كتب عنك المفكرون الواقعيون بعقولهم، فأظهروا خصالك العلمية وسجاياك الفكرية، وما قصّر الموالون فيك بشيء، فهذه ابحاثهم مؤلفاتهم عنك ظاهرة، بدءأ من الشهيد فتحي الشقاقي، الذي كان من أوائل العارفين بقيمة شخصك، ونتاج قيادتك لشعب، أخبر عنه الوحي في قرآنه والنبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيانه، أنه من قوم سلمان المحمّدي، فارسي العرق، ولكنه محمّدي النسبة ( سلمان منا أهل البيت) وأكرم بها من نسبة، أزعجت أهل العصبية فتربّوا على حقدها.
وكتب عنك العاشقون بقلوبهم، فتفنن كل قلب بتعبيره، ينثر حبرا حينا، وينثر دما حينا آخر، وتسابق إليك المحبّون لهفا للقائك، يتبرّكون بطلعتك البهيّة ولو في عالم الرؤيا، بعدما أطللت عليهم بشخصك، إمام عدل يدعو إلى اتباع أئمة الهدى من أهل بيت، أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ويمهّد ليوم ظهور المصلح العالمي المبارك، لواعج أرواحهم تنثر من حولك أطواق الولاء ورياحين التقديس، ولا أحد مقصّر في تعابيره التلقائية والعفوية منذ حللت بأرض بلادك بعد منفاك القصري، ملايين من الأوفياء لقيادتك جاءت من كل حدب وصوب، لتعلن لك ولاءها التّام، وتضع أنفسها تحت تصرفك.
هي قطعا جموع مستضعفي إيران، التي لبّت نداء ثورتك، ومضت مطبّقة ارشاداتك التي تأتيهم من وراء الحدود، قد هبّت هبّة رجل واحد، استعصى على قوى الإستكبار داخل إيران وخارجها، كبح جماحها وافشال حركتها المباركة، بقيادتك الرشيدة والحكيمة، وسقط الشاه عميل الغرب وخائن بلاده، بفعل الإرادة الشعبية الملتفة حولك، سمعا وطاعة لم تعهد من قبل، وكالأب الحريص على أولاده ومستقبلهم، قدمت عليهم لتشاركهم زخم الثورة، وتتحمل معهم تبعاتها، متحدّيا كعادتك منذ أن صدعت بمواقفك من الحكم البهلوي العميل للإستكبار والصهيونية، وحققت معهم بفضل الله عشرة فجر مباركات، أضاء نورها للدنيا، فأبهر الشعوب التوّاقة للحرّية ضياؤها، وانتشر أريج فكرك فوّاحا، استقرّ في عقول وقلوب السالكين لإعلاء كلمات الله التّامّات، يقتبسون منها مشاريع صحوة شعوبهم وقيام ثورتها.
عشر سنوات وبضعة أشهر مرّت بأحداثها وآلامها وأفراحها كالحلم قصيرة، كنت فيه كهف أمان يلتجئ إليه أبناؤك في محنهم وابتلاءاتهم، يسترشدون منك الطريق، ويشحنون عزائمهم بوجودك بين ظهرانيهم مطمئنين بك، فلم تبخل عليهم يوما بنصيحة ولا تميّزت عليهم بشيء، وسيّد القوم خادمهم، وكذلك فِعْلُ أجدادك الطاهرين، كانوا يؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة، وكذلك كنت خير قائد ومعين لهم في البأساء والضّرّاء وحين البأس.
صنعت نظاما إسلاميا لم يسبقك إليه أحد رغم أن مسألة الولاية العامة مطروحة في كتب الفقه وأصوله، لم يكن أحد ليجرؤ على تناولها، في عصور استحكمت فيه أيدي أعداء الدين باسم الدين، فمن ذا الذي يفتح باب البلاء على نفسه، فيضعها في وجه السّلطان معارضة لحكمه، وكذلك فعلت أنت بطرح معالم الحكومة الاسلامية، على منهاج ولاية الفقيه العادل الجامع لشرائط الفقه، ولم تكتفي بعرضها نظريا – وأنت في المنفى بالنجف (العراق) على تلاميذك للبحث الخارج – بل قمت بالدّعوة إلى تطبيقها عمليّا، بعد إرساء ثورة شعبك على ساحل النصر، وكان جوابه بنعم لإقامة حكمها بنسبة 98.2% أذهلت قوى الإستكبار العالمي، وأسقطت ما في أيديهم من أمل بتغيير إيراني دخالي.
