في مسلسل طويل من الحرب الدّعائية على إيران، فكرا ورموزا وانجازات، تتصدّر الصحافة العالمية، منذ أكثر 42 عاما، بدأ من كبار صحفها في أمريكا وبريطانيا، ومن تبعهما بالولاء السياسي، الذي يلحق أهله العار والشنار، في الإصطفاف وراء ماكينات إعلام ضخمة، لم تخجل من إظهار عدائها، أخبار ومقالات زائفة في محتواها، الهدف منه زعزعة الإستقرار الداخلي لإيران، وتحويل ثقة الشعب بنظامه الإسلامي إلى نقيضها، هذا زيادة على ما ستخلّفه هذه الإدّعاءات من آثار سلبية، لعلّ أهمّها عرقلة فهم فكرها وسياستها، لدى مثقفي شعوب العالم.
الإعلام الغربي وفي مقدّمته الأمريكي، المنخرط فعلا في حرب (ناعمة) دعائية ضدَّ ايران، مرتبط حتما بأجهزة مخابراته، فهي مُحكِمة خناقه كالطوق، تديره دهاء كبير، فلا يدرك من يقرأ الخبر أو يطالع المقال مصدرهما، ويعتقدهما صادرين عن صاحبي تخصص في الصحافة وعلوم الاخبار، ومن ذوي إطلاع وأهل ثقة في الميدان، فيصدّق ما جاء فيهما، بينما لو تبيّن له وجه الحقيقة، لوجد نفسه يستقي معلوماته من أنجس المصادر، وأكثرها تورّطا في جرائم ضد الإنسانية، وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
دوامة تشويه النظام الإسلامي لم تهدأ منذ قامت فورتها، وعجاجتها الغربيّة لم تفتأ ترمي بغبار بهتانها عليها، لعله يغطي إنجازات كبرى حقّقها، بدت في حجمها مثيرة لفزع دوله، التي كانت تقتات من جهود ومدّخرات الشعب الإيراني، وفوق ذلك لا تريد له أن ينهض من كبوته التي أرداه فيها شاهه المقبور، ويصطفّ مع أمريكا ودول الغرب في هذا الأسلوب الرخيص، دول معروفة بطأطأة الرأس لجلاديها، وموصومة بالتبعيّة المذلّة، ترى أي صيحة أو كلمة قادمة من هناك يجب أن تُحمل على محمل الصحة والصّدق، ومن تبع جلّاده لم يأمن سوء العاقبة.
من آخر ما رُمي النظام الإسلامي الإيراني، مقال كتبه (مايلس وندسور) – ذو الأصول الأنكليزية العائدة إلى منطقة (وندسور Windsor) الملكيّة(1)- بمجلة (نيوزويك Newsweek) الأمريكية، وصف الرئيس السيد إبراهيم رئيسي، بأوصاف غير جديرة بإعادة كتابتها، لقبحها وقبح قائلها، ثنّاها بأن الرّجل “جزء من نظام استبدادي وحشي يحب التظاهر بأنه ديمقراطي”. أشار فيه إلى أن رئيسي أصبح رئيسا لإيران، بعد انتخابات شهدت عزوفا كبيرا من الناخبين، وتمّ خلالها إبعاد عدد كبير من المرشحين، بعد فحصهم من مجلس صيانة الدستور “غير المنتخب بالطبع”.وأضاف وندسور أن “صعوده خبر سيئ لجميع الإيرانيين، وخاصة الأقليات الدينية” الذين قام بملاحقتهم عندما تولى منصبه على رأس هيئة القضاء، خاصة البهائيين.(2)
فلنتّبع ادّعاءاته واحدة واحدة، لنثبت من خلالها بُعده عن واقع إيران، وكل ما قاله هو محض افتراء ومبالغة، قصدها فقط الإساءة لها، أما ادّعاؤه بما وصف به السيد إبراهيم رئيسي، فذلك عائد لمبدإ معاداة إيران لأمريكا الثابت، وارتباك الطرف الأمريكي من تحوّل بلد حليف، كان يُعدُّ شرطيّ أمريكا في المنطقة، وما استتبعه من حنق وانفعال، انصار البيت الأبيض، الطامحين في الهيمنة على إيران والعالم، من خسارة موقع استراتيجي، لا تزال مرارة خسارته تتردد علقما في حلوقهم.
فوز السيد إبراهيم رئيسي برئاسة إيران كان بحجم الضربة القاضية، لمن كان يراهن على فشل الإنتخابات الرئاسية، وإظاهر النظام الإسلامي في مظهر الغريب عن شعبه، والبون الشاسع الذي فصله عن بقية منافسيه – بحيث لا مجال لمقارنتهم به، حتى لو جمعوا أصواتهم إلى بعضها، فمن منحه حوالي 18 مليون ناخب أصواتهم ثقة به (62% من أصوات الناخبين)(3)، دليل على شعبيته وحب الايرانيين له، عكس ما حاول إيهامه الصحفي (ويندسور) لقرائه، بأن صعوده كان خبرا سيئا لجميع الإيرانيين، فلو كان منصفا لقال بعضهم على الأقل، (كبرت كلمة تخرج من أفواههم ان يقولون الا كذبا)(4)
ما أراد الامريكيون ودول الغرب، من اتّخاذ أداء السيد رئيسي، أثناء فترة توليه مناصب قضائية بعد الثورة الإسلامية، ذريعة لاتهامه بانتهاك قوانين حقوق الإنسان، تبدو محاولة بائسة لتضليل الرأي العام العالمي، عن حقيقة هذ الرجل الثوري الوطني الشريف، الذي أدّى تكليفه أثناء وظيفته كمدّعي عام طهران ورئيس القضاء، بما يتطابق مع الشريعة الإسلامية وأحكام قصاصها، بخصوص أعداء الثورة الاسلامية، الذين تورطوا في أعمال إرهابية، استهدفت شخصيات النظام الإسلامي الفتيّ، بتفجيرات مروعة واغتيالات، ذهب ضحيتها المئات العلماء والقادة، وهذا الأداء المسؤول الذي صبغ تاريخ الرئيس الجديد لإيران، يُعتبر شرفا له ولكل وطني، حريص على الحفاظ على مشروع بلاده السياسي، القائم على أثر ثورة إسلامية فريدة في أدائها ونتائجها، أصبحت تمثل هاجسا مثيرا للقلق لدى أعدائها جميعا.
