الأحد , 17 نوفمبر 2024
Breaking News

من كان وطنيّا فليلتحق قد ولّى زمن المحاصصات الحزبية…بقلم محمد الرصافي المقداد

من أحبّ بلاده فليستعدّ للتضحية من أجلها، ولوكان على حساب شخصه، فإنّ المصالح الشخصية لا قيمة لها أمام مصلحة البلاد.

 هل يمكن أن نقول أن تونس بأحرار شعبها قد أعادت رسم طريق نموّها الحقيقي من جديد، وطوت صفحة عشرية لم تسفر منذ بدأ إلّا على خيبات وانتكاسات وإرهاب تطاول على عموم البلاد وشعبها فلحق لظاه المواطنون والعسكريون والأمنيون؟

نعم بالإمكان قول ذلك بتحفظ نسبيّ، وشيء من الارتياح على النتيجة الحاصلة اليوم، من استفتاء الشعب التونسي على مشروع دستوره الجديد، ذلك أنّنا مقبلون على تطوّرات وردود أفعال، يجب علينا التنبّه لها والإحتياط منها، فمن اختار سبيل الصّدّ عن هذا الإختيار الذي بدأه الرئيس قيس سعيد وهو المنتخب بما يفوق مجموع الأحزاب الممثلة في البرلمان، ويومها قالوا بأنّ من صوت له هم هؤلاء، وهي مغالطة تعرّت يوم أمس في التصويت على استفتاء المشروع بنعم أم لا وعدد من أيّد المضيّ في الدستور الجديد برهن أنهم ليسوا منتمين إلى ايّ حزب سوى قلة ممن آمنوا بمسار الرئيس قيس الإصلاحي في محاربة الفساد المستشري في كامل قطاعات ومرافق البلاد كالقضاء والأمن والإدارات والوزارات بحيث لم يترك مكانا إلّا وغزاه بعناصره الفاسدة المندسّة في صلب تلك المؤسسات.

في سنة 2011 شارك 4.300.000 مواطن في الادلاء بأصواتهم لانتخاب المجلس الوطني التأسيسي بنسبة بلغت 51.97% من جملة المسجلين. وفي سنة 2014 بلغت النسبة 68.36% (1) بدافع حماسة الشعب في القطع مع زمن الإستبداد والإنتخابات التشريعية أو الرئاسية الصورية التي تخللت عهده البائد، وبسلسلة الخيبات التي مني بها الشعب نتيجة التحالفات والمحاصصات والسياحات الحزبية بين من الأحزاب المتناقضة في افكارها ورؤاها أسفرت على توافقات ظرفية خدمت حزب النداء والنهضة والأخيرة وقلب تونس ما أصاب عموم الشعب بخيبة أمل كبيرة ، ففي سنة 2019 سجلت نسبة التصويت في انتخابات 2019 تراجعا بلغ 41.7%، لكنّه مع شعور الشعب بالخطر من ترشّح المافيوزي (نبيل القروي) ارتفعت تلك النسبة إلى 55%، وبقيت نسبة الإقبال في تراجع مقارنة بنسبة المسجلين لدى الهيئة لعليا المستقلة للإنتخابات.(2)

وفي سبر آراء قامت به سيقما كونساي أظهر أن حوالي 80% من الشعب التونسي غير راضين عن المسار السياسي للبلاد،(3) مما يعطينا فكرة عن آراء، بلغت درجة من اليأس من صلاح حال النخبة السياسية الحاكمة، التي كشفت عن أسلوب غير مقبول لديه صادر عمن أعطاهم ثقته لقيادة البلاد فوجدهم قد قدّموا مصالح أحزابهم على مصلحته، ودخلوا في مهاترات سياسية، كان مسرحها مجلس نواب الشعب، الذي تحول إلى حلبة صراع غير أخلاقي، استهلكت أوقاته في مشاحنات سخيفة، كانت بطلتها رئيسة الحزب الدستوري الحرّ.

