفرصة المتاحة كل مرة، تحتاج الى تحليل جديد مواكب لهذه الجماعات التكفيرية تنظيميا واستخباراتيا، بدأ من معالجته فكريا، ودون تحفظ أو مجاملة، أو خشية من النظام السعودي، الذ يتبناه فكرا واحتضنه بطرق مختلفة، كيانات لتنفيذ مخططاته الخبيثة، التي ثبت ارتباطها بأمريكا ارتباطا وثيقا، كما صرحت بذلك وزيرة الخارجية في عهد أوباما هيلاري كلينتون.
ويبدو ان نظامنا في تونس لم يحزم أمره بخصوص الارهاب بدليل أنه لم يشنّ حملة على أوكاره على الحدود مع الشقيقة الجزائر، ولا استعان بخبرات دول استطاعت أن تستأصل دابره من بلادها، ولا فكّر في انشاء عمل مشترك، لمحاربة فلوله المتحصنة بالغابات والجبال، فترتب عن ذلك بقاءه متحصنا في أوكاره، تهديدا قائما يتحيّن الفرصة، لشن هجماته الخطيرة على مؤسساتنا الامنية والعسكرية وحتى المدنية.
وحيث أنه يتحتّم علينا تسمية الأشياء بمسمياتها، بخصوص الارهاب فهو وهابيّ فكرا، سعوديّ منشأ وتكوينا، تجب الاشارة اليه اعلاميا، هكذا دون مجاملة او خوف، من أن تتأزم العلاقات بيننا وبين النظام السعودي، اصل الداء وبيت الشر المنفتح علينا بابه، وعلى بقية البلاد العربية والاسلامية، وعندما يقرر شعبنا أنه لا تسامح مع الوهابية، بكل ما يعينه اسمها من ماض وحاضر ومستقبل، لا يمتّ للإنسانية ولا للدين بشيء، فإذا نحن قطعنا رأس الحيّة، فإننا يمكن ان نقول حينها أنه بدأ العلاج من هذه الآفة الخطيرة.
تزامن معالجة دابة الارهاب امنيّا، بكشف حقيقته ثقافيا، يؤدّيان الى حل جذري، يبعده عن بلادنا بعدا آمنا، ولا سبيل الى الخلاص منه بغير هذا التوجّه المتكامل، وعلى قواتنا الامنية ونقاطها المنتشرة على الحدود الجزائرية خصوصا، أن تكون أكثر حذرا ومهنية في اداء وظيفتها المقدّسة تجاه الوطن والشعب، وأيّ خلل أو تهاون أو نقص في الأعتدة والتجهيزات، سيترتّب عنه ما حصل بمنطقة عين سلطان بمدينة غار الدماء من ولاية جندوبة وعلى بعد 7 كلم من مركز الثريا الواقع على الحدود مع الشقيقة الجزائر.
الرحمة لشهدائنا الأبرار، وخالص الدعاء بهلاك الارهاب، وانتهاء جرائمه بحق أبنائنا، ومسؤولية الجميع في مواجهته بكل الوسائل قائمة، بلا تنصل من أحد ليلقي بها على غيره.