مقال توثيقي بقلم: محمود كعوش * |
“ما حدث كان خلافاً سعودياً – قطرياً قديماً ومتجذراً ولم يكن حدثاً طارئاً، أو خلافاً بين الدول الأربع المقاطِعَة وإمارة قطر المُقاطَعَة!!”
أتفق تماماً مع كل من ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها “رأس الأفعى” والمتسبب الرئيسي في كل ما أصاب ويصيب وسيصيب غالبية الدول العربية من كوارث ودمار وشلالات دماء وعمليات تهجير تحت يافطتي “الدمقرطة” و”الربيع العربي” المزعوم، الذي صنعته إدارة المحافظين الجدد في واشنطن، بغية السعي لتأمين مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني، وتحويل هذا الكيان اللقيط إلى “دولة يهودية” تبدل جلدها “العلماني” بجلد ديني عنصري، وتهيئة الظروف التي قد تمكنها من الهيمنة على الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، لا قَدَّرَ الله.
فالولايات المتحدة ومنذ سنوات بعيدة سعت لتحقيق مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، الذي ولد من “بنات أفكار” المحافظين الجدد المتصهينين في واشنطن ومطابخهم السياسية الهدامة، على حساب وحدة أراضي وشعوب وجيوش هذه الدول. كما سعت حثيثة لتوقعها في شرك هذا “الربيع”، وتقلب الطاولة على رؤوس حكامها، الذين برغم ولائهم المطلق لها، ترددوا بالاستجابة لمخططها التدميري وأجندتها الخاصة بالكيان الصهيوني ومستقبله في الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط. ولهذا عملت الولايات المتحدة على تأليب شعوب هذه الدول ضد حكامهم سعياً لاستبدالهم بحكام آخرين، تتلاقى مصالحهم وأهدافهم مع مصالحها وأهدافها، كما تتلاقى مع مصالح وأهداف الكيان الصهيوني.
ولا خلاف حول حقيقة أنه ومنذ أن عصفت هبة “الحراك الشعبي” في بعض الدول العربية في مطلع عام 2011، والحديث السياسي والإعلامي يتواتر بشكل متلاحق ودون انقطاع حول سعي المملكة العربية السعودية وإمارة قطر لإحداث التغيير وفرض “الديمقراطية” فيها، بمنطق القوة والبترو دولار والإعلام المغرض وفتاوى التكفير والكراهية، التي أصدرها فقهاء البلاط لدى الدولتين.
ولربما أن هذا السعي عبر عن نفسه بشكل “مفضوح ومحموم” في سورية أكثر من غيرها من الدول العربية الأخرى، لأن النظامين الحاكمين في المملكة والإمارة جاهرا بعدائهما السافر لرئيسها ونظام الحكم فيها، وبدعمهما اللامحدود لمناوئيهما، الذين تراوحت تسمياتهم بين “الحراك الشعبي” و”الإرهاب الأصولي”، وتحالفهما مع الولايات المتحدة والمعسكر الغربي رغبة منهما في الإطاحة بهما واستبدالهما بآخرين لا يرتبطان بنهج المقاومة والممانعة في الوطن العربي، وينأيان بنفسيهما عن النظام الإيراني، على حد تعبيرهما.
وقد بلغ عداء المملكة العربية السعودية وإمارة قطر للرئيس السوري بشار الأسد ونظام حكمه مبلغاً لم يصله من قبل مع رئيس عربي آخر، وكان بديهياً أن يرفضه كل عاقل عربي يحمل قدراً من الهم الوطني والقومي، خاصة بعدما أيدت الثانية العدوان الإجرامي الذي شنته تركيا على شمال سورية في شهر تشرين الأول،أكتوبر من عام 2019، وأغمضت الأولى عينها عنه، وقد سبق للدولتين أن شكلتا في عام 2018 “رأس رمح” في نصرة العدوان الثلاثي الذي شنته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على سورية فجر يوم 14 نيسان/أبريل من ذلك العام، بزعم استعمالها السلاح الكيماوي ضد أبنائها في مدينة “دوما، أهم مدن محافظة دمشق”، برغم افتقارهم لدليل يؤكد مزاعمهم.
ولم تكن دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين بأفضل حال من المملكة العربية السعودية وإمارة قطر بخصوص العدوان الثلاثي، إذ حذتا حذوهما بعد ساعات قليلة من تأييد الأخيرتين له!! ومن المؤكد أن سماح إمارة قطر بانطلاق العدوان من أراضيها، سيظل علامة سوداء حاضرة في المشهد الخليجي بشكل خاص، وفي المشهد العربي بشكل عام.
وما قيل عن المملكة العربية السعودية وإمارة قطر والنظامين الحاكمين فيهما بشأن سورية ورئيسها ونظام الحكم فيها في ظل “الحراك الشعبي” الذي تحول لاحقاً إلى “ربيع عربي” مزعوم، ينسحب بشكل أو بآخر على دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والنظامين الحاكمين فيهما أيضاً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الدور السعودي والقطري في ما حلّ بالدول العربية التي ضربتها هبة “الحراك الشعبي” بالكوارث والقتل والتدمير والتهجير، جاء مبكراً جداً وكان مباشراً و”على رؤوس الأشهاد” و”على عينك يا تاجر”، بينما جاء الدور الإماراتي والبحريني متأخراً نسبياً، و”تحصيل حاصل”، وظل حتى الدوام ملحقاً وتابعاً.
تطرقي لموضوع الخلاف الذي حصل بين الدول الأربع “المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ومصر” من جهة وإمارة قطر من جهة أخرى والذي طفا على سطح الأحداث العربية والدولية بقوة لا يعني في حال من الأحوال انحيازاً من جانبي لطرف ضد الآخر، كما لا يعني أنني تقصدت من ورائه تبرئة إمارة قطر مما نسب إليها وقاد إلى مقاطعتها وفرض الحصار عليها، لأنها إن كانت فعلاً “بريئة” فإن ذلك يحسب لها وهي لن تكون بحاجة لجميل أحد عليها، وإن كانت مذنبة ومدانة فإنه يحسب ضدها وهي تتحمل تبعات ذلك وحدها.
ففي وقت سابق، وتحديداً في الشهرين الأول والثاني من عام 2012، كنت قد تناولت إمارة قطر في ظل حكم “الحمدين آل ثاني، بن خليفة وبن جاسم” في مقالتين مسهبتين، حملت الأولى عنوان: (ليتك يا “ابن خليفة” تتدارك نفسك طالما أنه ينفع الندم !!). وحملت الثانية عنوان: (إلى متى ستظل إمارة قطر “تزأر” في الوطن العربي؟ ما هكذا تورد الإبل يا ابن جاسم!!)، ألقيت فيهما الكاشفات الضوئية على الدور “الجهنمي” للإمارة والحمدين في مسألة الهرولة إلى تل أبيب والتطبيع مع كيان العدو الصهيوني، من خلال فضائية “الجزيرة”، وتشريع الأبواب القطرية على مصراعيها في وجوه المسؤولين في هذا الكيان، وفي كل ما جرى ولم يزل يجري في عدد من الدول العربية منذ اندلاع هبة “الحراك الشعبي”، التي أصبغت عليها تسمية “الربيع العربي” زوراً وبهتاناً في عام 2011، والتي امتطى صهوتها في وقت لاحق إرهابيون محليون وإقليميون ودوليون، وحتى حدوث التغيير الذي شهدته الإمارة في 25 حزيران/يونيو 2013، وذهب بحمد بن خليفة آل ثاني الأب وجاء بابنه تميم.
وقد قيل وكُتب الكثير عن دور إمارة قطر التآمري لتمرير المشروع الأمريكي التصفوي في الوطن العربي بشكل عام وفي فلسطين بشكل خاص، وكان حمد بن جاسم آل ثاني وزير الخارجية آنذاك ومن ثم رئيس الوزراء ووزير الخارجية في ما بعد، أداة التنفيذ الطيعة بيد الولايات المتحدة.
وأتذكر بأن الانتخابات التشريعية الفلسطينية قد جرت في كانون الثاني/يناير من عام 200 بناء لتدخل قطري، وكان بن جاسم آل ثاني الطرف المفاوض مع كيان العدو الصهيوني نيابة عن حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، استجابة لرغبة أمريكية. وفي حينه فازت “حماس” بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي “76 من مجموع 132″، وكما كان متوقعاً وبناء لذات التدخل والرغبة حدث الانقسام الفلسطيني ليبدأ فصل جديد من فصول تصفية المشروع الوطني الفلسطيني. وبموجب ذلك مُنحت سلطة الاحتلال كل ما حلمت به تهويداً واستيطاناً في الضفة الغربية ومدينة القدس، ودخلت القضية الفلسطينية في تيه سياسي هو الأخطر في تاريخها، ربما فاق تصور من رسم مؤامرة التصفية.