ومع القرار الذي اتخذه الرئيس قيس سعيد بتجميد عمل البرلمان ثم حلّه، وما تلاه من حل الحكومة، واصداره لجملة من المراسيم الرئاسية، التي أعلن مفتتحها يوم 25 جويلية، وخصوصا إعفاء 57 قاضيا، من وظائفهم في سلك القضاء بتهم فساد وتستّر على الإرهاب(4)، استبشر قسم كبير من هؤلاء الذين لم يكونوا راضين عن المسار السياسي للبلاد، بينما ابتأس وندّد من تشطر ضرع السلطة، وكانت لهم مصالح في بقاء منظومتها قبل 25 جويلية 2021، لم يدّخروا جهدا في تحريض أنصارهم، وبث الدعايات المغرضة ضدّ الرئيس الحالي، على أنه إنقلابي ويمهّد لحكم استبدادي.(5)

وفيما مضى الرئيس في مشروعه الإصلاحي، تجنّد معارضوه من أجل إفشاله، وتشكلت منهم جبهة خلاص، بدأت بحملات تشكيك في حسن نواياه واتهامات له بالانقلاب على الشرعية الدستورية – وهي شرعية عقيمة لم تنتج سوى الخراب – رغم أنهم يعلمون جيّدا أنه رجل نظيف وغير متحزب، وعوض أن تجد دعاياتهم التي أطلقوها على الرئيس آذانا صاغية فينخرطوا في زخمها الذي بدا ضعيفا في مناسبات عدّة بظهورهم المحتشم في تظاهراتهم بالعاصمة، كبر حزام مناصرة الرئيس وآمن الملتحقون به أنه فعلا هو رجل المرحلة التي يجب أن يكون ربّان إصلاحها.

ودقّت ساعة الحقيقة يوم الاستفتاء، واستجاب مناصرو مشروع الدستور المطروح على الموافقة أمام الشعب، فذهبوا للإدلاء بأصواتهم بشأنه، فكانت (نعم) للدستور موافقة غالبة بنسبة ساحقة بلغت 92% من المشاركين،  ليكون نواة دستورهم الجديد، وبالتّالي دستور جمهورية ثالثة، نأمل في أن تنجح في قطع أيدي لوبيات الفساد عناصر ومكونات، وتطوي من خلال عملها الصالح وصدق مقالها، مرحلة من الفشل الذي مُنيت به الحكومات السابقة، وترفع منسوب الأمل بغد أفضل للبلاد في النفوس، بعد أن خيّم اليأس على شعب كان مؤمّلا خيرا، في عشرية ثبت عقمها وفشلها للجميع.

أصوات المعارضة تبدو نشازا في وسط شعب قرر القطع مع من ساموه سوء التقدير وعبثوا بعشر من سنوات عمر جيله فأحالوه إلى ياٍس كاد يقضي على آخر آمالهم في أن تكون تونس ضمن الدّول الناجحة سياسيا واقتصاديا، ولا تزال هذه الاصوات بمعازفها الخارجة عن منطق الوطنية، الذي يجب أن يخضع له كل سياسي واقعي، يقبل نتيجة تنافس استحقاقي نزيه، ولا يرى حرجا في الاقرار بالخطأ إذا حصل منه، ويغلّب مصلحة بلاده على مصالحه الحزبية والشخصية الضيقة، ولا يستقوي بالخارج تحريضا على سياسة بلاده، وإضعاف حظوظها لدى المؤسسات المنظمات الدولية، ومن خان بلاده بكلام التحريض، فهو مستعدّ لخيانتها بالفعل وإحراقها كما أحرق نيرون روما، لكن المثال الروماني تميّز بشعب غبيّ، وفي تونس شعب يرفض أن يكون شبيها سلبيّا لذلك المثال الغريب من سياسات الشعوب، أمامنا مرحلة ليست بالسهلة، ولكن يمكن تجاوزها بنجاح، فمجرّد إثبات نتائج الحرب على الفساد التي أطلقها الرئيس قيس، سيراها كل وطني حرّ شريف تأثّر بدعاية الكذّابين، فحتما سيلتحق بقافلة بناء تونس الجديدة بكل قناعة، عندها فقط لا يبقى للناعقين من مكان يلوذون به، سوى الإنزواء إلى جحورهم الخبيثة.

المراجع

1 – 2 – 3 – من انتخابات 2011 إلى استفتاء 2022: العازفون عن الإقتراع طاقة انتخابية مهدورة.

https://nawaat.org/2022/07/21/

4 – تونس: سعيّد يعزل 57 قاضيا اتهمهم بالفساد والتستر على متهمين في قضايا إرهاب

https://www.france24.com/ar/

5 – اعتبرها بعضهم انقلابا على الدستور ورآها آخرون تصحيحا للمسار.. هذه مواقف أبرز القوى السياسية التونسية من قرارات الرئيس

https://www.aljazeera.net/news/politics/2021/7/26/

Check Also

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024