الثلاثاء , 19 نوفمبر 2024
Breaking News

هل يعقل أن يرى العالم حادثة طفل مغربي ولا يرى مأساة أطفال اليمن وفلسطين؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

انتهت مأساة الطفل المغربي ريّان، والتي كانت نتيجة إهمال ما يتحمّله من تسبب فيه، وسقط ما بيد الديوان الملكي المغربي، ومتصنّعي الإنسانية من استغلال للحادثة، ليسوقوها في إعلامهم الخاضع بالولاء الأعمى، للمنظومة الإستكبارية المتهالكة، وإن كان هؤلاء فيما يبدو على علم، بأن الطفل اعتَبَرَ في عداد الموتى حسابيّا، نظرا لصغر سنه، وطول المدة الذي بقي محصورا في البقعة التي سقط فيها، لمسافة 32 مترا في عمق الأرض، وأغلق ملف الإهتمام بالحادثة على بساطتها، دون أن تحصل فائدة لهؤلاء الإنسانيين، على اختلاف مقاصدهم حقيقة أو تصنّعا، وما أكثر المتصنّعين في حالات مثل هذه أو أكثر مأسوية.

وأقول إن الشعور الإنساني بمعاناة الناس ومآسيهم، أمر يدخل في طبع عموم الناس، ومشاعرهم تختلف بينها، اختلافا متفاوتا في الرهف والقسوة، فكما أنّ هناك من يعيشون بيننا بصورتهم الإنسانية الظاهرة، ولكنّهم لا يعرفون رحمة في قلوبهم، كالوهابية الذين يعذبون المشتبه به حتى الموت، ولا يجدون حرجا في قطع رأس من حكموا عليه، بأحكام فقه أحقادهم الموروثة وهم احياء، هناك في المقابل من المسلمين من امتلأت قلوبهم  رأفة ورحمة تكاد تنفطر من مآسي غيرهم، وهي احاسيس صادقة، نابعة من أخلاق وآداب الإسلام المحمّدي، الذي لم يرسله المولى سبحانه وتعالى إلا رحمة للعالمين.

ما اكتنف هذه الحادثة من إثارة وتشويق، للظفر بالطفل ريّان حيّا، جعل من تابعها وليسوا بالقلّة، تنجذب قلوبهم ومشاعرهم نحو ذلك الصّبي المظلوم، والتّعاطف معه إلى حد الصلاة والدّعاء له من أجل إنقاذه، وهذا من الأمور الجيّدة المرغوبة والواجبة شرعا وإنسانيا، والتي نسأل الله سبحانه أن تعُمّ في قلوب البشرية جمعاء، فتتعاون على الإبقاء على هذه المشاعر الطيّبة، وإعطائها فرصة التأصيل في العلاقات البشرية، بحيث تكون العامل القويّ لمعالجة قضايا إنسانية أخرى ذات أولوية قصوى لا تزال عالقة، وهي قضايا مصيرية كقضية فلسطين واليمن، حيث يعيش الشعبان أسوأ مظالم سُلّطت عليهم في التاريخ المعاصر.

الغرابة هنا ليست في الإهتمام بطفل عاش معاناة قاسية عليه، ولا الإهتمام الذي حرّك النّاس للتعاطف معه وهو في المغرب القصى، وإيلائه كل تلك الإحاطة العالمية، فذلك كلّه جيّد ومطلوب، ولكن في المقابل أن يُهمل وضع الأطفال في فلسطين واليمن، وهؤلاء يُعَدّون بالملايين، والعدوان على بلادهم والانتهاكات بحقهم متواصلة، وبلغت من الخطورة بحيث أصبح الطفل الفلسطيني يعتقل وهو قاصر ويقتل بدم بارد، والطفل اليمني يدفن تحت ركام بيته أو مدرسته، والاحصائيات بخصوص ضحايا العدوان على اليمن من الطفال، بلغت حدّا لا يمكن السكوت عنه، بالنسبة للمنظمات الدّولية الغير حكومية، لأنّها بمفردها تعمل على فضح جرائم العدوان، وإن كانت تلقي باللائمة في نفس الوقت على الحوثيين، وهم أبرياء من التّهم المنسوبة لهم، فهذا مما لا يستسيغه عاقل يؤمن بعدم تجزئة البشرية، وفصل بعضها عن حقوقهم في الأمن والعيش الكريم.

