تاريخ البشرية مليء بالحكام الحمقى والمشبوهين، وهذا مما جرت به أخبارهم على صفحات كتب التدوين الأدبي، ومن طرائف ما كتب الجاحظ والمعرّي وغيرهما في هذا المجال، فاضحا سير حكام، كان الناس يرونهم مبرّؤون من تلك المعايب المنسوبة إليهم، ولعل المؤرخين من خجلهم منها، أجملوها في عبارات مقتضبة، كأقلّ ما يمكنهم أداؤه بحق الأمانة التاريخية.
ما مضى فقد مضى في حال سبيله ولن يعود بأشخاصه، فمقترفوه احتوتهم الأرض في رموس لم يحسبوا لها حسابا في يوم من أيّام حياتهم، وجاءهم ما كان لا بد منه، ووجدوا ما عملوا حاضرا، سنّة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا، ما يهمنا اليوم، أننا نعيش عصرا حديثا، وهو على حداثته، بقي على نفس سيرة حكام، مضوا على أثر من ذهب من الأجيال بدولها وقياداتها، أحمقا يجرّ وراءه حمقى، وحمقى يستنفرون إليهم حمقى، حكومات ودولا تجرّ شعوبها ومستقبلها إلى هاوية الضياع والخسارة التي قد لا تعوّض.
دول غربية لم يكْفِها استعمارها لدول مستضعفة، في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ونهب خيراتها ومقدّراتها، بلا أدنى شفقة ورحمة، استمرت على نفس الطريق، في فرض سياساتها عليها، إلى ما بعد استقلالها الصوري، وتحت التلويح بالقوة النووية العسكرية، فرضت نمطا سلطويا مهيمنا عبر مجلس الأمن الدولي، الذي بقي سيفا مسلطا على رقاب معارضي دول الغرب، ككوبا وكوريا الشمالية وإيران وفنزويلا، ولولا الصين وروسيا بالنسبة لهؤلاء المستهدفين وعلى بقية شعوب العالم، لكان الوضع أشدّ انتكاسا وخطورة، وختمها الغرب بزعامة أمريكا بتأسيس حلف النّاتو، الذي توسّع بشكل لافت ومُرِيب، ليصل إلى حدود روسيا الغربية، ويطمع قادته في ضم أوكرانيا إليه، لخنق روسيا وتهديدها بشكل خطير، وهذا ما دفع هذه الأخيرة إلى الدفاع عن نظامها وشعبها بأي ثمن.
ولم تندلع الحرب الأوكرانية من أجل هدف توسّع روسيّ، فروسيا ليست استعمارية كدول الغرب، وثورتها البلشفية أثمرت عقلية بعيدة عن التسلّط والإستعمار، وقد فُرِض عليها دخول الحرب فرْضا، ودُفِعَت إليه دفْعا مُكْرهة، ودأب العقلاء طبعهم في معارضة الحرب والعدوان، لكن الحمقى يعتبرونها لعبتهم، وعادة المقامرين الحمقى المجازفة دائما، ولو كلفهم ذلك ازهاق ملايين الأرواح فذلك لا يهمّ، طالما أنهم آمنون على حياتهم ومن يعنيهم أمْرهم، وهذه عقلية غربية عنصرية مستكبرة، رآها الروس تستهدف أمنهم ووجودهم، خصوصا عندما نجح (زيلنسكي) الصهيوني في الوصول إلى السلطة في أوكرانيا، بخداع المهرّج الوقح، وبدأ بالدخول تحت المظلة الغربية، ( عضوية حلف الناتو+ عضوية السوق الأوربية)، فلم يبق خيار أمام الروس سوى استباق المخطط الغربي، في احتواء روسيا وتهديدها من الحدود الاوكرانية، فشنت حربا وجودية عليها.
الحماقات الغربية متواصلة من أجل بسط النفوذ، ومواصلة الهيمنة على العالم اقتصادا وعسكريا، وكأنّي به يُدَارُ من وراء ستار لا يظهر من خلاله المحرّكون الفعليون، وهؤلاء هم أصحاب رؤوس الأموال والمصانع الكبرى، المتنفّذون عبر حكام حمقى من أمثال (زيلنسكي)، هؤلاء لا يهمّهم شيء من قِيَمٍ انسانية أو دينية، فتلك الأدبيات لا قيمة لها عندهم، ولا تساوي شيئا في عالمهم الماديّ، الذي بلغ حدّ التوحّش، والأوكراني المزيّف لا يهمّه من أوكرانيا خرُبتْ أم عمُرَتْ، بقدر ما يهمّه أمر إسرائيل، وهو الصهيوني بامتياز.
