الأحد , 22 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

“نفسي فداؤك يا أنصف الناس” من رواية “قنابل الثقوب السوداء”…بقلم إبراهيم أمين مؤمن

خرجت جموع الشعب المصريّ من كلِّ محافظات مصر -بعد قرارات الرئيس مهدي- تمتلئ وجوههم بالسرور والفخر مرددة نفس الشعارات التي رددوها من قبل يوم أن فرد مهدي أذرعه على الدول الأجنبيّة بفرض ضرائب إضافيّة لشحنات الأسلحة التي تمرّ عبر قناتي عبد الناصر والسيسي. وعبروا عن فرحتهم وثقتهم برئيسهم مهدي -بعد أن فرض على الجيش والحكومة دعم المصادم من رواتبهم- بالإقبال الشديدعلى البنوك لشراء شهادات استثمار المصادم المصريّ. ومن يشاهدهم لن يملك نفسه ولابد له من البكاء، فهؤلاء الذين يهرعون إلى البنوك لشراء شهادات استثمار المصادم FFC-2 يخرجون من تحت الأنفاق ومن الخيام الورقيّة والصوفيّة ومن المنازل الخربة والقبور.
وأكثرهم يكبو من الفاقة وقلة الزاد لكنهم سرعان ما ينهضوا رغبة في الوقوف إلى جانب رئيسهم العادل.
أما الأغنياء، فقد كان لديهم عزيمة قوية أيضا لتدعيم المصادم، وأكثرهم كانوا يعيشون حياتهم بكل شرف وأمانة.
وصلوا البنوك، وقد اكتظت الشوارع بهم قبل اكتظاظ البنوك، ونظموا أنفسهم تنظيمًا رائعًا سواء داخل البنك أو في خط سيرهم.
ولقد تعجب موظفو البنوك من شأنهم، حيث إن أكثر هؤلاء كانوا يقولون: «نريد الدعم بمائة جنيه.» وفور أن يحصل موظفو البنوك على المائة جنيها كانوا يسألونهم: «ينفع نتبرع بملابسنا أو أثاث خيامنا؟»
وبعض هؤلاء كانوا يحضرون معهم بعض الفرش ويقدمونها لموظفي البنوك.
وبدأ بعض الإعلاميين يقابلون هذه الجموع الغفيرة عند البنوك، فسأل بعضهم.
قال لأحدهم وقد كان يلهث من العطش بسبب شح المياه: «أرى معك شهادة استثمار، فبكم هي؟ »
رد الرجل: «أنا وأهلي وكل ما أعرف من الناس أتوا اليوم ليشتروا هذه الشهادات بعد أن أفرغوا دواليبهم من الملابس وباعوها، حتى إني أعرف الكثير منهم قد باعوا خيامهم وأقاموا في العراء.»
ومضى الإعلامي وقال في نفسه -وقد كان لبيبًا -: «سبحان الله، عندما يصدق الرؤساء نرى من شعوبهم العجائب!»
ومن بين الأمثلة التي يندى له الجبين، أنه في يوم جاء أحد أفراد الشعب بثيابه الممزّقة وشفاهه المشقّقة إلى أحد مراكز علاج الكلى، في الاستقبال قابلوه وسألوه ظنًا منهم أنه متسول: «ماذا تريد يا رجل؟»
أجاب: «لدىّ كلية فاسدة تحتاج إلى فصْل وأريد زرع أخرى وسأعطيكم مالاً كثيرًا، هيّا أسرعوا فإنّها تؤلمني، ارحموني من هذا العذاب.»
اتصلوا بوحدة الطوارئ ليحولوه فورًا إلى القسم المختصّ.
دخل على الطبيب، فأفرده على طاولة الكشف وفحصه فلم يجد شيئًا.
قال له الطبيب دهشًا:«كليتاك سليمتان.»
ردّ على الطبيب ناشجًا: «يا دكتور، إنّي أشتكي من وجع أشدّ ألمًا من ألم الكلية، أشتكي ألّا أجد ما أعطي رئيسي وحبيبي مهديّ.»
– «وما شأني أنا بهذا الأمر؟»
