ان عجبت يوما فاعجب من سياسة امريكا، وشطحات حكام بيتها الأبيض، كلما دخله رئيس، صبغه بما يشتهي الكيان الصهيوني، وحثالة العملاء من اعراب الخليج، آخرهم ترامب الذي دخله بغطرسة فوق غطرسة سابقيه، بما خيّل اليه انها الطريقة المثلى لإيهام العالم، بأن في يده صولجان السطوة والتحكم في بلدانه، وكانت حملاته الانتخابية تصب في وعود قطعها على نفسه، بان يدعم خط السياسة الامريكي الراديكالي، الذي بحوطه اللوبي الصهيوني بإمكانيات ضخمة، تجعل مرشحه اقرب الى النجاح من غيره، لتستمر السياسة الخارجية الامريكية تجاه الكيان الصهيوني كما رسم لها أهلها.
وما كاد ترامب يستقر في البيت الابيض، حتى اطلق ما في جعبته من تهديدات لإيران الاسلامية، وصلت إلى حد أعتقد فيه قوم تُبّع من أعراب الخليج، انهم امسكوا بالرّهان الكبير الرابح، في استعدائهم على ايران، وان شرارة الحرب في لهجة ترامب المتصاعدة، تكاد تندلع حريقا على الجانب الشرقي من الخليج، يريحهم من هاجس ارعب أحلامهم وسفه سياساتهم، ولا يريدونه ان يبقى بحقائقه قضاء مبرما مسلطا عليهم، سينهي زمن تسلطهم على بقية الدول العربية والإسلامية، ويزيل من منطقة الخليج الفارسي قواعد عسكرية بريطانية وامريكية وفرنسية، طالما شكلت في حقيقة وجودها، تهديدا جديا لأمن البلدان المحيطة به، ويراه الخبراء العسكريون في الغرب تهديدا خاصا، موجها فقط لإيران الإسلامية، دون غيرها من الدول المستضيفة رغم انفها لتلك القواعد، فما يهم القوى الإستكبارية بزعامة امريكا، هي مصالحها التي تنحصر فقط في الطاقة من نفط وغاز، تزخر بهما البلدان الخليجية والمحسوبة عميلة لأمريكا وبريطانيا، بلا أدنى شك في ذلك، وتاريخها وسياساتها مكشوفة للعالم لا يختلف عليها اثنان.
خيار العدوان على ايران واشعال حرب ضدها، كان مقدما على طاولة الخيارات الامريكية، وضعه ترامب وفريقه المتشدد بخصوص إيران في مقام الأولوية، بحيث كان العالم باسره يرى ان الحرب على ايران او بالأحرى القيام بعدوان عليها، اصبحت مرهونة في ذريعة ما أو احتكاك صغير، يكون مبررا امريكيا كافيا لحشد التأييد الغربي خصوصا الى جانب عدوانها، لكن ذلك لم يحصل، حتى بعد اسقاط الحرس الثوري الايراني طائرة التجسس الامريكية بدون طيار، والتي تعدّ مفخرة صناعاتها العسكرية، ومن حينها بدأ العد التنازلي لسقف التطاول الامريكي على ايران الاسلامية.
شخص واحد كان يدرك – وهو يملك المعطيات – أن الحرب لن تقع وان امريكا لن تجرؤ على مهاجمة ايران، وهو قائد الثورة الاسلامية الايرانية الذي تحدث بكل ثقة وقال: ” أمريكا لا تجرؤ على مهاجمتنا طالما نمتلك السلاح، ودعواتها لنا للتفاوض، تهدف إلى تجريدنا من السلاح، ومن ثم مهاجمتنا”.
تراجع امريكي سجله أولا رئيسه، وتتابعت التصريحات من وزراء حكومته، آخرهم (مايك أسبر) – مرشح البيت الابيض لنيل حقيبة وزارة الدفاع – قال امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الاميركي: ان بلاده لا ترغب بالحرب مع ايران … وهناك حاجة للعودة الى المسار الدبلوماسي.
سقط اذا العنوان الامريكي الاول، وهو اللجوء الى الحل العسكري، وسقوطه كان بسبب الاستعدادات العسكرية الايرانية الكبيرة، والامكانات التسليحية واللوجستية والاستخبارية الهامة، التي أصبح يمتلكها الجيش والحرس الايراني، ما سيعرض المصالح الامريكية في جنوب غرب الخليج في خطر كبير، لا تفلت منه قواعد ولا دول مستضيفة لها، ولا نفط يشحن كل يوم الى الغرب ودول العالم.
