منذ وعد بلفور المشؤوم (1917)، الذي تكفلت ببريطانيا بتحقيقه لليهود، على أرض فلسطين، ومهدت له من 1922 الى غاية سنة 1947، بعدما أطلقت أيدي عصابات الهاغاناه Haganah على الفلسطينيين، بعد الإعلان عن قرار التقسيم رقم 181 بتاريخ 29 نوفمبر 1947، كان يسكن في المناطق التابعة للدولة اليهودية، ما يزيد عن 243 ألف فلسطيني، يعيشون في 219 قرية وأربع مدن، هي حيفا، وطبريا، وصفد، وبيسان، هجر من هذه المناطق، في الفترة الواقعة في تلك الفترة، وحتى شهر جوان 1948، ما يزيد عن 239 ألف فلسطيني، وأخليت 180 قرية عربية من سكانها، ودمرت تماما، وهجر سكان ثلاث مدن كبرى، هي صفد وطبريا، وبيسان، ولم بقى في حيفا سوى عدد قليل من الفلسطينيين مقارنة بالاف المهجرين قسرا منها، وتزامنا مع عمليات افراغ المدن والقرى الفلسطينية من سكانها تمهيدا لتهويدها، قامت المنظمات العسكرية الصهيونية بتهجير ما يقارب 122 ألف فلسطيني، من المناطق التابعة للدولة الفلسطينية، وأخليت ودمرت 70 قرية تماما، وهجر سكان يافا وعكا بشكل كلي تقريبا، كما تم تهجير جزء كبير جدا من سكان مدينتي اللد والرملة.
أما المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق الفلسطينيين، فهي بدورها عديدة وفظيعة في داخل فلسطين، كمجزرة بلدة الشيخ، ودير ياسين، وقرية ابو شوشة، والطنطورة، وقبية، وقلقيلية، وكفر قاسم، وخان يونس، والمسجد الاقصى، والحرم الابراهيمي، وغيرها من المجازر التي تصنف جرائم حرب عرقية، ولم تكتفي بذلك فلاحقت الفلسطينيين حتى خارج ارضهم، كمجزرة صبرا وشاتيلا بلبنان، والغارة الغادرة على اقامة اللاجئين بحمام الشط بتونس.
جرائم يصعب احصاءها، ارتكبها الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني، واشتركت فيها أغلب دول العالم، بين انظمة عربية متآمرة على القضية الفلسطينية مع أمريكا والغرب، وأخرى عربية كذلك، لاذت بالصمت، سوى قليل من عبارات التنديد والشجب، مخيرة ان تكون على شاكلة الشاهد الاعمى، على جرائم ابادة وتهجير، شملت سكان قرى ومدن فلسطينية .
بل ان ما اقترفته بعض الانظمة العربية بحق فلسطين، كان أشنع مقارنة بغيرها، وهي التي تربطها بشعبها أواصر دم وعقيدة، وإن أشد ما يؤلم أي شعب أن تأتي الخطيئة من أقرب الشعوب اليه، وهم المحسوبين لهم أنصارا، فما حصل في الاردن فيما عرف بأيلول الاسود، ( 26و27/9/1970) لا يمكن نسيانه، ويكفي للدلالة على ظلم أبناء الدم والملّة لبعضهم، ومقابل حرب عدوانية غادرة، على منظمة التحرير الفلسطينية، من أجل انهاء وجودها، واخراج من بقي من عناصرها من الاردن، وأمكن لهم في نهاية المطاف تحقيق ذلك، بعد سيل من الدماء وحصد للأرواح، على ايدي الجيش الاردني، وبواسطته تمتع الكيان الصهيوني بحدود آمنة كلّيا من جهة الشرق، وخدمة مجانية قدمها له الملك حسين، ضيقت الخناق على العمل الفدائي في مواجهة العدو الصهيوني.
انقلاب حكام العرب على لاءاتهم الثلاثة، ( لا صلح لا اعتراف لا تفاوض) بعدما التزموا بها ظاهرا امام شعوبهم، بدأت باتفاقية منتجع كامب دافيد 17/9/ 1978 والتي اشرف عليها الرئيس الامريكي جيمي كارتر، ووقع على اوراق خيانة القضية الفلسطينية، المقبور انور السادات عن مصر ومناحيم بيغين عن الكيان الصهيوني.
ثم تلتها اتفاقية وادي عربة، التي وقعت بين الملك حسين وشمعون بيريز، ورعاها الرئيس الامريكي بيل كلينتون، أخرجت النظام الاردني من محور الصمود والتصدي، الى التنصل نهائيا من القضية الفلسطينية، ثم وتتالت الخيانات استدراجا بعد اخر، وخطة تتلوها أخرى، ومؤتمر يعقبه آخر، ولم تلبث منظمة التحرير الفلسطينية غرقت في مستنقع الخيارات الخاطئة، بعدما كانت عنوانا وحيدا للمقاومة، ومن بعدها استلمت السلطة الفلسطينية، زمام مسارات المفاوضات والتسوية مع الكيان الصهيوني، برعاية وتحفيز أمريكي غربي.
بلد وحيد بقي على عهده، رافضا كل مسارات التسوية، والمفاوضات التي لم يجني من ورائها الفلسطينيون شيئا يستحق الذكر، سوى مزيد من الخيبات لهم، والتنازلات لفائدة الكيان الصهيوني، فكان مسارا عقيما، حتى الدول العربية التي لا تزال تلوك بألسنتها حلّ الدولتين – تحت سقف جامعة الدول العربية – وتتشبث به كحل تراه من وجهة نظرها عادلا، ليس بوسع الكيان الصهيوني ولا أمريكا والغرب الاستجابة له وتنفيذه، ولم يعد من طريق لحل القضية الفلسطينية، غير المقاومة والقوة التي دعت اليها ايران، على لسان مؤسس محور المقاومة الامام الخميني رحمه الله الذي وجّه خطابه الى قادة الدول الاسلامية بقوله: (على قادة الدول الإسلامية أن ينتبهوا إلى أن جرثومة الفساد هذه، التي زرعت في قلب العالم الإسلامي، لا يراد من خلالها القضاء على الأمة العربية فحسب، بل إن خطرها وضررها يهدد الشرق الأوسط بأسره، فالمخطط المرسوم يقضي بقيام الصهيونية بالسيطرة والاستيلاء على العالم الإسلامي، واستعمار أوسع للأراضي والموارد الغنية للبلدان الإسلامية. وان التخلُّص من شرّ هذا الكابوس الاستعماري الأسود، لا يتم إلا من خلال التضحية والصمود، واتحاد الدول الإسلامية، وإذا ما قصّرت دولة في هذا الأمر المصيري الذي يواجه الإسلام، فان الواجب يحتم على بقية الدول الإسلامية العمل على إعادة هذه الدولة إلى صوابها، عبر التوبيخ والتهديد وقطع العلاقات. )
وطالما أن أغلب الدول العربية تحكمها رابطة تبعية للغرب، فإن الاصطفاف الرسمي العربي وراء صفقة القرن، أعطى الضوء الاخضر لكثير من الجهات الرسمية العربية، لتمارس خيانة القضية الفلسطينية في وضح النهار، دون خشية أو خجل، وكيف يخجل هؤلاء وقد أخذوا في الحسبان تواطؤ السلطة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني بالاستمرار في الاتفاقات الثنائية الامنية، وبمعنى آخر تقديم معلومات دقيقة على افراد المقاومة الى الجهات الاستخبارية الصهيونية.