فهل يعقل أن تتجاهل هذه الدول ومنظماتها المستنفِرَةِ من أجل حادثة معزولة، وضع أطفال حُرِموا من طفولتهم وأمنهم الصحّي والغذائي، يتهدّدهم الموت كل حين، كأنه لا حق لهم في العيش في أمن ورعاية كاملين، ولم يعد حال هؤلاء الأطفال خافيا على أنظار العالم فيما عانوه، ولا يزالون تحت مرمى الطائرات وصواريخها المدمّرة وهمْ مدنيّون عُزّل؟ بينما تتجه أنظارهم إلى حوادث عرضية فريدة، لا وجه للمقارنة بينها وبين معاناة اطفال اليمن وفلسطين.

لقد جاء في تقرير لبرنامج المتحدة الإنمائي، أن تتسبّب الحرب في اليمن بحلول نهاية العام الماضي بمقتل 377 ألف شخص، بشكل مباشر وغير مباشر، بعد سبع سنوات من اندلاعها،

وجاء في التقرير: “وجدنا أنّه عند نهاية عام 2021، سيكون الصراع في اليمن، قد أدى إلى 377 ألف وفاة، ما يقرب من 60 في المئة منها (نحو 226200) غير مباشرة”، والوفيات المباشرة هي تلك التي تسبب بها القتال، ونسبتها أربعون في المئة من الحصيلة، بما يعني أن عددها 150800.

وتُسبّب الوفيات غير المباشرة “مشاكل مرتبطة بالنزاع، مثل عدم الحصول على الغذاء والمياه والرعاية الصحية، وهذه الوفيات تطال بشكل كبير الأطفال الصغار، المعرضين بشكل خاص للنقص وسوء التغذية”، وذكر أنه في عام 2021، يموت طفل يمني دون سن الخامسة كل تسع دقائق بسبب النزاع.(1)

وجاء في تقرير آخر لمنظمة يونيسف، أنّ الحرب في اليمن أسفرت منذ بدء النزاع، عن مقتل وجرح عشرة آلاف طفل على الأقل، وفق ما أعلنته منظمة  الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، على لسان الناطق باسمها (جيمس ألدر)، معتبرا ذلك محطة مخزية، وأشارت المنظمة إلى أن هذا الرقم يشمل فقط الأطفال الضحايا، الذين تمكنت المنظمة من معرفة مصيرهم.(2) أمّا من قتلوا خارج إحصاء هذه المنظمة فأعتقد أنه أكبر بكثير مما أُعلِن عنه في هذا التقرير، باعتبار الطابع التسييسي للتقارير الصّادرة عن الأمم المتحدة ومنظماتها التابعة لها.

ولا أعتقد أن حظ طفل سقط في بئر، فهبّ لنجدته عالم غبيّ أحمق، يقاد من جهات غير إنسانية، غلب حظوظ آلاف مؤلّفة من أطفال اليمن وفلسطين، إنّما هي سياسة الدّول الغربية الاستكبارية التي أرادت أن يُهمَل أطفال اليمن عمدا، ليستمرّ مخطط استئصال أحرار الشعب اليمني، وجرّه قسرا نحو إسطبل التبعية والعمالة، الذي أُكره على الدّخول فيه بسياسة عقيمة، ثار ضدّها ونجح في الخلاص من تبعاتها، واليمنيين الأحرار عرفوا طريق ردع أعدائهم، وسيكتبون عنوان النصر قريبا على جباه أطفالهم، عندها سيتكلم التّاريخ بحقائق أطفال اليمن وما عانوه من العدوان على بلادهم، وستبقى وصمة الخزي والعار تلاحق كل من تحالف ضدّ بلادهم وشعبهم، ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون. (3)

المصادر

1 – الأمم المتحدة تقدّر بلوغ عدد القتلى بسبب حرب اليمن 377 ألفا بنهاية العام

https://www.swissinfo.ch/ara/47134376

2 – يونيسف: أكثر من عشرة آلاف طفل قتلوا أو جرحوا بسبب النزاع في اليمن

https://www.france24.com/ar/202110

3 – سورة الزمر الآية 26

Check Also

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024