– «أريدك تبتر كليتي من جسدي وتبيعها لأحد الأغنياء لأشتري بها شهادة استثمار.»
ظن الطبيب أنه يمازح أو أنه رجل مجنون لذلك سأله: «هل أنت جوعان أيها المواطن؟»
فتمطَّق الرجل كأنّما يشتهي طعامًا، ثمّ مسح شفتيه العلويّة والسفليّة بلسانه.
فاغتاظ الطبيبُ وقال له: «أتسخر منّي أيها اللئيم! شفتاك مشققتان ووجهك شاحب وتدّعي أنّك تأكل الزيت والسمن؟!»
رد: «أيها الطبيب، إنّي أحاول أن انتصر بالعزيمة والأمل.»
قال الطبيب وهو يسخر: «كيف إن شاء الله؟»
رد بثقة وثبات: «أأكل الجوع قبل أن يأكلني، أداعب لساني وشفتي قبل أن يشكواني من العزلة، أبثُّ الأمل في روحي حتى لا تغادر جسدي.»
شعر الطبيب بأنه كان مخطئًا في الحكم على الرجل، ولذلك قرر أن ينتبه له ويرعي سمعه له.
استأنف الرجل: «إنّي أأكل من صناديق القمامة، ولكن كلما ذهبتُ إلى صندوق وجدته فارغًا، أصبحنا في أزمة اقتصاديّة بسبب نفاد طعام صناديق القمامة، لكن لا عليك، ابترْ كليتي وأعطْها لمَن شئت وأعطني المال حتى أذهبُ إلى المصرف.»
قال الطبيب وهو متأثر: «لِمَ تضحّي بكلِّ هذا؟»
رد: «الشعوب عندما تجد حكامهم يضحّون من أجل بلادهم، يهبونهم أجسادهم.»
لم يجد بُدًا من تلبية رغبة الرجل فقد تأثر تأثرًا شديدًا، وقد أضمر في نفسه نِحلة له فقال له: «ائتني غدًا.»
وبمجرد خروج الرجل جلس الطبيب القرفصاء ثمّ خرّ ساجدًا يشكر الله بأن هذا الصنف من الناس لا يزال موجودًا.
أتاه الرجل في اليوم التالي فأعطاه مئة ألف جنيهًا وهبها له من غير اقتلاع كليته وبلا ضمان، وقال: «أيّها الرجل، اذهبْ واشترِ شهادة استثمار من رئيسك هذه هبة مني لك.»
رفض الرجل بشدّة وقال: «قلتُ لك اقتلعْ كليتي، فأنا أود الدعم لرئيسي من جهدي لا من جهد الآخرين.»
رفض الطبيبُ ذلك وحلف بأغلظ الإيمان بأن يوافق على نحلته.
فأعاد الرجل عليه نفس الكلمة.
فلمّا وجد الطبيب إصرار الرجل قال له: «لتكن سلفة إلى أجلٍ غير مسمّى.»
ولم يمهله الطبيب الرد على عرضه الأخير وأخذ يدفع به نحو الباب ليخرج ومعه المال. لم يجد الرجل بدا من أخذ المال الذي فُرض عليه بالقوة، وتوجه مباشرة إلى أقرب بنك، وفي الطريق استوقف شابًا تبدو عليه مظاهر البذخ وقال له: «أريد أن أبيعك ثيابي.»
قال الشاب: «إليك عني أيها الرجل الحقير، هل أنت مجنون يا رجل؟»
فأمسكه من ياقة قميصه الفاخر بقوة وقال: «أنا لست مجنونا، ويجب أن تشتري هذا الثياب.»
بدأ الشاب يتألم من قبضته التي بدأت تؤلمه فدفع له مائة جنيها.
قال الرجل: «أنا لا أشحذ، القميص لا يساوي أكثر من أربع جنيهات، أعطني أربعة جنيهات فقط وخذ هذه الورقة.»
وصل الرجل البنك، وعندما جاء دوره قال لموظف البنك: «أعطني شهادة بأربعة جنيهات.»
قال الموظف: «أربعة جنيهات؟!أقل قيمة عشرة جنيهات أيّها الرجل.»
– «لم أملك سواها، فخذها.»
– «قلت لك ممنوع.»