نظام إسلامي تحت اشراف سلطة وليّ الفقيه قائم على مؤسسات عليا منتخبة، أثبت بمرور السنوات أنه نظام عتيد، مستخلص من ورح تعاليم الإسلام وجوهر أحكامه، عالج قضايا بلاده ومعها بالتوازي، قضايا الأمة الإسلامية التي تخلت عنها الأنظمة الإسلامية طوعا أو كرها، وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية، التي خذلها الجميع، ولم يبق لها الآن سوى النظام الإسلامي في إيران، ولولا دعوتك ومشروعك التحرّري لها، وتأسيس حركات المقاومة بفكرك وفكر طلائع تلاميذك، واستجابة هذه الحركات في فلسطين ولبنان لندائك لما بقيت للقضية الفلسطينية باقية.
النتيجة الحاصلة اليوم، وأنا على يقين بأنك من عالمك ترقبها، راضيا بأداء شعبك وعشّاقك فيه ومن خارجه، قرير العين بالإنجاز الذي حققت به أمل الانبياء جميعا، في بناء نظام إسلامي، يعتمد أساسا حكم الله في أرضه، وإيران اليوم تنعم في عز الاسلام آدابا وأحكاما، تزداد كل يوم رفعة وسؤددا، رغم خطورة مؤامرات الأعداء، واثقا نظامها وشعبها بأن من كان مع الله في نصرة دينه، كان الله معه في جمع شؤونه.
وكان لا بد لكل لقاء من فراق، وليس هناك اقسى على المحبّ فراق حبيبه، وكان فراقا مرّا قلّ نظيره أثرا وعدد ومشهدا من قبل، في وقت كان أعداء النظام الإسلامي وقائده يزيّفون عنه الحقائق بالأباطيل، كحنو أنه نظام متسلط على شعبه، ففي فجر اليوم الثالث من شهر جوان ( حزيران) إرتقت روح معشوق الجماهير الإسلامية الإمام الخميني إلى بارئها ملبّية نداءه، يوم سيبقى خالدا في تاريخ إيران والبشرية جمعاء، حشود مليونية زاحفة من كل مناطق إيران، لتشارك عزاء بعضها البعض، ومنهم من لم يتحمّل هول الصّدمة، فالتحقت روحه بروح قائدها، في مشاهد ستبقى راسخة في أذهان من حضرها وشاهدها، إنه طوفان بشري جارف، أظهر حقيقة شعبيّة النظام الإسلامي وقائده المؤسس، وكذّب مقولات اعدائهما الزائفة، وسفّه أحلامهم في تفكيك لحمته الجماهيرية بالدعاية المغرضة، وهيهات أن ينجحوا في ذلك حاضرا، ومستقبلا كما فشلوا فيه ماضيا.
الثلاثة ملايين التي استقبلت الامام الخميني رضوان الله عليه عند عودته، تضاعفت الى أربعة أضعاف عددها، مودّعة لجثمانه الطاهر، في مشهد يوم عرّفنا التاريخ أنه لا يتكرر دائما، برهن فيه الولائيون أنهم أوفياء لنهج مؤسسهم، متمسكون بفكره ونظامه، موطنين أنفسهم على مواصلة السير عليه، بقين تام بأنهم على المنهاج المحمّدي العلويّ، ممهّدين لصاحب العصر والزمان الإمام المهدي (عج) التمهيد الحقيقي الذي أراده الله من الإعداد العمليّ ( واعدّوا لهم ما استطعتم من قوة )، أعزة على الكافرين أذلّة على المؤمنين، لا يرهبون ولا يجبنون وعلى الله يتوكلون، والعاقبة للمتّقين.