يوما ً بعد يوم تتصاعد الدعوات لمقاضاة الرئيس دونالد ترامب والمطالبة بعزله, بالتوازي مع تحقيقات مولر وإصداره تقريره الخاص حول التحقيقات والنتائج التي توصل إليها, على الرغم من محاولات البيت الأبيض وساكنيه عرقلة مسار الملف برمته, مع مطالبة ما يقارب الستون نائبا ً ديمقراطيا ًفي مجلس النواب ممن يؤيدون إجراء التحقيق والمضي بالمساءلة حتى نهايتها, بما قد يفضي إلى العزل.
والحدث عموما ً, لا يشكل سابقة ًفي الولايات المتحدة الأمريكية, إذ سبق وأن خضع الرئيس ريتشارد نيكسون في العام 1974 لمثل هذه المساءلة, وواجه الأمر ذاته الرئيس بيل كلينتون عام 1998, وليس مستغربا ً أن يخضع الرئيس ترامب للمساءلة ولتقييم سلوكه, لكن يبدو من الصعوبة بمكان فصل العملية القضائية – القانونية, عن إعتمادها عملية ًسياسية لإقالة أو عزل الرئيس في الولايات المتحدة الأمريكية.
نيكسون وترامب …
فقد سبق وأن وافقت اللجنة القضائية في مجلس النواب على مساءلة الرئيس ريتشارد نيكسون في ملفات، تتعلق بعرقلة العدالة, والتدخل بالتحقيق في قضية ووترغيت, ورفضه تسليم بعض المستندات المرتبطة, بالإضافة للضغوط التي مارسها على الشهود, وكذبه العلني أمام الرأي العام, لكنه استقال من منصبه قبل تصويت المجلس النيابي, ويمكن بكل بساطة ملاحظة مدى التشابه في سلوك الرئيسان نيكسون وترامب.
فقد قام الرئيس نيكسون بعرقلة التحقيق وحماية المتورطين من فريقه, وبإخفاء أنشطتهم والأعمال غير القانونية التي قاموا بها أثناء حملته الإنتخابية, وبإقتحامهم مقر اللجنة الوطنية الديمقراطية في واشنطن للحصول على معلومات إستخبارية … بالمقارنة مع مسألة إعاقة ترامب للتحقيق الفيدرالي لإخفاء سلوكه وفريقه الخاص , حصول صهره وإطلاعه على معلومات إستخبارية سرية بدون تصريح … وإدلائه ببيانات كاذبة ومضللة في التحقيق, دفعت محققي مولر, لإعتبار إجابات ترامب الخطية حيال التدخل الروسي في الإنتخابات, إجابات “غير كافية”, لكنهم لم يتهموه بتقديم معلومات خاطئة … على غرار نيكسون, الذي تدخل في تحقيقات وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي ومكتب الإدعاء الخاص في قضية ووترغيت, ودفع مبالغ مالية كبيرة لإسكات الشهود والمتورطين, وسعيه إلى استغلال نفوذه داخل وكالة الإستخبارات المركزية, بالإضافة إلى سعيه لإثارة المدعي العام ضد من تمت محاكمتهم وخروجهم عن صمتهم.
بالمجمل فقد كان سلوك وتصرفات الرئيس نيكسون كافية لإستدعائه ومحاكمته وعزله, فهل يسمح التشابه الكبير في تصرفات ترامب لإعادة نفس السيناريو؟
إن إنتهاك “الرئيس الأمريكي” للدستور الذي أقسم على الحفاظ عليه واحترامه والدفاع عنه, وإساءة استخدامه لصلاحيات منصبنه, تضعه دون شك أمام المساءلة القانونية, ولا يمكن تجاهل سلوكه خصوصا ً بما يرتبط بمسائل بالأمن القومي, وبإنتهاك الحقوق الدستورية للمواطنين أو بتجاهلها … ويمكن التأكيد أن الرئيسين نيكسون وترامب قاما بأمور متشابهة, ساهمت بتقويض عمل الحكومة الفيدرالية, وهاجمت حكم القانون والدعوة إلى إجراء التحقيقات.