– «هذه أربعة جنيهات ملكي، وهذه مئة ألف من الجنيهات مِلك رجل من أخلص الرجال في مصر.» وبلهفة ألقاها له.
وصل الخبر إلى الرئيس مهديّ عن طريق المخابرات المصريّة التي كانت تتابع عمليات الشراء.
فانكبّ على وجهه باكيًا وقال لنفسه: «شعب لا يجد قوت يومه، ولا يجد شربة الماء يُقبل على شهادات الاستثمار بمائة جنيهًا، وخمسين جنيهًا، وأربعة جنيهات،أربعة جنيهات! سبحانه جعل في النفس البذل عند الإيمان، والمنع عند الكفر، شعب يبيع الخرق الباليّة ويكتفي ببل الشفاه عند الظمأ ليشتري شهادة استثمار ب .. ب .. أربعة جنيهات. رغيف العيش بخمس جنيهات في هذا الزمن الأغبر.»
وعلى الفور أصدر أمرًا للبنك ببيع شهادات استثمار بجنيهٍ واحد، واحد فقط.
أمّا تحويلات المصريين من الخارج فقد كان لها نصيب الأسد من أجل الإسهام في المصادم، وتتزايد يومًا بعد يوم حتى بلغت خمسين مليارًا من الدولارات.
بينما يستشيط غضبًا أولئك الذين يستخفون وراء بسماتهم الزائفة وقلوبهم المريضة.
أمّا وراء الجدران فتكلّم بعض الوزراء قائلين: «غدًا يجعلنا مهدي نكشح الشوارع.»
أمّا داخل الجيش فقد حدث تمرّد خطير من بعض القيادات، فقد حاولوا الانشقاق وعزْل الرئيس مهديّ، ولكنّ أكثر القيادات رفضت تمامًا الخروج عليه؛ فسهل القبض عليهم والتخلّص منهم، أمّا أذنابهم فقد حبسهم في السجن العسكريّ.
وعلى الصعيد العالميّ، فهناك في الغرف المغلقة تحاوروا مع بعضهم بشأن المصادم ومصر.
حيث قالوا: «إنّ الشعوب عندما تحبُّ حكّامها، والحكّام يحبّون شعوبهم، صعب على أيّ جهاز مخابرات مهما كانت كفاءته أن يُحدث بلبلة ويخلق أزمات لإيجاد فوضى تهدم على إثرها المؤسسات ويختنق الاقتصاد وتتنازع فيها الشرائح الاجتماعيّة. ومع ذلك لن تثنينا هذه العقيدة الصحيحة عن المضي قُدمًا نحو مخططنا لحكم هذه الدول ولاسيما المسلمة منها.»
وبالفعل عبروا عن غلهم بأن ظهروا عبر القنوات وقالوا خلاف ما يعتنقون ويقولون وهم يضحكون: «شعبٌ لا يجد قوت يومه، ولا شربة الماء يبني مصادمًا بحثيًا، والمصادم كباقي المختبرات تحتاج إلى دعم الحكومات ولا تدرّ أموالاً، الرئيس المصريُّ سيتسبّب في موت شعبه جوعًا، خبراء الاقتصاد يقولون إنّ مصر سوف تعلن إفلاسها في مدة لا تتجاوز خمس سنوات.»
وما أرادوا بذلك إلّا زعزعة الإصرار الذي تغلغلَ في جموع الشعب نحو تدعيم المصادم فينصرفوا عنه، فتظلُّ مصر تقبع في ظلمات الضعف.
هم خبثاء لأنّهم يعلمون أنّ المصادم سوف يجعل مصر بلد العلوم والتكنولوجيا ومنارة للعالم، يعلمون أنّ العلم هو السوّاقة لأيّ بلد كي تنهضَ اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا وسائر مجالات الحياة الأخرى.

شاهد أيضاً

الدعوة المنبرية… قصة بقلم إبراهيم أمين مؤمن

سأله: هل تظن أن التاريخ روى لنا كل أحداث الزمان؟ أجابه: إن الأحداث التي رُوِيَتْ …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024