من اطلع على حجم استهداف إيران إعلاميا، لم يعسر عليه فهّم هدف الغرب من ذلك، وهو ضرب مصداقية إيران وشعبية نظامها، ومصلحتهم في ذلك، تشويه صورتها ليستبعدها المسلمون خصوصا من اهتماماتهم، وأن يوصَف رئيسي بالمتشدد فنِعْمَ المتشدد في الحق، وصاحب الموقف الغير مجامل في الدّفاع عن مبدئه.
مجلس صيانة الدستور(5) هو في وظيفته التشريعية كالمحكمة الدستورية في الأنظمة الأخرى، يسهر على مراقبة ومتابعة القوانين ويفصل في النزاعات ذات الصبغة التشريعية، يشرف على عمل مجلس الشورى الإسلامي من حيث صلاحية القوانين الصادرة عنه وموافقتها للشريعة الاسلامية، يتألّف مجلس صيانة الدستور من 12 عضوا، ستة منهم فقهاء من المذهب الجعفري، من ذوي الخبرة في القانون الإسلامي، والعارفين بزمانهم وقضايا عصرهم احتياجات وضرورات، يقع تعيينهم من طرف وليّ الفقيه الخامنئي، والستة الباقون من المحامين ذوي الخبرة في القانون، ويتم ترشيحهم من قبل رئيس السلطة القضائية، ويتم التصويت عليهم من قبل أعضاء مجلس الشورى الإسلامي، فأين ادّعاء وندسور بأن المجلس غير منتخب؟ ذلك أن اختيار الفقهاء لا يكون لعامة الشعب لأنه ليس بمقدوره مفاضلة عالم عن أعلم منه ولا صالح عن من هو أصلح منه في مجال علمي فقهي هو من خصوصيات أهله، ووليّ الفقيه الذي يختار الفقهاء الستة بدوره منتخب من مجلس خبراء القيادة، وبالإمكان عزله في صورة ارتكابه خطأ فادحا، وحدوث عجز يمنعه من مواصلة مهامه في الإشراف على سير مؤسسات النظام.
أما شمّاعة اضطهاد اتباع البهائية فهي تعِلّة لاذ بها أعداء ايران لتشويهها، ولمن لا يعرف عقيدة هؤلاء، نقول: إن البهائية ظهرت في القرن التاسع عشر، على يد رجل ايراني اسمه بهاء الله، وهي منحرفة تماما عن الإسلام، ولا تشبهه في شيء تقريبا، وقد تصدّى المسلمون الإيرانيون لهذه الظاهرة حتى قبل انتصار الثورة الاسلامية، بنفي مبتدعها إلى خارج إيران، حيث مات في تركيا، وبعد نجاح الثورة وقيام النظام الإسلامي، لم تحصل البهائية على مسوّغ قانوني، يسمح لأتباعها بممارسة نشاطاتهم، بل لم يجرؤ اتباعها على القيام بذلك، لأنهم ببساطة مبتدعون هدفهم اسقاط التكليف العبادية، وحصر العلاقة بين الخالق والمخلوق في القلب فقط، فحُضرت حركة هؤلاء الأتباع على قلة عددهم، واعتُبرت حركة مشبوهة، لا علاقة لها بالديانات التوحيدية، مثل الزرادشتية واليهودية والمسيحية، التي تتمتع بالإعتراف وحرية النشاط في أماكن عباداتهم، ولهم تمثيل في البرلمان (مجلس الشورى)، ودفاع دول الغرب على ما صنفوه في إطار الأقليات، ليس من أجل البهائية، وإنما لقضاء مأربهم في الإساءة إلى إيران فقط.
ويستمرّ أعداء ايران في مدّهم وزجرهم، لضرب مصداقيتها والتشويش عليها، وزعزعة الثقة بها، من أجل اسقاط مشروعها السياسي القائم على مبدأ ولاية الفقيه، وهو مشروع إسلاميّ رائد جعل للفقيه سلطة عليا في الاشراف على إدارة شؤون الناس، بعد أن كان مستبعدا من كل ذلك منيخا برِحْلِه عند السلطان طائعا لرغباته، أو بعيدا عنه ثائرا عليه، ونجاح هذا النظام السياسي الإسلامي من شأنه أن يحرّك شعوبا اسلامية أخرى للإنضمام إلى المثال الإيراني واستنساخ تجربته، وفي ذلك نهاية سيطرة منظومة الإستكبار الغربي على البلاد الإسلامية.
المصادر
1 – وندسور https://www.visitbritain.com/ae/ar/njltr/jnwb-shrq-njltr
2 – كيف لاحق “عدو الأقليات” البهائيين والمسيحيين في إيران؟
https://www.alhurra.com/iran/2021/07/08/
3 – رسميا إبراهيم رئيسي رئيسا جديدا لإيران بعد حصوله على 62% من الأصوات
https://arabic.sputniknews.com/world/202106191049297121-
4 – سورة الكهف الآية 5
5 – مجلس صيانة الدستور https://ar.wikipedia.org/wiki/