الإثنين , 18 نوفمبر 2024
Breaking News

هل سنشهد انعتاقنا من المنظومة الفرنكوفونية؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

سيّء خضوع الشعوب الإفريقية بسبب ضعفها للاستعمار الأوروبي، بريطانيّا وفرنسيّا وبلجيكيّا وإيطاليّا وإسبانيّا، وما تسببه ذلك من معاناة مختلفة، جرائم وانتهاكات، ارتقت بمفعولها الى جرائم حرب، وأعمال عنصرية مقيتة، وقد غنم الأوروبيون ما أمكن لهم من خيرات دولها، وهي البكر بثرواتها الطبيعية العديدة.

وسيء جدّا طيّ صفحة ذلك الاستعمار بكل برود، وتجاهل لما أسفرت عنه، من سجلات ثقيلة من الجرائم، ويمر كل ذلك، دون يسجل ضد تلك الدول المدانة قانونيا واخلاقيا، ما يجبرها على الاعتذار، ويدفعها الى النزول عند حكم العدل، بالالتزام بتقديم تعويض عما أحدثه من خسائر معنوية ومادية.

والأسوأ من ذلك كلّه الرّضا بالحال التي وصل اليها شعبنا، منقادا الى سياسيين عملاء، أثبتوا انهم مجرّد خدم لفرنسا، الى درجة العبودية لها وللغرب، غير ملتفت الى أنّ هؤلاء يمثّلون الاعاقة الحقيقية لقيامنا وتقدّمنا ونيل حقوقنا المغيّبة، كمحاسبة المستعمر على جرائمه، وفك الارتباط به مباشرة، وتقييم الأضرار الناجمة عن حقبته القاسية، ووضعه في الموضع الذي يستحق من الحذر منه والانتباه له، باعتباره عدوّا مستغلا لا يؤمن جانبه.

حكومات خلفها الاستعمار وراءه أشخاصا وثقافة، رعاية لمصالحه، عملوا على مواصلة أعمال نهبه لدولنا بمختلف الطرق، بل واخضعها لمشيئته سياسيا واقتصاديا وثقافيا، فاتبعت املاءاته حرفيا، دون تغيير، وانتهى بنا الأمر الى الحال التي أصبحنا عليها، حياة بلا إرادة ولا سيادة، وتحكم من وراء البحار، والأسوأ من ذلك كله، ان يتظاهر ساسة العار باعلامهم القذر، على مواصلة اللعب بشعارات الوطنية الزائفة، والإدّعاء الكاذب بأنهم مصلحون، بينما أثبتت سنوات حكمهم أنهم فاسدون و مفسدون.

شهدت الساحة الإفريقية هذه السنوات تطورات مهمة، تعلّق بإطارها الاستحقاقي، حيث بدأ الزجر يظهر على علاقات دول محسوبة فرنكوفونيا للتّبعية الفرنسية، عادت من وجهتها – مثل رواندا- الى حيث يجب أن تكون وطنيا، ساحبة بساط العمالة من تحت ارجل ساستها، بفعل الصحوة الوطنية التي تشهدها ساحات تلك الدول، والدعوة الملحة الى الخلاص من تبعية دول الاستعمار، مطلب شعبي لا مناص من تحقيقه، اذا أرادت تلك الشعوب الخلاص نهائيا، من نهج أثقل كاهلها، وادخلها في نفق مظلم، لا أمل من الخروج منه، لو لم تتوفر الإرادة الثورية الشعبية، والقيادة الوطنية الصادقة.

القطع مع الاستعمار الفرنسي وثقافته المريضة، يجب أن يكون جذريا، بإعطاء اللغة العربية حقها في ان تكون فاعلة، في مجال التعليم بجميع مراحله، مع استبدال اللغة الفرنسية باللغة الانجليزية، على اساس أنها لغة العلوم الأولى في العالم، فلا يحتاج أبناؤنا بعدها إلى رسكلة فيها، بعد أن يبدأ تدريسها عموميا منذ السنة الثانية من المرحلة الأساسية، وهكذا يكون القطع والخلاص نهائيا.

اليوم نحن أمام فرصة قد لا تتكرر مرة أخرى، باستغلالها دون تضحيات تذكر، وعادة الثورة كما هو معلوم، والانفكاك من نير التبعية للمستعمر، دفع الضريبة الدموية، لأنه ليس من السهل الخروج من إطار العبودية، الى الحرية الحقيقية دون تضحيات، هذه الفرصة ماثلة امامنا اليوم، متمثلة في خوض الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، وافتكاك مقعدها، لفائدة مرشح صادق، قال كلمته بشان التبعية، وما تحتاجه تونس من اصلاحات جذرية، تعود بها من الطريق المتعرج المضني الذي سلكته، الى طريق مستقيم، يأخذها الى تحقيق أهدافها المعلنة شعبيا، ومن هنا اهيب بجماهير شعبنا، الى أداء واجب الانتخاب، والتوجه بكثافة نحو مراكز الاقتراع، لمساندة السيد قيس سعيد المرشح الكفؤ، المؤهل لان يكون رئيس البلاد عن جدارة واستحقاق، والذي يمتلك برنامجا حقيقيا، للعودة بالبلاد من التبعية والعمالة الفرنكوفونية، الى الاستقلال الحقيقي، والخروج من المظلة الفرنسية الى المظلة الوطنية.

هذه الفرصة المتاحة الاحرار تونس، والتي تعمل قوى الفرنكوفونية على تفويتها، بإسقاط المرشح الكفؤ، الذي سيعمل على زحزحة شعبنا، من واقع سيء مرير، ذقنا فيه جميع انواع الإهانة والظلم، الى فضاء أرحب، مليء بالأمل في الرقي بتونس، الى مصاف الدول الوطنية الحرة الماسكة بمقود حكمها، والسائرة بارادة وعزم في طريق النمو الحقيقي، ولكي لا تفوتنا هذه الفرصة المتاحة، في البدء بمسار ثوري، يقع فيه اصلاح جذري لمنظومة الحكم في بلادنا، بما يضمن لها التوجه الصحيح نحو أهدافنا في التقدم والعزة.

الاستحقاقات الوطنية التي سنطالب بها فرنسا الاستعمارية هي الاعتذار، ليس عن فترة الاستعمار، التي استمرت حوالي 80 سنة وحسب، بل وما بعدها أيضا، مما عرف بالاستقلال الصوري، الذي بقيت فرنسا فيها على وتيرة استغلال مواردنا واسواقنا، لتصريف سلعها، ومواصلة انعاش اقصادها، كما كانت تفعل من قبل، والمطالبة بجبر الاضرار الناجمة على كلتا الحقبتين واستعادة ما نهب من آثارنا، ومراجعة جملة الاتفاقات المبرمة خلالهما، وإلغاء ما لا يتناسب مع مصالحنا، وفيه اجحاف بحقوقنا، واستعادة مقر السفارة الفرنسية القديم، دون قيد أو شرط، وتطهيره من المظاهر المزرية، التي تعتبر عارا علينا، بأن ترى العاصمة في أبرز معالمها، نقطة سوداء بالاسلاك الشائكة، خانقة للحركة المرورية والمظهر العام للشارع الرئيسي. فهل ستستجيب جماهير شعبنا الى نداء الواجب، وتفوت الفرصة على أعدائها في الداخل والخارج، في مواصلة نهج استغلالنا، الذي رضخت له الحكومات السابقة، وفيها من بني جلدتنا، من يريد الاستمرار فيه باختيار مرشح، ليس بمقدوره ان يكون ثوريا ولا وطنيا؟

 

Check Also

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024