وأكد ذلك مدير الاتصال الحكومي القطري سيف بن أحمد آل ثاني في حديث صحفي أدلى به لجريدة “نيويورك تايمز” الأمريكية، وأعادت نشره صحيفة “الشرق” القطرية يوم 28 آب/أغسطس 2017، اعترف فيه بأن أمريكا هي من طلب من إمارة قطر إقناع “حماس” بخوض الانتخابات رغبة منها في الإجهاز على الثورة الفلسطينية ووضع نهاية للعهد “العرفاتي”.
ووفق كشف لاحق لموقع “ميدل إيست فورم” الأمريكي، فإن إمارة قطر قد قامت بتحرك مكثف أملت من ورائه العودة إلى الطاولة بقوة. وبدأ هذا التحرك بعد زيارتين قام بهما الأمير تميم بن حمد آل ثاني لواشنطن في شهري كانون الثاني/يناير ونيسان/أبريل 2018، واجتمع خلالهما مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب. ونقل الموقع الأمريكي، عن مصدر وصفه بالـ”مطلع”، أن الإمارة تسعى للتفاوض مع حركة “حماس”، وإجبارها على قبول “صفقة القرن” الأمريكية. وقال المصدر إن الدوحة وجهت رسالة إلى جايسون جرينبلات، مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص للمنطقة، قضت بتحديد شروط لإجبار الحركة الفلسطينية على العمل ضمن إطار السلطة الفلسطينية، وإظهار نوع من الانفتاح على “إسرائيل” بموجب معايير “الصفقة”. ووفقا لـ”ميدل إيست فورم” أضاف المصدر، أن هذا من شأنه أن يمنح “حماس” نفوذا جديدا وغير مسبوق على السلطة الفلسطينية في رام الله لم تشهده منذ عام 2006، موضحاً أن هذا سيعيد القطريين إلى الطاولة على أنهم وسطاء بنوع ما من المبادرات، كما أن من شأنه أن يشير إلى إدارة ترمب بأن نفوذ الدوحة على غزة حقيقي ويمكن أن يحقق نتائج!!
فدور إمارة قطر، تمحور منذ “انقلاب حمد” على أبيه في 27 حزيران/يونيو 1995، بمساعدة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، حول العمل على تعزيز مكانة الكيان المغتصب للأرض الفلسطينية سياسيا وإعلاميا، وتمرير هذا الدور لكل بيت فلسطيني وعربي، من خلال فضائية “الجزيرة”، التي قدم جوهر رسالتها الإعلامية للحكومة القطرية، رجل الموساد ومدير عام وزارة الخارجية “الإسرائيلية” الأسبق ديفيد كمحي. وهذه شهادة معلومة ومنشورة وموثقة، ويعرفها الإعلام العربي حق المعرفة!!
ولا أظن أن الذاكرة خانت أحداً من المهتمين بالشؤون العربية ومسألة الصراع العربي – الصهيوني، ونسي لحظة رفع علم الكيان الصهيوني في سماء الدوحة، أو غاب عن باله أن حمد بن جاسم آل ثاني هو من “شَرَّعَ” لإمارة قطر علاقاتها مع الكيان الصهيوني، بعد مؤتمر السلام المزعوم الذي انعقد في العاصمة الإسبانية مدريد بين “30 تشرين الأول/أكتوبر والأول من تشرين الثاني/نوفمبر 1991″. وكان أول لقاء قطري – “إسرائيلي” مع رئيس الحكومة “الإسرائيلية” وقتها شمعون بيريز، خلال زيارته لقطر عام 1996. ويومها افتتح بيريز المكتب التجاري “الإسرائيلي” في الدوحة، وتم توقيع اتفاقيات بيع الغاز القطري “لإسرائيل”، ثم إنشاء بورصة الغاز القطرية في تل أبيب. وقد اعترف بن جاسم في تغريدات له على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” بأن علاقته مع “إسرائيل” كانت “مدخلاً للضغط على المملكة العربية السعودية”، عبر ضغط “إسرائيل” على الولايات المتحدة الأمريكية!!
وإمارة قطر استعملت المال لشراء ذمم حكومات ومنظمات وأفراد، واستغلت كل ما يمكنها استغلاله لتمرير المساعدة الأهم للمشروع الأميركي – الصهيوني ضد فلسطين وبلدان عربية أخرى. ورغم اعتراف حمد بن جاسم آل ثاني، مهندس السياسية القطرية “الهدامة” لما بعد “الانقلاب”، بالتعاون مع واشنطن وتل أبيب، في مقابلات متعددة، ومنها الأبرز في تلفزيون “بي بي سي”، بأن دور إمارة قطر جاء لخدمة المشروع الأمريكي، وكل ما كانوا يفعلونه بتنسيق كامل مع الأمريكيين، وبعضه مع الكيان الصهيوني، فإن بعض الأطراف الفلسطينية تعامت، وللأسف، عن الدور القطري المكشوف، وتجاهلت نهج الإمارة التآمري، مقابل “حفنات من الأموال”، كان هدفها على الدوام لصالح كيان العدو الصهيوني، وضد مصلحة شعب فلسطين وقضيته.
السفير القطري محمد العمادي، رئيس اللجنة القطرية لإعمار قطاع غزة، أزاح كل اشكال “النفاق السياسي”، وكشف الحقيقة “العارية” دون أي تلاعب بالألفاظ، ودون بحث عن تبرير للدور الحقيقي لإمارة قطر، تزامنا مع الدور الهدام لفضائية “الجزيرة”، بقوله دون خجل أو وخز ضمير، أنه “مقتنع تماما بأن ما قام به جاء في سياق المهمة القومية، التي كلف بها”، وباعترافه أنه زار الكيان الصهيوني 20 مرة منذ عام 2014، “وكانت الزيارات سرية في السابق، لكنها لم تعد على هذا النحو الآن”.
واعترف العمادي، في مقابلة أجراها معه الإعلام الصهيوني أثناء زيارة قام بها للكيان الصهيوني، بأن إمارة قطر “استجابت لطلبات إسرائيلية وأمريكية وتوقفت عن استضافة صالح العاروري نائب زعيم حماس”. وأضاف أن “كل قرش من الأموال القطرية تحصل عليه غزة تجري مراقبته لضمان إنفاقه على الاحتياجات الإنسانية. ونحن نبلغ واشنطن بالمعلومات الصحيحة بشأن ما نقوم به، وهؤلاء الناس – الأمريكيون – معنا. وإن صورة قطر تحسنت لأنه عندما نخبرهم بما يجري على الأرض وما نقوم به هناك، يكون ذلك عملاً جيداً”. وكشف الصحافي “الإسرائيلي” أيهود يعاري النقاب عن أن السفير العمادي كان يطلع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على الرسائل التي كان ينقلها، بين حركة “حماس” والحكومة “الإسرائيلية”.
ومما لا شك فيه أن رسائل زيارات العمادي المتكررة للكيان الصهيوني وقطاع غزة والضفة الغربية، قالت بوضوح أنه “لا يمكن لأي مزور مهما برع في التزوير أن يقوم بتجميل ما زوره. وقالت أيضاً جملة من الأشياء لا يمكن تجاهلها، أبرزها:
أولاً – أن إمارة قطر لا تدعم قطاع غزة حباً بحركة “حماس” وأهل قطاع غزة، بل حباً بالكيان الصهيوني، ومن أجل حماية أمنه!!
ثانياً – أن إمارة قطر كانت السباقة إلى الاعتراف بمدينة القدس الغربية “عاصة للكيان”، بدليل أن رجل الأعمال القطري محمد العمادي أجرى جميع محادثاته مع الوزراء والمسؤولين الصهاينة في مكاتبهم داخل القدس الغربية، بدل تل أبيب!!
ثالثاً – أن إمارة قطر طردت نائب رئيس حركة “حماس” صالح العاروري لأن تل أبيب طلبت منها ذلك، بصفته “إرهابي”، ومصر استقبلته بالترحاب، بصفته مقاوم!!
رابعاً – أن إمارة قطر لا تقوم بأي خطوة صغيرة أو كبيرة في الساحة الفلسطينية دون تنسيق كامل مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وكل قرش تصرفه في الأراضي الفلسطينية المحتلة وبالذات في قطاع غزة، يكون بعلمهما وموافقتهما، وغالبا ما يكون بأوامر منهما أو من أحدهما!!
خامساً – أن إمارة قطر تعمل لصالح الكيان الصهيوني، وليس لصالح حركة “حماس” أو غيرها من الفصائل الفلسطينية الإسلامية والوطنية!!
