الثلاثاء , 24 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

من أجل الغاء الحصانة…بقلم محمد الرصافي المقداد

هل يمكن أن نقول إنّ سحب الفساد المدلهمّة في سماء تونس، قد دخلت مرحلة الإنقشاع؟ أفتكون مبادرة الرئيس قيس سعيد التي أقدم عليها يوم 25 /7/2021، بتجميد عمل البرلمان وإقالة الحكومة، نابعة من تلقاء نفسه؟ أم هي بإيعاز داخلي، حتّمته ضرورة الوضع المتردّي في البلاد؟ وهل لخارجنا علاقة بتلك المبادرة؟

أسئلة تتبادر إلى أذهاننا، تبحث عن إجابة مقنعة، وسط هالة من الضبابية في المشهد السياسي بالبلاد، التي لا يكاد العقل يميّز فيها خيطا أبيض من واقع تونسي، يعايشه الشعب بمرارة الصّبر منذ عشر سنوات، وهو يمنّي النفس بتغير حال البلاد وصلاحها، فلا ثورة الربيع العربي التي اختيرت تونس لتكون منطلقها، جاءت بما يرجوه منها، ولا استقلالنا المشروط عن فرنسا سمح لنا بأن نتحرر منها فعلا، وقد حكمنا فرنكوفوني لحدّ النخاع، يعتبر في الغرب نموذجا يجب الاقتداء به في كل شيء.

 منذ ذلك الحين، ونحن نعيش وضع آخر من يعلم في مجال السياسة، وكلّ مبلغ علمنا منها تعيينات وإقالات، وأشياء أخرى جرت في داخل قاعات وأروقة قرطاج والقصبة، لم تظهر حقائقها إلى اليوم، وليس الفضول من يدفعنا اليوم إلى معرفتها، فقد يغلب الحدسُ الوطني أحيانا الوقائع، واقتحام تلك المجاهل تتطلب ارادة سياسية صادقة، من أجل تغيير الأوضاع من حال التردّي والانكسار، إلى حال النهوض والإنجبار، وهذا أمر ليس من السّهل على الدولة الذّهاب فيه، ويتطلّب وعيا واستعدادا شعبيا، بما سيترتب على ذلك من فرض عقوبات اقتصادية كما هو حاصل لكوبا وكرويا الشمالية وفنزويلا وسوريا ولبنان وإيران، مما سيزيد وضع البلاد تأزما، ومرجح أن تزداد العملة الوطنية تدهورا، ولا أعتقد أن عامة الشعب ستتحمّل تبعات هذا الخيار المصيري، لكن قبل هذا، هل يمكن لنا أن ننجح في محاربة الفاسدين، بعد مبادرة الرئيس قيس سعيد؟

يقال أن السياسة لعبة، وهناك من يعتبرها خدعة، ويتعدى هاذين التعريفين من يراها غطاء حصينا، يمنع عن المتمتّع بها الطّلب الحقوقي، بما نعرفه اليوم حصانة من التحرّي والمحاكمة، تعطى عادة لكبار السياسيين ونواب البرلمان والقضاة، ولقائل أن يقول: لماذا يعطى لهؤلاء هذا الإمتياز، وهم في قلب السلطة، يأمرون وينهون، ويحكمون ويشرّعون، ويمضون على الإتفاقيات التجارية والإقتصادية والسياسية باسم الشعب، ويمثّلون البلاد خارجها في الزيارات الرسمية، وبعثات المنظمات/ ومؤتمراتها الدّولية، آمنون مطمئنون، لا يخشون في مواقعهم شيئا؟

مهِمّة هذا التمثيل واجبة، على من يرى في نفسه الكفاءة على الإضطلاع بها، وترشّحه إلى موقع من مواقعها الحساسة، يجعله مطالبا بحُسن أدائها والقيام بها، والخطأ المتعمّد فيها لا يجب أن يرى بعين التّسامح، فيُسكَتُ عنه تجاوزا، ومنه ما يصل إلى حدّ الخيانة العظمى، ذلك ان ما ارتكبه النائب أسامة الخليفي(قلب تونس) بحضور جلسة عامة للمؤتمر العالمي لرؤساء البرلمانات في العالم المنعقد حاليا في العاصمة النمساوية فيينا بغير صفة رئيس برلمان أو نائبه، يعتبر تجاوزا لصلاحياته، زيادة على الكلمة السيئة التي ألقاها محرّضا على الاجراءات والوضع الاستثنائي الذي قام به الرئيس قيس سعيد بقوله: “تونس تعيش على وقع انحراف دستوري وقانوني خطير”(1)وتضمنت دعوته تحريضا واضحا وصريحا، ليس لأجل انقاذ تونس، كما يعتقدها البرلمانيون الحاضرون بفيينا، وإنما لأجل انقاذ برلمان مسخرة، اتخذ منه المفسدون ولوبياتهم حصنا حاميا لهم، ومرتعا خصبا لمصالحهم.

