عندما هاجم صدّام حسين إيران بتاريخ 22/9/1980 تنفيذا لمخطط أمريكي غربي عالمي، في عدوان مفاجئ على المناطق الغربية من البلاد، وله من أهدافه غايتان:
الأولى: إحتلال محافظة خوزستان، ذات الأغلبية العربية في سكانها، تحقيقا لطموح حزبي بعثي، لا يزال ماثلا على خرائطهم المعبّرة عن ذلك، والثانية محاولة إسقاط النظام الإسلامي بالقوة العسكرية، فليس شيء أقسى على هذان المعسكران الشرقي والغربي من بناء نظام إسلامي، من شأنه أن يقضي على هيمنتهما على العالم، وقد اتفق المعسكران على حضر بيع الأسلحة وقطع الغيار إلى إيران، وهي المرّة الأولى التي يجتمع فيها العدوّان اللدودان على مسألة واحدة، اعتقادا منهم بأنّ ذلك سوف يُسهم في المساعدة على إضعاف القوات الإيرانية، في مواجهة جيش عراقي مسلّح بأفتك الأسلحة من قطع إمدادات الأسلحة عنه، خصوصا وهو لا يمتلك مصنعا لها.
وجاء الخبر في لحظاته الأولى إلى الإمام الخميني الراحل رضوان الله عليه، فقال كلمة عميقة المعاني والدّلالات، لم يفهمها سامعوها في ذلك الوقت كما يجب أن تُفْهم، فقد قال: (الخيرُ فيما وقع)(1) وبتقدّم الزمن وانكشاف الحقائق التي كانت غائبة عن الأعين، بدأ عشّاق الإمام الخميني رضوان الله عليه ومتابعو ثورته ونظامه، يفهمون تدريجيا ما كان يقصده من قوله الذي قاله كردّ فعل من خبر هجوم القوات العراقية على إيران، يوم كان الجيش في حالة تجديد وهيكلة، بعد تصفية عملاء الشاه وضباط ولائه، وبناء قوات عسكرية إسلامية بأتمّ معنى الكلمة، تحمل هموم ومشاريع شعبها وأمّتها.
نعم (الخير فيما وقع)، لقد كانت نظرة مجدد الإسلامي المحمدي في هذا العصر صائبة، كان يرى أبعاد تلك الإجراءات التعسّفية الظالمة ضد بلده، ونتائجها الإيجابية على شعب وفيّ، عشق الإسلام وآمن بمبادئه وأحكامه، وأراد أن يكون وحده المرجع والحاكم، لقد ولّد الحصار والمنع والعقوبات التي بدأت منذ انتصار الثورة الإسلامية، إرادة وعزيمة لدى علماء وخبراء إيران، بفضل حسن تخطيط حكومتهم، من أجل توفير ما منعه أعداؤهم عن بلادهم من أسلحة، ومن كان مع الله دائبا في إعزاز دينه وإعلاء كلمته، كان الله معه في كل الظروف والحالات التي تطرأ عليه، وبعد أكثر من عشرين عاما من التجارب الميدانية والتوفيقات الإلهية، جاء صيد الدرونات الأمريكية، لتفسح مجالا أكبر لخبرائها في التقدّم في مجال الطائرات المسيّرة، حتى على أمريكا نفسها بأشواط، ففي تاريخ 4/12/2011 أعلنت إيران عن اصطياد طائرة آركيو -170 المتطوّرة، بعد تجاوزها الحدود الإيرانية، بعدما سيطرتْ عليها إلكترونيا، وأنزلتها سالمة على الأرض(2)، ثم بعد سنة واحدة، قام المختصون الإيرانيون بإنزال طائرة مسيرة أخرى من نوع “سكان إيقل”، ولمن عمِيَ عن إيران فليسأل نفسه من أنزل الطائرتين سالمتين إلى الأرض؟ أليست قوة لم تُدركها بعد أمريكا؟
ما يمكن القول والجزم به بعد التجربة الإيرانية، إنّ الدولة التي لم تتمكن من صناعة أسلحتها، وتوفير ذخائرها لقواتها، وحسن الإستعداد لأيّ طارئ، لا يمكنها أن تحقق أمنها الداخلي وتحوز حصانتها الخارجية، طالما أن مصانعها خارج حدودها، وتحت أحكام سياسية دوليّة غير مضمونة، خاضعة عادة لتحالفات باطلة، ومن تلك الحاجة الماسّة بدأت مسيرة إيران الصعبة والعويصة إلى صناعة أسلحتها، وقد فاجأت العالم ولا تزال المفاجآت تتالى .