تلك هي خلاصة رسائل زيارة مندوب إمارة قطر لكل من الكيان الصهيوني والضفة الغربية وقطاع غزة، ولا نعتقد أن أياً منها يحتاج لشرح أو إيضاح أو تفصيل، فكلها ناطقة بوضوح تام وجلي، وكلها تقول أن دور الإمارة الخليجية “العربية” ينطلق من “المصلحة الأمنية للكيان الصهيوني المصطنع في تل أبيب، ولا مصلحة أخرى لغيره!!
وفي مقالة للوزير الفلسطيني السابق ورئيس تحرير موقع “أمد للإعلام” السيد حسن عصفور نشرها في 20 شباط/فبراير 2018، تحت عنوان “رسالة غزية “سلبية” غاضبة الى قطر وغيرها!” تطرق لما أسماه الدور التدميري الذي لعبته إمارة قطر داخل الوطن العربي ولم تزل تلعبه خدمة للكيان الصهيوني، بتوجيهات مباشرة من الإدارات المتعاقبة في الولايات المتحدة، بدءاً بانقلاب الابن على أبيه ووصول الحمدين بن ثاني وبن جاسم إلى السلطة في الدوحة عام 1995، والذي تجلى في التآمر على العراق أثناء غزوه واحتلاله عام 2003، ووصل ذروته مع “الربيع العربي” المزعوم، الذي بدأ في مطلع عام 2011، ولم يزل يضرب العديد من البلدان العربية. قال عصفور ما حرفيته:
(لسنا بحاجة للبحث كثيرا لمعرفة دور قطر الخطير جدا في “الكارثة السياسية”، التي وصلت إليها القضية الفلسطينية، منذ أن بدأت تلعب داخل المشهد الفلسطيني، تنفيذا لأوامر أمريكية وتفاهم كامل مع حكام دولة الكيان الصهيوني، خاصة منذ انتخاب محمود عباس رئيسا للسلطة الفلسطينية، بعد اغتيال الخالد ياسر عرفات، لحسابات يعرفها كل أبناء الشعب الفلسطيني.
ولا يمكن أبدا تجاهل دور قطر وحكامها، وخاصة رئيس وزرائها السابق حمد بن جاسم في ترتيب المسرح لإنتاج أحد أكثر المصائب السياسية منذ اغتصاب الوطن عام 1948، ما يعرف بـ “كارثة الانقلاب – الانقسام”، والتي لا تزال قائمة حتى الساعة، والتي كانت نتائجها “تدمير الشرعية الوطنية الفلسطينية”، وتقاسمها بين طرفي الانقسام، كل لحساباته الخاصة، على حساب القضية الوطنية.
ولا يمكن التغافل عن ما تقوم به قطر المعاصرة، التي تم إحداث الانقلاب فيها عام 1995 كجزء من ترتيبات أمريكية – “إسرائيلية” لشن العدوان السياسي التدميري على المنطقة العربية، فكانت الممول الأكبر لكل عمليات “التدمير السياسي” التي بدأت في المنطقة منذ عام 2003، حيث غزو واحتلال أمريكا للعراق..مع دول عربية أخرى.
وما زالت قطر، تمارس دوراً “تنفيذياً” للمخطط الأمريكي الجديد، وهو ما كشفه موقع المونيتور الإخباري – أمريكي – عن طلب الرئيس دونالد ترمب هاتفيا من أمير قطر تميم – الانقلاب الثاني – التنسيق مع دولة الكيان الصهيوني للعمل على “تقديم المساعدة الانسانية لقطاع غزة”. رسالة سياسية تكشف تجاهل أي ممثل فلسطيني، وأن آلية التنفيذ لتقديم “خدمة الفصل السياسي” لقطاع غزة عبر قطر و”اسرائيل”، موقف قمة “الوقاحة السياسية” وقبول قطر به قمة الانحطاط السياسي.
وسريعا وصل المندوب السامي القطري – مندوب سامي عند طرفي الانقسام عبر المال – الى قطاع غزة، معتقدا ان سكانه الذي يعيشون ضمن “كارثة إنسانية”، بفضل الحصار المتفق عليه بين أطراف عدة، ومنها من يدعي تمثيله “وطنياً”، سيزحفون راكعين ساجدين له ولأميره على ذات النمط المعيب الذي ساد سنوات تحت يافطة “شكراً قطر”، شكر لمن شكل رأس حربة في تدمير الوحدة الداخلية الفلسطينية، وتمرير المشروع الأمريكي – “الإسرائيلي” لضرب جوهر القضية الوطنية، عبر إنجاح الانقسام الداخلي..اشترت الشكر من طرفي الانقسام بالمال على حساب المبدأ الوطني.
لكن المفاجأة السياسية الكبرى، والتي لم تكن متوقعة أبدا من أي طرف، ما حدث من عمال غزيين التقاهم “المندوب السامي القطري”، رد فعل خارج كل الحسابات، غضب وتمرد على التقليد الشعبي، وكسراً لكل محاولات “التزييف السياسي” التي حاولوا تصدريها للدور القطري..كسر عمال النظافة في غزة ما لم يكن محسوباً، هتفوا شتموا قالوا كلاماً كان يجب أن يسمعه شاكر العمادي والمستفيد من العمادي، رسالة غضب عارمة، كان لها أن تصبح “”درساً سياسياً” من طراز رفيع، لو أنها اقتصرت على البعد الاحتجاجي السياسي الواضح.
لكن تلك الرسالة خرجت عن “النص” عندما أقدمت مجموعة من الغاضبين “الجوعى”، ودوماً نكرر أن “الجوع كافر”، بقذف “المندوب السامي القطري”، بالأحذية، مشهد أثار “فوضى” للحرس قبل السفير، فعل خارج التوقع والتقدير، فكان المشهد الذي لن يمحى من ذاكرة العمادي شخصياً، وبالقطع لن يمحى من ذاكرة أميره، الذي توهم أن “اليافطة المرفوعة قهراً” في شوارع غزة له ولبلده هي “حق سياسي”، لكنه اكتشف الحق، وإن كان بفعل “سلبي”.
ربما يثير ذلك المشهد، ذكريات البعض لمشهد مماثل في آذار/مارس 2003 عندما قام بعض شبان فلسطين برمي أحذية على من رأوا به “متآمراً” على الخالد “ياسر عرفات”، وربما يفرح البعض هذا السلوك الغاضب، لكن المسألة لها بعد “سلبي”، التعبير بهذا السلوك، كان لفعل الغضب أن يكون أكثر “قيمة واثراً ودرساً سياسياً” لكل من يحاول “استغلال الحصار” لفرض معادلة التركيع السياسي على أهل القطاع.
كانت فرصة لتلقين مستغلي “جوع” الإنسان لسلبه كرامته درساً في عمق الانتماء الوطني، وأن الحصار والجوع مهما بلغا لن يتمكنا من فرض “النذالة السياسية” التي يحاولون فرضها كل بطريقته.
كان الرد الغاضب أبلغ كثيراً بكل السبل، باستثناء الشكل الذي سرق “الموقف الحقيقي”. لكن ما حدث كان أيضاً رسالة رغم عدم قبولها، فهي مؤشر يدلل على إن فكر البعض السياسي في “تخدير” سكان القطاع..هو “إثم سياسي” لا أكثر.
نعم كانت رسالة سلبية، وكانت أيضا رسالة تحذير جاءت لتنذر بالكثير الذي يمكن تلخيصه بالتالي: لا تراهنوا على الكذب والتضليل..ألواحكم مكشوفة فليس بالزور السياسي تربحون!!).
وفي ما يختص بعلاقة إمارة قطر بما هو حاصلٌ في سورية، لم يعد خافياً أن الدوحة اتخذت موقفا معارضا، بل معادياً، للرئيس السوري بشار الأسد ونظامه وقامت بدعم عدد من “فصائل المعارضة السورية”، منذ تفجر الأزمة فيها في آذار/مارس من العام 2011. وإلى جانب اعتراف المسؤولين القطريين بذلك وفي مقدمهم رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق حمد بن جاسم آل ثاني نفسه في أكثر من مقابلة أجريت معه على الفضائيات القطرية والعربية والغربية، فقد “كفَّتْ” وسائل الإعلام العربية والأجنبية و”وفَّتْ” ونشرت “ما يكفي ويزيد” حول هذه المسألة. ولربما أن صحيفة “الأيام” البحرينية كانت من بين هذه الوسائل بنشرها دراسة شاملة ووافية لدور بن جاسم آل ثاني في “الربيع العربي” المزعوم، وتورطه في ما أسمته “الإرهاب الرسمي” عندما كان رئيساً للوزراء ووزيراً للخارجية وشريكاً لأمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني في الحكم.