خطأ جديد أقدم عليه الأمريكيون، بتحريض الرئيس الأوكراني على تقديم طلب عضوية في حلف الناتو، وهذا ما رأى فيه الروس تهديدا لهم، وقرروا أنه لا سبيل لأن تنظمّ أوكرانيا لحلف الناتو، ومع إصرار الحاكم الأوكراني على ذلك، بادر الروس بشن حرب عليها، من أجل اخضاعها للأمر الواقع، وإبقائها على الحياد، وعدم حشرها في تحالفات معادية لروسيا.
الحرب الواقعة حاليا مدمّرة بالتأكيد، وأكثر ضررا على الجانب الأوكراني، والسؤال المطروح هنا: لأجل من؟ ولأيّ غاية اتخذ (زيلنسكي) قرار الإنضمام إلى حلف الناتو؟ وهو يدرك تماما أنه تهديد غير مقبول من الجانب الروسي لحدود بلاده الغربية، وهذه الحرب طال مداها أو قصر، ستكون لها تداعيات خطيرة على الإقتصاد الأوكراني والروسي والعالمي، أليس ما أقدم عليه هذا الذي قضى عمره على خشبة مسرح التهريج، عملية انتحار مجانية، خطيرة نتائجها وآثارها على بلاده؟ قرار الرئيس الأوكراني جاء بدفع أمريكي غربي بالتأكيد، ووقوفهم اليوم إلى جانبه، لا يعني أنه وقوف نهائي، ففي حالة هزيمة الجيش الأوكراني، سيتناقص مناصروه من الدول الأوروبية، ويبدو أنها شعُرت بتورّطها، بسبب خطأ حساباتها التي قد تكلفها غاليا، بشأن الغاز الروسي الذي تتزود به الدول الغربية، وبدائلها المعروضة عليه من أمريكا بشأنه، لا تكفي لقضاء شتاء آمن بدون مشاكل في الطاقة.
ربط الحالة الأوكرانية بالوضع العام العالمي، من شأنه أن يُعرّفنا إلى أيّ مدى يمكن أن تجازف أمريكا، وهي التي تكاد تسقط من قمّة الهيمنة على العالم، بسبب حماقاتها المتكرّرة التي ارتكبتها سابقا، ولا تزال على نفس الوتيرة في استمراراها إلى اليوم، غير عابئة بما ستسفر عنه من نتائج، طالما أنّ المتضرر غيرها، ولن يلحقها من ذلك سوى بعض الخسائر، التي لا تقاس مع ما سيخسره الجانب الأوروبي، وليت الأوروبيين يستفيقون من سياسة إتباع أمريكا، والتعويل عليها في استراتيجياتهم، لأنّه أتباع مهووسون عميانا، ما زالوا يعتبرونها قطب السياسة في العالم، وأعتقد أنهم وخصوصا بريطانيا لن يغيّروا من ذلك شيئا، إلّا إذا أصابتهم مصيبة تعيد إليهم رشدهم، أو تُذهِب بريحهم.
السياسة العالمية محكومة في عمومها من طرف الحمقى والمشبوهين، مدفوعين برؤوس الأموال العابثين بمصالح الشعوب، وهي سياسة قديمة متجدّدة، تسببت في أزمات وحروب عالمية، عانت منها دول وشعوب، فقدت خلالها مدّخراتها وعزّ شبّانها، ولن يستقر قرار العالم بأسره، من دون تغيير هذه السياسة بسياسة أخرى، تنبذ الإستغلال وترفض الظلم، وتدعو إلى إرساء العدل ونشر الأمن بين الدّول على قدم المساواة، وهذا يحتاج إلى آلية تُسهم فيها جميع الدّول، بتغيير عقلية الإغتنام وتصفية الخصوم، إلى عقلية من التعاون والمشاركة في نعمة العيش الكريم، بواسطة عقلاء البشر، ومحمودي السيرة والمعرفة.
لا أحد يمكنه القول أن الحرب في أوكرانيا ستجرّ إلى حرب كونية ظاهرة بأعلام جيوشها، لكن في المقابل، يدرك المتابع لها أن كونية، مستترة بستار مساعدات الدول الغربية للجيش الأوكراني، واحتمال تطوّرها وراد جدا خصوصا ونحن ندرك أن أغلب من يحكم هذا العالم هم من حمقى شعوبهم فمن مخنث إلى معقّد إلى عميل، وما سجله التاريخ من اسباب قيام حروب سابقة كان في ظل وجود أنماط من الناس لا يستحقون الجلوس حتى على كرسي الحلّا فضلا عن ترأس دول بأسرها، والشعوب هي التي تتحمل المسؤولية كاملة، بتقصيرها في واجباتها تجاه أوطانها.
منطقة المرفقات