كلينتون وترامب …
فقد استندت المساءلة التي أقرها مجلس النواب للرئيس بيل كلينتون, إلى شهادته التي أدلى بها أمام هيئة المحلفين الفيدرالية في العام 1998, بعدما تمت إدانته بتهمة ارتكاب “جرائم وجنح”, حيث تعمّد تحت القسم الإدلاء بشهادة مزورة ومضللة حيال عدة قضايا منسوبة إليه, ساهمت بالتأثيرعلى إفادات الشهود, وأعاقت كشف الأدلة بما يخالف ويسيء للحقوق المدنية… وبذلك، قوض كلينتون نزاهة مكتبه، وأثار الشكوك حول الرئاسة، وأكد خيانته للثقة الممنوحة له كرئيس, وتصرف بطريقة منافية لحكم القانون والعدالة، بهدف إلحاق الأذى ببعض الأشخاص.
واستحق بسلوكه الأرعن المساءلة والإقالة والمحاكمة, وعرقلته مسار سير العدالة, وأثبت عدم أهليته لشغل منصب الرئاسة … وعلى الرغم من إعداد مذكرة إقالته, لم يُصدِر مجلسي النواب والشيوخ أي تحرك بهذا الصدد… إن إنتهاكه للدستور الأمريكي , وإعلائه بشهادة كاذبة, وإخفائه الأدلة في دعوى الحقوق المدنية المرفوعة ضده, وتقديمه لروايات كاذبة بهدف تقويض أحد الشهود, ناهيك عن دفع الأموال للنساء … كلها أمورٌ تشكل بمجملها سلوكا ً مشابها ً لسلوكيات الرئيس ترامب, الذي ذهب لأبعد من ذلك وإتخذ خطوات أكثر سوءا ً مما فعله الرئيس كلينتون لإحباط المحققين, وللتدخل بالشهود وتشجيعهم على الإدلاء بشهادات كاذبة.
ومع ذلك, لا يمكن ضمان نتائج التحقيقات ضد الرئيس ترامب, وإمكانية الوصول إلى قرار عزله, لكن يبقى من المؤكد إرتكابه كسابقيه جرائم ستبقى في الذاكرة.
هل يمكن إقالة وعزل الرئيس دونالد ترامب
إن الحديث عن إتهام وإنخراط الدولة الروسية وتدخلها وتأثيرها على الإنتخابات الرئاسية الأخيرة، دفع إلى تعيين مستشار خاص للتحقيق, ومحامي خاص مُنحا سلطة التحقيق في الجرائم الفيدرالية المرتكبة والتدخل فيها, كالحنث باليمين، وعرقلة العدالة، وإزالة الأدلة، والضغط على الشهود…
وبات من المعروف أن الرئيس ترامب, استخدم سلطته وصلاحياته كرئيس للبلاد, بالتدخل الشخصي ومن خلال مرؤوسيه ووكلائه المقربين، بإعاقة وعرقلة التحقيق, وبإحتمالية عرقلة العدالة, بهدف التستر وإخفاء وحماية مساعديه, ولإخفاء أعمالهم غير القانونية… فقد حجب الأدلة والمعلومات عن موظفي التحقيق المعتمدين قانونيا ً, وعن لجان الكونغرس المكلفة رسميا ً,وقام بتشجيع الشهود للإدلاء ببيانات كاذبة أو مضللة للتحقيقات, وتدخل في إجراءات التحقيقات التي أقرتها وزارة العدل، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ومكتب المستشار الخاص، ولجان الكونغرس, وقام بالإدلاء ببيانات علنية كاذبة أو مضللة, لخداع الشعب والرأي العام الأمريكي, حيال الإنتهاء من التحقيق مع موظفي حملته الإنتخابية, وبعدم تورطهم… ناهيك عن سعيه للتأثيرعلى المدعى عليهم من خصومه والأفراد الذين تمت محاكمتهم وإدانتهم, للحصول على صمتهم أو إدلائهم بشهادات كاذبة، مقابل مكافأتهم.
من خلال هذه المقارنة, يبدو واضحا ً أن الرئيس دونالد ترامب, لم يختلف في سلوكه عن الرئيسين نيكسون وكلينتون, وبإستخدامه لصلاحيات مكتب الرئيس، وفي انتهاك القَسَم الدستوري, وبعدم إخلاصه للدستور الأمريكي وفي الحفاظ عليه وحمايته, وكرر سلوكا ًمشابها ً لمن أغضبوا الرأي العام الأمريكي, وتعرضوا للإقالة أوالعزل… فهل تشهد الولايات المتحدة والعالم عزل الرئيس الأشقر, ورجل الصفقات, ويَثبت فشله في الصفقة الأهم في حياته, ويغادر البيت الأبيض على غرار العشرات ممن أقالهم ورمى بهم خارج حدود غطرسته.