وقد أكد السفير الروسي السابق لدى إمارة قطر، فلاديمير تيتورينكو ذلك، تورط الإمارة في ما سمى اعتباطاً “ثورات الربيع العربي”، حين كشف النقاب عن محاولة “قطر العظمى”، حسب تعبيره، تغيير الموقف الروسي مما جري في المنطقة بأسلوب قلما استعمل في الأعراف الديبلوماسية. وقال تيتورينكو، فى حلقة من برنامج “رحلة في الذاكرة” على قناة “روسيا اليوم” بُثت في أواخر شهر نيسان/أبريل 2018، أن حمد بن جاسم آل ثاني، رئيس الوزراء القطري فى ذلك الوقت، أكد له مشاركة الدوحة في إسقاط نظام العقيد الليبي معمر القذافي، متابعاً: “أخبرني حمد بن جاسم أنهم أرسلوا إلى ليبيا 6 طائرات حربية، لكنه لم يخبرني بالوحدات الخاصة التي أرسلوها، ونفى مشاركة الطيارين القطريين في قصف ليبيا لأن القوات القطرية صغيرة وأي خسائر ستكون ملحوظة”.
وأشار تيتورينكو، إلى أن “قطر كانت المشارك الأكثر نشاطاً في إسقاط النظام الليبي، لأن القطريين كانوا يأملون في الوصول لموارد النفط والغاز الليبية”، مؤكداً أن “قطر كانت تأمل بعد الإطاحة بالـنظام المصري الذي كان قائماً في عام 2011، في التحكم بالعالم العربي عن طريق مصر، وأن حمد بن جاسم اعترف أيضا بمشاركة قطر عمليا فى الإطاحة بالأنظمة العربية عبر تمويل وإعداد الإرهابيين”. وأضاف: “ذكر بن جاسم، في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، أنهم أنفقوا 137 مليون دولار على أمراء الجماعات المسلحة منذ بداية الحرب فى سورية!!”. وأوضح أن: “بن جاسم أكد أيضا بمنتهى الصراحة أن قطر لعبت دوراً كبيراً في تدمير سورية واليمن ومصر، بتوجيه من أمريكا”، لافتاً إلى أن “قطر تعاملت بوقاحة مع روسيا”!!
هذا وأكد ذلك سياسيون وإعلاميون ودبلوماسيون كثر في الوطن العربي ودول الشرق والغرب، كان من بينهم رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي اكبر صالحي الذي كشف النقاب في تصريحات أطلقها عن أن أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني أبلغ القادة الإيرانيين في بداية الأزمة بأن “النظام السوري سينهار قريبا”. وأضاف صالحي في حوار أجرته معه صحيفة “مشرق” الإيرانية أن الأمير القطري السابق زار طهران عدة مرات ونصح الإيرانيين بأن يقطعوا صلتهم بالنظام السوري، “لتكون لهم في النظام الجديد مكانة مناسبة لدى المسؤولين فيه”!!
وزيادة في التدليل على الدور الخطير والمباشر لإمارة قطر في ما سمي “الربيع العربي” المزعوم، يمكن الإشارة إلى التسجيل الصوتي الذي أذاعه التلفزيون البحريني الرسمي، وكشف فيه عن اتصال هاتفي جرى بين رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني ورئيس “جمعية الوفاق” البحرينية المعارض علي سلمان، وأكد ضلوع إمارة قطر فى زعزعة الاستقرار الذى حلّ بعدد من الدول العربية خلال السنوات الأخيرة، وفي مقدمها سورية بالطبع، وسعي الإمارة الحثيث لقلب نظام الحكم فى مملكة البحرين وزعزعة استقرار الأمن فيها، على حد ما أورده التلفزيون البحريني الرسمي.
ويمكن الإشارة إلى ما أوردته “اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان” في ليبيا، حول تورط كل من إمارة قطر وفرنسا في جريمة قتل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي ونجله المعتصم بعد أسرهما حيّين في تشرين الأول/أكتوبر من العام 2011 من قبل القوات التابعة للمجلس الانتقالي السابق. فقد كشف بيان اللجنة الذي بثته وكالة الأنباء الليبية “وال” عن توفر معلومات أشرت إلى وقوف أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس فرنسا الأسبق نيكولاي ساركوزي وراء جريمة القتل، وإعطائهما أوامر مباشرة لقواتهما للإجهاز عليه، أولاً، لإخفاء معلومات خطيرة كانت بحوزته عن الدور التخريبي لإمارة قطر ودعمها لتنظيمات إرهابية ومتطرفة في النيجر وتشاد وأفغانستان والصومال ومحاولاتها إثارة الفوضى ودعم قوى المعارضة في سورية واليمن والمملكة العربية السعودية والبحرين، وثانياً، لإخفاء معلومات وأسرار كانت بحوزته أيضاً حول الدعم المالي لساركوزي في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وكذلك الصراع الاستثماري والاقتصادي في القارة الإفريقية.
كما يمكن الإشارة إلى تصريحات لؤلؤة الخاطر، المتحدثة باسم وزارة الخارجية القطرية، التي أدلت بها لوكالة الأنباء القطرية في 22 كانون الثاني/يناير 2017 بخصوص العملية العسكرية العدوانية التي شنتها تركيا ضد “عفرين” السورية تحت مسمى “غصن الزيتون” وأدت في ما بعد إلى احتلالها. ففي تلك التصريحات بررت إمارة قطر العملية بالقول أنها جاءت “مدفوعة بمخاوف مشروعة متعلقة بأمنها الوطني وتأمين حدودها”، مؤكدة دعمها لما أسمته “جهود أنقرة في الحفاظ على أمنها الوطني، وذلك إثر تعرض الأراضي التركية لاختراقات وهجمات إرهابية متعددة”!!
ويمكن الإشارة أيضاً إلى ما قاله الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتى في تغريدة له عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، في شهر آذار/مارس 2018. في تلك التغريدة ادعى قرقاش أن إمارة قطر “مولت بما يتراوح بين 700 مليون دولار ومليار دولار مجموعات إرهابية، لافتا إلى أنها لا يمكن أن تنفى ذلك فى ضوء تراكم الأدلة والقرائن!!
أردت من خلال تطرقي لهذا الموضوع والإحاطة به بكثير من التفاصيل طرح تساؤل، أحاول البحث عن إجابة له، سعياً لتبيان الحقيقة إن استطعت إليها سبيلاً، ليس إلا. والتساؤل على ما أعتقد هو أمر مشروع، ويكفله القانون وجميع الأعراف، خاصة وأنني أعيش في بلد يقدس الديمقراطية ويمارسها على الدوام ويحترم الحريات والرأي الآخر، ولا غرابة في الأمر بالنسبة لهذا البلد إن علا سقف اختلاف الرأي بين أبنائه أو المقيمين فيه، باعتبار أن “اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية”.
تساؤلي هو التالي:
هل الدول الأربع “المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ومصر”، التي قطعت علاقاتها مع إمارة قطر في 5 حزيران/يونيو 2017، ومارست عليها حصاراً متعدد الوجوه والأشكال بدعوى دعمها للإرهاب، “الأمر الذي نفته الدوحة بشدة!!”، وهو بالطبع حصار غير مسوغ ولا مبرر له وأقل ما يمكن أن يوصف به أنه وجه مقنع من وجوه إرهاب الدولة الذي عادة ما تمارسه دول كبرى وقوية ضد دول صغرى وضعيفة، لأنه لا يلحق الأذى بحكام الإمارة ونظامها بقدر ما يلحقه بشعبها والمقيمين فوق أراضيها، أفضل حالاً من إمارة قطر في ما نسبته إليها وقاطعتها من أجله وعاقبتها على أساسه؟
لو سلمنا جدلاً أن إمارة قطر دعمت الإرهاب ومولته بطرق مباشرة وغير مباشرة، وروجت له عبر فضائية “الجزيرة” وفضائيات أخرى تملكها أو تدعمها، وأنا بالطبع لست بصدد تنزيهها وتبرئتها مما نسب إليها وقوطعت من أجله وعوقبت على أساسه، وقد سبق لي أن أشرت إلى ذلك بإسهاب ودللت عليه بالأمثلة والشواهد الكثيرة، فماذا عن الدول الأربع في المقلب الآخر، التي حرضت القاصي والداني في العالم ضدها وأغلقت حدودها في وجوه مواطنيها وفرضت عليهم كل هذا الحصار المحكم، وهددت بالويل والثبور وعظائم الأمور كل من يدعم القيادة القطرية وسياستها الخارجية في الأزمة الخليجية القائمة؟
ترى هل هذه الدول منزهة وبريئة ولا شبهة عليها ولا دور أو علاقة لها البتة بالإرهاب الإجرامي الذي ضرب ولم يزل يضرب عدداً من الدول العربية تحت مسميي “الدمقرطة” و”الربيع العربي” الكاذب؟
وهل يا ترى هي أشرف من إمارة قطر في التعامل مع الشقيقات العربيات الأخريات، وأكثر وفاءً منها لهم؟
وهل تختلف عنها في ما يتعلق بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، وإن مواقفها من التطبيع تحسب لها لا عليها في حين مواقف إمارة قطر تحسب عليها؟
وأليست هي الأخرى غارقة في التطبيع من “قمة الرأس حتى أخمص القدمين” تماماً مثل إمارة قطر، بل أكثر منها بألف مرة، وأن كلا الطرفين في “لوثة التطبيع والهرولة إلى تل أبيب واحد”!!