يصعبُ إحصاء الصناعات العسكرية الإيرانية البرية والبحرية والجويّة، فهي متنوعة وتطورت خلال سنوات العدوان والحصار والعقوبات، زيادة على فضل الله سبحانه على قوم سلمان المحمّدي، الموعودين بإعلاء كلمة دينه في هذا الزمن، فقد (أعلن قائد القوات البرية الإيرانية في حديث عبر التلفزيون الإيراني، تخصيص مسيّرة “آرش 2” للهجوم على حيفا، وتل أبيب،
وأضاف: “آرش 2” طائرة بدون طيار دقيقة استطاعت خلال مناورات “اقتدار 1401” البرية تدمير أهداف مماثلة للنقاط التي ضربها صاروخ “فتح 360(“.(2)
دخلت روسيا الحرب في أكرانيا دفاعا عن وجودها، بعد محاولة أمريكية غربية لزج أكرانيا في حلف الناتو والإتحاد الأوروبي، لكنها لم تحسب حساب الطائرات المسيرة التي أوقفت تقدم القوات الروسية على الجبهات، فقررت شراء المسيرات الإيرانية، وهو مكسب اقتصادي لإيران، وإنجاز عسكري لروسيا التي أصبحت صاحبة المبادرة والتفوّق على الميدان، وفيما ذُكِر أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أن روسيا استهدفت قاعدةً عسكريةً في عمق أوكرانيا يوم أمس الأربعاء، مستخدمةً طائرات “شاهد-136” من دون طيار الإيرانية، ما يشكل تحدياً متزايداً لكييف في مواجهة سلاح المسيرات. وأبلغت أوكرانيا، بحسب الصحيفة، تلقيها موجة من الهجمات الروسية بطائرات “شاهد-136” في الأسابيع الثلاثة الماضية، لكن الفارق هذه المرة كان استهداف منطقة بيلا تسيركفا، وهو ما يُعد الهجوم الأقرب إلى العاصمة كييف باستخدام هذا السلاح.(3)
في “مناورات الرسول الأعظم 17” لأول مرة، تم عرض صور عن قرب للطائرة الانتحارية المسيرة “شاهد -136 ” ولأدائها. وكجزء من المناورات، تم اطلاق الطائرات بدون طيار شاهد-136 من قاذفة ذات خمس منافذ على أهداف محددة مسبقا وتم اصابتها بدقة مثالية. الامر الذي استقطب الكثير من التعليقات من خارج إيران. ولكن من أين تأتي هذه الدقة العالية؟(4)
لقد اثبتت المسيرات الإيرانية فعالية كبرى في إصابة الأهداف بدقة، قبل الحرب الأكرانية، فتعدد التجارب على هذه الأنواع من الطائرات في المناورات العسكرية، جعل الخبراء الإيرانيين يتقدمون بها إلى أبعد مدى من الدّقّة، وفي آخر مناورة استهدفت طائرات بدون طيار كمان ومهاجر وأبابيل ، باستخدام أسلحة محلية دقيقة بينها قنابل “قائم” وصواريخ “الماس” وقنابل MK-8، الأهداف المقصودة في المنطقة العامة للمناورات، والتي تضمنت أهداف محاكاة لمراكز القيادة والسيطرة للعدو، ومخازن الوقود وملاجئ العتاد، والمنظومات الراداريّة والصاروخية، وأماكن تجمع القوات، حيث أصابت بدقة تلك الأهداف، وقد تم تدمير المواقع الحساسة والحيوية للعدو الافتراضي، باستخدام أسلحة حديثة ودقيقة، في التمرين المشترك للطائرات المسيرة للجيش الإيراني.(5)
بهذا السلاح الفتّاك والدقيق، لم يعد لحاملة الطائرات دور مهمّ، في الحروب المحتملة القادمة، وما يمكن أن تفعله الطائرات المسيّرة في هجماتها – بعد الذي ظهر- قد لا تقوم به الطائرات المأهولة خلال غاراتها، انطلاقا من حاملة طائرات، وفوق ذلك فحاملة الطائرات أهداف سهلة للمسيرات، ولأجل ذلك تخلّت إيران نهائيا عن صناعة هذه الجلاميد العائمة.
المراجع
1 –الإمام الخميني رائد الإستقلال والإكتفاء الذاتي
https://alwelayah.net/post/print/115332
3 – إنزال طائرة RQ-170 الأمريكية في إيران
https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – الجيش الإيراني يكشف عن مسيرة لضرب حيفا وتل أبيب
https://arabic.rt.com/world/1389593
3 – “وول ستريت جورنال”: طائرات “شاهد – 136” تضرب العمق الأوكراني وتقترب من كييف https://www.almayadeen.net/news/politics/
4 – المعرفة العسكرية: الطائرة بدون طيار الإنتحارية “شاهد – 136”
https://arabic.iswnews.com/12192/
5 – مناورات الجيش الإيراني .. تدمير المواقع الحساسة والحيوية للعدو الإفتراضي