لا أعتقد أن الخليفي ذهب إلى هذا المؤتمر العالمي وتناوله الكلمة، من دون إذن رئيس البرلمان المجمّد راشد الغنوشي، مما يعني أن التحالف القائم بين حركة النهضة وقلب تونس لم يكن وليد يوم 25 جويلية، بل كان سابقا ذلك بكثير، على الرّغم من وصف الغنوشي لنبيل القروي وحزبه بأنه تحوم حوله شبة فساد (2) فكيف لرجل ادّعى الصلاح والإصلاح، أن يتحالف مع من تعلّقت به تهم فساد، لم تعد خافية على التونسيين؟

وأسأل فيما لو قرر اتحاد رؤساء البرلمانيين العالمي تشكيل هذا الوفد البرلماني وجاء إلى تونس، ماذا بإمكانه أن يفعل، غير محاولة ثني الرئيس قيس سعيد عن قراره والعودة فيه إلى ما كان عليه الوضع قبل 25 جويلية وقد اوضح أن قراره الذي اتخذه لا رجعة فيه، وقد قال الشعب كلمته بعد اصداره وعبّر عن ابتهاجه وفرحه به.

إن فرصة الحكم قد استنفدتها حركة النهضة بتصرفات وقرارات رئيسها، وتراج شعبيّتها الذي ظهر من خلال نتائج ثلاثة انتخابات تشريعية واضح، ولكن ليس بالوضوح الذي ظهر عليه حزب العدالة والتنمية الإخواني المغربي، بعد ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية المغربية الأخيرة، والسقوط المدوّي الذي حصل له بحصوله على 12 مقعدا(3) بعد أن كانت له اغلبية المقاعد في الإنتخابات السابقة.

وبعد هذا كله ومن اجل أن يتقلّد مناصب في الدّولة رجال وطنيون أكفّاء نظيفي الأيدي، يجب استحداث لجنة محتصة لغربلة الترشحات، واستبعاد كل من تحوم حوله شبه فساد، من قائمة المترشّحين لأي منصب كان، فذلك اجدى من أن يتسلّق فاسد رقاب الشعب، من أجل حصوله على الحصانة.

إنّه من الحيف والظلم أن لا يحاسب أحد من هؤلاء الفاسدين، بسبب تمتّعه بحصانة (رئاسية أو وزارية أو برلمانية أو قضائية)، لم نفهم لحد اليوم لماذا وقع تشريعها؟ ألأجل أن تكون معْقِلا يحمي  صاحبها من تطبيق القانون بشأنه؟

وليس من العدل في شيء، أن يحاسب ويعاقب الفقير والضعيف على جرم بسيط، فيعتقل ويسجن، بينما يُغضّ الطرف عن الغني القوي ليسره وعلاقاته، وترى جرائمه بحق الشعب جائزة لا يحاسب عليها، وإن حوسب فبشيء من التسامح معه والتجاوز، فهل سيتحقق شيء من العدل على يدي الرئيس قيس سعيد وهو الذي وعد بمحاربة الفاسدين أينما كانوا؟

المصادر

 1 – أسامة الخليفي من النمسا: تونس تعيش على وقع انحراف دستوري وقانوني خطير

https://annaharnews.tn/

2 – الغنوشي حزب قلب تونس فيه شبهة فساد وهناك نوع من التلاعب في تكوينهالتلاعب في https://www.arabesque.tn/ar/article/57893/

3 – الإنتخابات المغربية: ما هي أسباب التسونامي السياسي الذي قد يؤشر لنهاية العدالة والتنمية؟

https://www.france24.com/ar /20210909

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024