فيما يتعلق بمصر، فبرغم ما ترتبط به من معاهدات “سلام” مع الكيان الصهيوني، إلا أن معظم المراقبين يلتقون عند حقيقة مفادها أن مصر هي أبعد ما تكون عن دعم الإرهاب وتمويله والترويج له عبر منابرها الإعلامية. وهي بالتأكيد فوق مستوى الشبهات فيما يتعلق بلوثات هذه الآفة الإجرامية المدمرة وقذاراتها، ولا علاقة لها بها لا من قريب ولا من بعيد إلا في ما أصابها ويصيبها من ضررها ومخاطرها وتداعياتها على جميع المستويات، وفي أماكن مختلفة من الأراضي المصرية، وبالأخص في شبه جزيرة سيناء.
لكن هذه الحقيقة لا تبرئ ولا تعفي النظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي من “شبهة” التمترس وراء هذا الإرهاب لدعم وتأييد الأطراف الثلاثة الأخرى في التحالف الرباعي “المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين” ضد إمارة قطر وفي حربهم الظالمة ضد اليمن، والمضي في ضرب خصومه ومناوئيه السياسيين، وضرب كل من يجرؤ على توجيه النقد أو اللوم له أو مواجهته بكلمة “لا”!!
وعندما يتعلق الأمر بالمملكة العربية السعودية، تتدافع الأسئلة والتساؤلات وعلامات الاستفهام على عجل وبشكل محموم طلباً لإجابات وتوضيحات ضرورية وملحة، ترافقها “من باب التمني” رغبة خالصة بأن تكون هذه الإجابات والتوضيحات إيجابية لا سلبية، لتبرئتها لا لإدانتها!!
ماذا عن دورها في كل ما حلّ بدول عربية، مثل سورية والعراق واليمن وليبيا، من كوارث وضعتها هي وشعوبها ومستقبلهما على حافة الهاوية، تحت يافطة “الربيع العربي” المزعوم؟
وهل هي حقاً “بريئة” من الدماء التي سفكت وسفحت في هذه الدول وغيرها من الدول العربية الأخرى، كما يزعم المسؤولون السعوديون عندما يكيلون بمكيالين متعارضين ويعرضون الأمور بوجهين متناقضين؟
وألم تتصدر المملكة العربية السعودية قائمة الدول التي رعت ودعمت ومولت وحرضت وروجت للإرهاب الذي ضرب هذه الدول ولم يزل يضربها بلا رحمة ولا هوادة حتى الآن؟
وألم تتصدر قائمة الدول التي تولت مهمة استيراد الإرهابيين من أماكن نفوذها في العالم الإسلامي، وحيث لها تأثير على المسلمين في دول غير إسلامية؟
وألم تشارك بشكل أو آخر في عملية تصدير هؤلاء الإرهابيين إلى هذه الدول التي تضربها “الفوضى الأمريكية الخلاقة”عبر البوابات الشرعية وغير الشرعية لدول عربية شقيقة مثل الأردن ولبنان وإقليمية حليفة لها مثل تركيا لإحداث “التغيير المنشود” في هذه الدول وفرض “الديمقراطية الغربية” فيها، وهي وللأسف ديمقراطية لم تعد متوفرة في الغرب نفسه!!
وألم يجاهر المسؤولون السعوديون وفي مقدمهم ولي العهد محمد بن سلمان ووزير الخارجية عادل الجبير بذلك من خلال مطالباتهم المتكررة بتغيير الرئيس بشار الأسد ونظامه، ومن خلال توجيههم “المعارضة السورية” المزعومة والمحسوبة على الرياض عبر جهاز التحكم الآلي عن بعد في مناسبات كثيرة للحيلولة دون توصل السوريين إلى تسوية سياسية تضع حداً للجحيم الذي يعصف بسورية للعام السابع على التوالي، والذي يتهدد وحدتها ووحدة شعبها حاضراً ومستقبلاً!!
وحتى عندما تجرأ الجبير وقال للمعارضة السورية التي تتبناها بلاده، في سياق تصريحات صحفية نقلتها عنه فضائية “روسيا اليوم” ووسائل إعلام أخرى، أن الرئيس السوري بشار “الأسد باقٍ” وطلب منهم “البحث عن رؤية أخرى للحل”، انبرت الحكومة السعودية برئاسة ولي العهد محمد بن سلمان لتنفي ذلك، وتعيد التأكيد على الموقف السعودي الرسمي “الثابت من الأزمة السورية، وعلى الحل القائم على مبادئ إعلان “جنيف1″ وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي ينص على تشكيل هيئة انتقالية للحكم تتولى إدارة شؤون البلاد، وصياغة دستور جديد لسورية، والتحضير للانتخابات، لصياغة مستقبلٍ جديد لسورية لا مكان فيه للأسد”!!
عندما يقر النظام السعودي ويعترف أنه لا مانع عنده من إعطاء فلسطين “للمساكين اليهود أو غيرهم”، كما جاء في وثيقة “السلطان” عبد العزيز آل سعود التي كان قد وجهها للحكومة البريطانية عبر المندوب البريطاني السير برسي كوكس، والتي أعلن فيها ولاءه لبريطانيا “حتى تصبح الساعة”، وعندما يطلب ابنه الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود من الرئيس الأمريكي ليندون جونسون “توجيه ضربة لمصر وتأديب سورية وإنشاء دولة كردية في العراق” وفق وثيقة سُربت من قصر فيصل إلى أحد الزعماء العرب، وعندما يجاهر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وسعوديون آخرون بتاييدهم لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الخاص باعتبار مدينة القدس الفلسطينية المحتلة “عاصمة لإسرائيل” ويمارسون الضغوط تلو الضغوط على السلطة الفلسطينية “للتسليم بذلك”، ماذا يتبقى للملكة العربية السعودية من العروبة والوطن العربي والانتماء العربي، وحتى الإسلامي!!
وعندما يفتقر النظام السعودي إلى الديمقراطية في جميع مناحي الحياة السياسية وغير السياسية في دولته ولا يحترم أبسط حقوق الانسان ويحجب عن مواطنيه حقوق المواطنة ولا يساوي بينهم في الحقوق والواجبات ويحرض على العنف والقتل والارهاب في دول أخرى ولا يتوانى عن قتل مواطن من مواطنيه في قنصلية من قنصليات بلاده لمجرد مخالفته الرأي “قتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في مدينة اسطنبول التركية في 2 تشرين الأول/أكتوبر 2018″، لا يحق له أن يُنَظِرَّ للديمقراطية ويسعى إلى تطبيقها في هذه الدول، بمنطق القوة والبترو دولار وسياسة “العصى والجزرة” والاستقواء بالأجنبي.
وعندما يعتبر هذا النظام جرائم العصابات الطائفية الارهابية في دولة مثل سورية مساع “محمودةً ومشكورةً” لإجراء الإصلاحات وإرساء دعائم الديمقراطية فيها، ويقدم لهذه العصابات كل اشكال الدعم المادي والتسليحي والسياسي والإعلامي، لا يحق له التحدث عن الديمقراطية أو التفوه بها لفظياً، لأن منطق الأمور يقول “أن فاقد الشيء لا يعطيه”.
لن أطيل الحديث عن المملكة العربية السعودية ونظام الحكم فيها ولن “أشتري وأبيع”، لأن الأمور باتت مكشوفة للقاصي والداني، ولأنني سأسأل وأتساءل عن ما تشهده مملكة البحرين من “عدالة، ومساواة، وتقديس للحريات، حولتها إلى مضرب مثل يحتذى به حتى في الديمقراطيات العالمية”!!
ألم تشرع البحرين أبوابها “سداحاً مداحاً” في وجه الصهاينة وتطبع معهم على جميع المستويات علناً وجهاراً وتقيم معهم علاقات دبلوماسية وسياسية دون اعتبار لحسيب أو رقيب، وتمارس بدورها “الديمقراطية” بحق شعبها دون تمييز أو محاباة وبشكل “أدهش” العالم و”أذهل” القاصي والداني، وكان كل “الفضل” في ذلك للمملكة العربية السعودية التي “حرصت ولم تزل تحرص على إرساء دعائم الديمقراطية والاستقرار فيها”!!