ويتهيأ العنوان الثاني للسقوط، وهو عزل ايران سياسيا، مع اصرار الجانب الاوروبي على معارضة سياسة امريكا، بخروجها من الاتفاق النووي، بتمسكه بالإتفاق النووي مع ايران، ومحاولته ايجاد قناة مالية في التعامل التجاري معها.
الأمريكي استوعب جيدا التحذيرات الايرانية أولا، وتقارير وكالة استخباراته، ووعى أنه في صورة ما اذا اقدم على أي عمل عسكري ضد ايران فإن مصالحه كلها ستتضرر ضررا قد لا يكون بإمكانه إصلاحه، وعودة ترامب الى رشده بدأ، عندما أعلنت ايران اسقاط طائرة أمريكية تجسسية، تعتبر أيقونة صناعتها العسكرية، بمنظومة (سوم خرداد) محلية الصنع للدفاع الجوي دخلت الخدمة عام 2014، تمكن صاروخها من اصابة هدفه بدقة واسقاطه، هذه المنظومة المتطورة هي من انجازات الثورة الاسلامية، صنعت لتتصدى لأربعة اهداف في وقت واحد، على ارتفاع 27 كلم في شعاع 75 كلم.
ونزل منسوب ارتفاع لهجة تهديداته الى الصفر، عندما اعلنت ايران انها تعمدت عدم إسقاط طائرة عسكرية مرافقة بها 45 امريكيا، كانت تتابع المسح التجسّسي للطائرة المسقطة.
امريكا تعرف شيئا عن القدرة الصاروخية الإيرانية ومعرفتها اكتسبتها من مصدرين الأول البرنامج الجيوفضائي الإيراني، وقدرته على اطلاق صواريخ حاملة للأقمار الصناعية، ووضعها في مدارها العملي، والثاني صليات الصواريخ التي أطلقت من ايران، باتجاه دير الزور ردا على ذبح الشهيد مصطفى حججي من طرف داعش، وقد دكت بها معاقلهم، والجولان المحتل ردا على العدوان الصهيوني على مطار التيفور، واستشهاد اربعة ايرانيين، وشمال العراق تلقينا لاعداء الثورة الاسلامية بانه لا مأمن لمن حارب النظام الاسلامي.
صليات صاروخية اثبتت فعالية ودقة اذهلت العالم، من أجل ذلك سعى ترامب إلى المطالبة بإعادة المفاوضات التي انتهت بإبرام الاتفاق، وإدخال البرنامج الصاروخي الإيراني ضمن اتفاق جديد، يرضى الامريكان والصهاينة وعملاءهم، وهذا الأمل الذي يتمسك به اعداء ايران لن يتحقق، في ظل الصمود الاسطوري للشعب الإيراني، ت قيادة وحكومة رافضة قطعا المساومة بحقوق شعبها، والتفريط بشيء من انجازاتها ومكتسباتها الدفاعية.
وتبدو ايران اليوم في موقف المصر على تحقيق أهدافها الكبرى، وفي مقدمتها الاكتفاء الذاتي من صناعاتها العسكرية المحلية، التي شهدت تطورا ملحوظا لافتا، ولن يثنيها عن عزمها تهديد او عقوبة، وتجربتها المريرة التي خاضتها طوال الحرب المفروضة عليها من طرف امريكا نفسها، بأيد بعثية صدامية عراقية، قد خرجت منها بمحصّل أن من لم يصنع وسائل دفاعه بقدراته الذاتية، بقى تحت رحمة اعدائه، ومن هناك بدأت مسيرة القوى الإيرانية العاملة بإصرار، نحو التصنيع العسكري، وتحصيل تقنياته العالية، وقد بلغت اليوم اشواطا متقدمة في مجلات التصنيع والانتاج العسكري، جديرة بأن يقف عندها كل من تحدثه نفسه الاعتداء عليها، فايران الأمس المحتاجة الى السلاح للدفاع عن نفسها وثورتها، ليست ايران اليوم التي ملكت وسائلها العسكرية بكل قوة واقتدار، ولن يفلح المشعوذ الأمريكي في ترويضها مهما تفنن في العدوان