أما عن دولة الإمارات العربية المتحدة “العظمى” فحدث ولا حرج!! فهذه الدولة “العظمى” قطعت شوطاً متقدماً جداً وعلى جميع المستويات في التطبيع مع الصهاينة، بلغ حد الاعتراف وتبادل الزيارات وفتح المساجد على مصراعيها في وجوههم والسماح لهم بتدنيسها، وفتح كل الإمارات بطولها وعرضها “سداحاً مداحاً” لعربدتهم وقذارتهم. ولن ننسى أن ممارسة الإمارات “للديمقراطية” مع شعبها ومع المقيمين فوق أراضيها ومع الدول التي تتعامل معها، خولتها حق التدخل في كل كبيرة وصغيرة من شؤؤن هذه الدول على المستويين الإقليمي والدولي، وعلى المستوى الخليجي الذي تدور في فلكه طبعاً. والشواهد على هذا الأمر كثيرة جداً وغطت الوطن العربي برمته، وتجاوزته لتصل إلى دول وكيانات إقليمية مثل إيران وتركيا وكيان العدو الصهيوني!! ولا أرى داعٍياً للإسهاب كثيراً لأن “الحِدِقْ يفهم” و”خير الكلام ما قل ودل”!!
عندما يتوفر مثل هذا التشابه بين ثلاثة من الدول الأربع المقاطِعَة – أُنَحّي مصر جانباً – وإمارة قطر التي قوطعت، تكون خلاصة الاستنتاج أنه ليس صحيحاً أن المشكلة بين الطرفين تمركزت في تبني الإمارة للجماعات الإرهابية وتقديم الدعم المالي والعسكري والإعلامي والأيديولوجي لهذه الجماعات والمطالب الثلاثة عشرة التي رُفعت من قبل الدول الأربع إليها، وأن المشكلة الحقيقية أبعد من كل ذلك بكثير وأقدم وأعمق من كل ذلك بكثير. فهي تعود بجذورها إلى الخلافات القديمة والمزمنة بين المملكة العربية السعودية وإمارة قطر، والتي كانت تتأزم أحياناً فتأخذ طريقها إلى المنابر الإعلامية وتهدأ أحياناً أخرى فتتوارى عن هذه المنابر.
وعلى غير كل ما سبق، انتصرت مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين هذه المرة للأولى ضد الثانية بسبب التقاء المصالح في ما بينهم. فالخلاف السعودي – القطري يعود إلى تاريخ إطاحة الأمير القطري السابق حمد آل ثاني بوالده الأمير السادس خليفة آل ثاني في 27 حزيران/يونيو 1995 وعدم رضا السعودية عن ذلك، الأمر الذي دفع إمارة قطر إلى المجاهرة بعدم التسليم بزعامة المملكة العربية السعودية لمجلس التعاون الخليجي، وعدم الاعتراف بها “كأخ أكبر” في أسرة المجلس، ربما عن تعمد وإصرار أو من باب “النكاية”.
ووفق رؤية المهتمين بالشأن الخليجي فإن الخلاف بين “الشقيقتين اللدودتين” في مجلس التعاون الخليجي هو خلاف قديم ومزمن، ويعود لسببين “جوهريين”، الأول يتمثل بالخلاف بين مشروعين إسلاميين تتبنى كل من المملكة العربية السعودية وإمارة قطر واحداً منهما، وتسعى لتغليبه على المشروع الآخر، والثاني يتمثل بالتصادم في تقييم كل من المملكة العربية السعودية وإمارة قطر للعلاقات مع الجارة إيران.
فالمملكة العربية السعودية كما هو معروف هي صاحبة مشروع إسلامي خاص بها، كان أساس الحلف الإسلامي في مواجهة حركة التحرر الوطني العربي التي مثلت عنوان حقبتي خمسينات وستينات القرن الماضي في الوطن العربي بقيادة الزعيم التاريخي الراحل جمال عبد الناصر. هذا إلى جانب أن المملكة ترى نفسها مؤهّلة أكثر بكثير من إمارة قطر، لتزعّم المشاريع الإسلامية لاعتبارين رئيسيين. فهي من ناحية أكبر عددياً ومساحة، ومن ناحية أخرى تحتضن الأماكن الإسلامية المقدسة مثل الكعبة المشرّفة والمدينة المنورة، وهما ميزتان لا تتوفران للثانية. أما إمارة قطر فتتبنى المشروع الإسلامي المضاد الذي تتزعمه جماعة الإخوان المسلمين. وهي على ضوء وصول “حزب العدالة والتنمية” بزعامة رجب طيب أردوغان إلى سدة الحكم في تركيا، وتنامي نفوذ الجماعة في بعض الدول العربية، باتت تعتقد بأنّ لديها نفوذاً سياسياً وجماهيرياً يفوق ما لدى المملكة العربية السعودية، وأن الزعامة الإسلامية من حقها!!
وفي حين عارضت المملكة العربية السعودية بشدة تنامي العلاقات بين إمارة قطر وإيران، من منطلق اعتقادها أن هذا التنامي ما جاء إلا على حساب دول مجلس التعاون الخليجي ومصالحها المشتركة، حرصت إمارة قطر على تطوير المصالح المشتركة في ما بينها وبين إيران، من منطلق اعتقادها بأنّ سياسة العداء المطلق لإيران ليست ذات جدوى فعلية، وهي تستنزف طاقات دول منطقة الخليج، وتتحوّل إلى خطر يهدّد أمنها ووجودها!!
صحيح أن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز استقبل في أواخر عام 2017، نائب قائد القوات القطرية الجنرال التركي طيب أورال أوغلو في مقر إقامته الصيفي في مدينة “طنجة” المغربية استناداً لصحيفتي “لي 360″ المغربية و”سبوتنيك” الروسية الإلكترونيتين، موفداً من أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني.
وصحيح أن الملك استجاب قبل ذلك من ذات العام، لوساطة الشيخ القطري عبدالله بن علي بن عبدالله بن جاسم آل ثاني، وأمر بدخول الحجاج القطريين إلى المملكة عبر منفذ “سلوى” الحدودي لأداء مناسك الحج، وسمح لجميع القطريين الذين يرغبون في الدخول لأداء مناسك الحج، من دون التصاريح الإلكترونية.
وصحيح كذلك أن الملك السعودي أمر بإرسال طائرات خاصة في ذات التاريخ، تابعة للخطوط الجوية السعودية إلى مطار الدوحة لنقل الحجاج القطريين على نفقته الخاصة لمدينة جدة واستضافتهم ضمن “برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة”، إكراماً للشيخ عبدالله.
لكن الصحيح أيضاً أن استقبال الملك سلمان بن عبد العزيز للجنرال التركي، لم يحدث خرقاً في الأزمة الخليجية، كما لم تخرج المبادرة السعودية بشأن الحجاج القطريين عن سياقها الظرفي، الذي استدعته فريضة الحج، أضف إلى ذلك انه تعذر على الخطوط السعودية جدولة رحلاتها لنقل الحجاج القطريين من مطار “حمد” الدولي بالدوحة لعدم منح السلطات القطرية التصريح للطائرات السعودية بالهبوط، مما عنى أن الانسداد في الأفق بقي قائماً، ولم يستجد ما يؤشر إلى توقع تراجع أو تغيير إيجابي في الموقف السعودي تجاه إمارة قطر في ما يختص بأزمتها مع المملكة من جهة أولى، ومع الدول الأربع المقاطعة لها بمن فيهم المملكة من جهة ثانية.
وموافقة المملكة العربية السعودية على إنشاء غرفة عمليات خاصة بطاقم سعودي كُلف بالإشراف عليه الشيخ القطري عبدالله بن علي بن عبدالله في حينه، لمتابعة شؤون القطريين في المملكة العربية السعودية، أكد ما ذهبت إليه في حديثي، لآن ما فهم من الأمر هو أن المملكة أرادت من ذلك إيصال رسالة واضحة وصريحة إلى المواطنين القطريين مفادها أنها لا تستهدفهم في جملة الإجراءات الناجمة عن قطع العلاقات مع الدوحة، ويفهم منها أيضاً أن المملكة سحبت الثقة من أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني في تعاملها بشكل نهائي، ومنحتها للشيخ عبد الله عوضاً عنه.
والشيخ عبدالله بن علي بن عبدالله، هو أحد كبار الأسرة الحاكمة في إمارة قطر. فجده الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني كان ثالث حكام قطر، ووالده الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني كان رابعهم، وشقيقه الشيخ أحمد بن علي آل ثاني كان خامسهم. والشيخ عبدالله بن علي ينتمي إلى الفرع الأكثر أحقية في الحكم في عائلة آل ثاني، ذلك أنّه الابن التاسع لحاكم قطر الراحل علي بن عبدالله وحفيد حاكم قطر عبدالله بن جاسم آل ثاني. إلى ذلك، إن الشيخ عبدالله هو أخ الشيخ أحمد بن علي الذي أطاح به ابن عمّه خليفة بن حمد آل ثاني، جدّ الأمير تميم، في العام 1972، الذي ما لبث أن انقلب عليه ابنه حمد في العام 1995 إثر تحالف قام بينه وبين الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني.
يوم دخلت “أزمة الخليج” شهرها التاسع مع مطلع شهر آذار/مارس 2018، وكانت إمارة قطر قد عانت ما عانته من العزلة التي فرضتها عليها دول المقاطعة الأربع “المناهضة للإرهاب” مصر والسعودية والامارات والبحرين منذ الخامس من حزيران/يونيو 2017، “الذي استحق مع الذكرى الخمسين لنكسة – هزيمة 5 حزيران/يونيو 1967!!”، بسبب ما قيل عن “غلوها في دعم الإرهاب وإيواء الإرهابيين وعدم امتثالها للمطالب العربية التي أعلنت لإعادتها الى محيطها العربي”، انبرى وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي الدكتور أنور قرقاش، ليؤكد مجدداً “أن حل الأزمة التي تعانيها قطر والمتمثلة بالمقاطعة العربية لها هو خليجي بحت، وأن بوابة الخروج منها هي بيد المملكة العربية السعودية لا غيرها”.
وفي لقاء له مع رؤساء الصحف المصرية أجراه أثناء زيارته الرسمية التي قام بها لمصر في شهر آذار/مارس 2018 أيضاً، اعتبر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن “هناك عُقدًا نفسية تحرك حكام إمارة قطر تجاه الدول العربية”، مشيرًا إلى أن “المشكلة مع قطر تافهة جدًّا، وأن سكان شارع واحد في مصر أكثر من سكان قطر”. وقال: “لا أشغل نفسي بقضية قطر، وإن من يتولى الملف القطري هو أقل من رتبة وزير”. وارتأى أن تكون “الطريقة الوحيدة لحل الأزمة مع قطر على طريقة تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع كوبا عام 1959، عندما تدهورت العلاقات الأمريكية – الكوبية بشكل كبير بعد الثورة الكوبية المناهضة لسياسات واشنطن، وهو ما أدى إلى قطع الولايات المتحدة علاقتها مع كوبا، وفرضها حظرًا اقتصاديًّا عليها، بدأ في تشرين الأول/أكتوبر 1960، ولم يتم تخفيف سوى عدد من القيود خلال فترة الرئاسة الأولى للرئيس باراك أوباما”.
وفي ذات الشهر، شهد موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” رحى معركة تصريحات وتصريحات مضادة بين مستشار الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني ورئيس الوزراء القطري الأسبق حمد بن جاسم آل ثاني حول “أزمة الخليج” والخلافات المستعصية بين المملكة العربية السعودية وإمارة قطر من ناحية وبين الإمارة والدول الأربع “المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ومصر” من ناحية أخرى. فبدوره دشن حمد بن جاسم حسابه الرسمي بهجوم شنه على من أسماهم “الجيوش المجيشة لزرع الفتنة” قائلاً: “لن أدخل في نقاش، ولن أرد على إساءة، لأن الكل يعلم أن هناك جيوشا مجيشة من كل الأطراف، وهي للأسف سخرت لهدم الكيان الخليجي، وزرع الفتنة وبث الأكاذيب، وما يؤسفني هو أن أغلب حكومات المنطقة أهملت عملها في تنمية المجتمع وتطوره وتقدمه، ولَم تتحرك إلا في هذا الجانب السلبي”. استدعى ذلك الرد الفوري من القحطاني الذي قال: ” حمد بن جاسم لم يستوعب حتى الآن، أن زمن المجاملة والصبر على “المراهقة السياسية” و”التصرفات العدائية” قد ولى. فنحن في مرحلة عنوانها الحزم والعزم. سياستك القديمة القائمة على تطبيق مبدأ – رمتني بدائها وانسلّت – لا مكان لها اليوم. مثال لهذه السياسة: تطبيعكم مع إسرائيل واتهام الكبار بذلك”.
وفي ما يمكن اعتباره “بصيص نور في آخر النفق المظلم”، جاءت تصريحات أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، عقب المحادثات التي أجراها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في البيت الأبيض في 10 نيسان/أبريل 2018، والتي قال فيها أنه “توصل مع ترمب إلى توافق، حول سبيل حل الأزمة الخليجية”. وأوضح أن “المباحثات بينه وبين الرئيس الأمريكي كانت صريحة وبناءة، وتناولت العلاقات الثنائية ومسائل إقليمية حيوية بما في ذلك الأزمة السورية”. وقال في تصريحاته بأن “ثمة توافق مشترك بأن الأزمة الخليجية تضر بجميع الأطراف وبجهود ملاحقة الإرهاب، وأن الحوار هو السبيل الوحيد لحلها”. وكان تميم قد أعرب في وقت سابق عن شكره للرئيس ترمب على “جهوده الشخصية ودوره الهام في محاولة إيجاد حل للأزمة الخليجية”، ونوه بدعمه الشخصي لقطر خلال “الحصار”!! وعززت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية ذلك البصيص عندما نقلت في أواخر نيسان/أبريل 2018، ما مفاده أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي زار الرياض في جولة إقليمية شملت إلى جانب المملكة العربية السعودية كلاً من الأردن و”إسرائيل”، وجه رسالة للسعوديين طالبهم فيها بضرورة إنهاء الأزمة الخليجية.
وجاءت صحيفة “الرأي” الكويتية لتؤكد ذلك وتبعث بعض الأمل، بنقلها عن مصادر مقربة من البيت الأبيض، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب رفع جملة من الطلبات إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وقت تنفيذها بصدور قراره الخاص بالاتفاق النووي الإيراني. وجاءت تلك الطلبات في رسائل أرسلها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في شهر نيسان/أبريل، حين كان مديراً للاستخبارات الأمريكية “سي آي أيه” إلى دول المجلس. ولربما أن “أخطر” تلك الطلبات، كان طلباً “واضحاً وصريحاً” بضرورة إنهاء دول المجلس، الأزمة القطرية، قبل إعلان ترمب قراره بشأن إيران في 12 أيار/مايو 2018.
ووفقا للصحيفة الكويتية فإن الطلبات الأمريكية جاءت على النحو التالي:
1– تأكيد صداقة أمريكا مع كافة دول الخليج، واستمرار تلك الصداقة مع كل الدول.
2– ضرورة توحيد مواقف كل دول الخليج، لمواجهة “المخطط الإيراني الخبيث”، الذي يسعى لزعزعة المنطقة.
3– التزام أمريكا بأمن دول الخليج، من “ناحية أخلاقية مبدئية”، ولأن هذا يحقق مصلحة أمريكا ومصلحة دول الخليج كافة.
4– تأكيد كافة دول الخليج على مواجهة النظام الإيراني بصورة أقوى، وهذا يتطلب تجانس ووحدة دول مجلس التعاون، وتشكيل تحالفات قوية مع مصر والأردن ودول أخرى صديقة.
5– أمريكا لن تتحمل وحدها مسؤولية التصدي للمخططات الإيرانية، خاصة مع استمرار الخلافات بين حلفائها داخل مجلس التعاون الخليجي، مع استمرار إصرار دول المجلس على عدم قبول مبدأ حل الخلاف.
6– أمريكا قدمت تضحيات والتزمت ماديا وبشريا بمواجهة الإرهاب منذ عام 2001، وأنفقت الكثير من الأموال في حربها ضد الإرهاب، وهو ما استفادت أمنيا منه دول الخليج بالدرجة الأولى.
7– كل ما قدمته أمريكا من التزامات، قد لا يستمر كثيرا في حالة لم تتخذ دول الخليج مجتمعا موقفا موحدا بالتحالف مع أمريكا للقضاء على الإرهاب، وإجبار نظام إيران على وقف مخططاته العدائية ضد المنطقة.
8– ينبغي أن تصدر مبادرة خليجية لإنهاء النزاع، وإظهار موقف موحد قبل القمة الأمريكية الخليجية، التي سيصدر فيها بيان إنهاء كل حالات المقاطعة ضد قطر، وفتح الحدود البرية والمجالات الجوية وعودة العلاقات الدبلوماسية، ولكن ينبغي أن يضع كل طرف في اعتباره أن “التوافق وحل المشاكل” هو الخطوة الأساسية لمواجهة المخاطر المحدقة بالمنطقة.
9– الدبلوماسية الأمريكية مستعدة لتقريب وجهات النظر في القضايا العالقة بين دول المقاطعة وقطر، وتطمين الجميع ونزع الخوف من الكل، لتحقيق الوحدة لمواجهة الاستحقاقات المقبلة، واتخاذ موقف عام بإنهاء الأزمة مع نهاية نيسان/أبريل 2018.
10– إيقاف كل دول الخليج، كافة الحملات الإعلامية ضد بعضها البعض، لأن هذا سبب التصعيد، وما يعيق الحلول ويرفع من الحساسيات بين الشعوب.
11– استمرار التشاور بين أمريكا ودول الخليج في الخطوة المقبلة بشأن إيران، حتى تحصل إدارة ترمب على دعم دول الخليج مجتمعة للقرارات المرتقبة، ودعم وتأييد مصر ودول أخرى صديقة، حول القرار.
أشير إلى أنه لأول مرة منذ تفجر أزمة الخليج في 5 حزيران/يونيو 2017، تطرقت إمارة قطر إلى ما أسمته “التطورات الإيجابية في المصالحة الخليجية المستندة على سلسلة مؤشرات عن انفتاح من قبل طرفي الأزمة على التفاوض حول مخرج للأزمة، كان بينها دعوة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى قمة “مجلس التعاون الخليجي” التي انعقدت في الرياض في شهر كانون الأول/ديسمبر 2019، ومشاركة كل من المملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة ومملكة البحرين في كأس الخليج لكرة القدم “خليجي 24” في قطر”، إلا أن المراقبين ظلوا ينتظرون بفارغ الصبر رد فعل من إمارة قطر يمهد الطريق لعقد “مؤتمر مصالحة”، على الرغم من العقبات الكثيرة التي تعرقل طريق الوفاق.
وفي هذا السياق، قال كريستيان أولريشسن من معهد “بيكر” للسياسة العامة بجامعة “رايس الأمريكية” بعد دعوة الرياض للأمير القطري إنّ “المؤشرات على أن المصالحة وشيكة تتضاعف”. لكن بعض المراقبين السعوديين قللوا من دلالة هذه الخطوة قائلين أن الملك السعودي كان يتبع البروتوكول فقط، مشيرين إلى أنه سبق له أن دعا الأمير القطري لحضور قمة عام 2018 أيضا، لكن تميم بن حمد آل ثاني رفض حينها الدعوة، موفداً مبعوثا عنه كما فعل في قمة 2019.
كل ما تقدم لا يمنعنا من القول أن تطور الأحداث ظل يدلل على أن جميع المحاولات التي قامت بها إمارة قطر للخروج من الأزمة، بواسطة التدخل لدى واشنطن والتحايل على المطالب العربية والادعاء بأنها الدولة الوحيدة التي استجابت لمبادرات الحل وإنهاء الأزمة تارة، ومن خلال قيام أميرها بالدفع للعديد من الجهات الدولية من أجل الضغط على دول المقاطعة الأربع للتنازل عن مطالبها تارة أخرى، “في حين أنها ما تزال مستمرة في علاقاتها مع إيران والتنظيمات الإرهابية”، لم تفد في شيء حتى اللحظة، وأن الموقف الموحد لهذه الدول من الإمارة لم يزل على ثباته.
وبقى أن نقول أن إمارة الكويت هي الدولة الوحيدة من بين دول “مجلس التعاون الخليجي” التي أبقت على تفاؤلها بإمكانية حل “أزمة الخليج”، وقرب تحقق ذلك!! ففي شهر آذار/مارس 2018، بشر رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق علي الغانم بقرب حل ما أسماها “الأزمة القطرية”، مشيراً إلى أن الكويت تعرب عن قلقها من تطور الأزمة “لأن دول الخليج هي المصدر الأكبر للنفط”. كما أكد أن الإحتلال “الإسرائيلي” هو الخطر في المنطقة.
ونقلت صحيفة “الجريدة” الكويتية عن الغانم قوله، خلال زيارته لليابان أن “الجانب الكويتي عمل على تبديد مخاوف اليابانيين بهذا الشأن، عبر التأكيد على أن تلك الأزمة، هي أزمة عابرة وسيتم حلها من قبل الأشقاء أنفسهم، بفضل إرادة دول الخليج مجتمعة وبفضل الجهود الاستثنائية الحثيثة لأمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح”!! وأضاف “أود أن أطمئن الجانب الياباني أننا في الخليج بيت واحد وشعب واحد مهما اختلفنا، وأن هذه الأزمة ستنتهي وسحبها ستنقشع في فترة زمنية وجيزة”.
وفي نفس السياق، أوضح رئيس مجلس الأمة الكويتي، أن الخطر الحقيقي في الشرق الأوسط يتمثل في الاحتلال “الإسرائيلي” للأراضي العربية في فلسطين، والتي يجب أن تحل بالطرق السلمية وفق قرارات الأمم المتحدة، لافتًا إلى أن جميع المنظمات الإرهابية التي نشأت في المنطقة صنعت من قبل الخارج لتسيء للإسلام والمسلمين، وأن منبع هذه المنظمات الذي تتغذى وتشرب منه وتتاجر به هو قضية الاحتلال “الإسرائيلي”، ومتى ما انتهت هذه القضية فستجف منابع هذه المنظمات الإرهابية التي تتخذ من القضية الفلسطينية قاعدة لتجنيد الأنصار بحجة عدم فائدة الحلول السلمية والسياسية للقضية!!
ومع ظهور مرونة في الموقف القطري ترافقت مع مؤشرات إيجابية طرأت على الموقف السعودي تظافرت تأكيدات الكويت على ضرورة حل أزمة الخليج “المستعصية”، بما يرضي جميع الأطراف. وتواصل التفاؤل الكويتي بإمكانية حل الأزمة في ظل أمير الكويت الحالي نواف الأحمد الجابر الصباح ليشكل امتداداً للتفاؤل الذي دأب على إبدائه الأمير الراحل صباح الأحمد الجابر الصباح.
وبالفعل تبلول ذلك التفاؤل بشكل إيجابي وتمت المصالحة وطويت صفحة الخلافات بين إمارة قطر من جهة والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ودولة الإمارات العربية وجمهورية مصر العربية من جهة أخرى بعدما تم التوصل إلى حل “أزمة الخليج” في قمة دول مجلس التعاون الخليجي الحادية والأربعين التي انعقدت في الأسبوع الأول من العام 2021، في مدينة “العلا” السعودية بمبادرة كويتية وحضور مصري ورعاية أمريكية تمثلت بمشاركة جاريد كوشنر، مستشار وصهر الرئيس الأمريكي المهتوه والمهزوم دونالد ترامب،
ولفت الانتباه أن إمارة قطر لم تستجب في هذا القمة لأي من شروط دول المقاطعة الأربع الثلاثة عشرة التي رُفعت مع بدء المقاطعة في عام 2017، ومن بينها غلق فضائية “الجزيرة” الإخبارية وبعض الفضائيات والإذاعات القطرية الأخرى ووقف التعاون القطري – الإيراني وحظر نشاط بعض الجماعات الناشطة في إمارة قطر ومحاولة فرض سياسات بعينها على الإمارة. ولربما أن التنازل الوحيد الذي قدمته إمارة قطر، هذا إن جاز لي أن أسميه تنازلاً، اقتصر على قيام الدوحة بسحب الدعاوى التي رفعتها ضد هذه الدول بسبب ما طال الإمارة من خسائر اقتصادية ومادية فادحة بفعل المقاطعة التي فُرضت عليها والتي استمرت أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة.
وأنا بدوري لا أستبعد أن تكون المصالحة، التي تمت بين إمارة قطر والدول الأربع في قمة “العلا” الخليجية والتي انعقدت في خضم موجة التطبيع الخليجي – العربي مع الكيان الصهيوني والحجيج المتلاحق إلى تل أبيب، مؤشراً لقرب التحاق الإمارة بركب المطبعين العلنيين وإعلان سفورها عن بدء علاقات دبلوماسية كاملة مع هذا الكيان، خاصة وأنه قد مضى وقت طويل على إقامة علاقات سرية كانت تجري بين الدوحة والكيان، على حياء أحياناً ومن تحت الطاولة أحياناً أخرى، منذ قيام الأمير القطري السابق حمد بن خليفة بانقلابه على أبيه في 27 حزيران/يونيو 1995.
صحيح أن “أزمة الخليج” قد حُلت في قمة “العلا” السعودية وأن المصالحة بين المتخاصمين قد تمت بمشاركة مصرية ورعاية أمريكية، إلا أن ذلك لا ولن يغير في الأمر كثيراً لأن المصالحة في رأيي لا تعدو عن كونها هدنة مؤقتة سرعان ما ستنطفئ جذوة شمعتها وتنتهي عند أول تباين في الرأي أو سوء تفاهم يحصل بين المملكة العربية السعودية وإمارة قطر!!
* كاتب وباحث فلسطيني مقيم بالدنمارك