الثلاثاء , 19 نوفمبر 2024
Breaking News

هل يكون ما حدث عبرة لقيادة النهضة؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

ما حصل يوم الخميس بمقر حركة النهضة يجب أن  يكون عبرة لقادة الحركة وعلى رأسهم الشيخ راشد الغنوشي، و محطة إصلاح شامل في صلب  الحركة إن أراد أهلها أن تكون  جهودهم  تصب جميعها في إطار واحد وهو مرضاة الله، وليس مرضاة من توهموا قربه منهم، أو من تحيل عليهم أو تحيلوا عليه. 

تنكر حركة النهضة لمنتسبيها ظاهرة مرضية بدأت قديما، ثم استفحلت بعد ذلك، خصوصا عندما استلموا جزءا من السلطة في تونس، وعملت قيادتهم بعد ذلك على السيطرة والهيمنة على مفاصل البلاد، كان بالإمكان أن تتوقف محاباتها وحساباتها التي كان اغلبها محاصصات ومقاسمات، ولو عولجت هذه السلوكيات الخاطئة من بداية ظهورها لكان أجدى وانفع للبلاد والعباد ولكنها آثرت غير ذلك، علة استمرار الشيخ راشد على نفس وتيرة تعاملاته واحدة وهي استبداديته  بالقرار في صلب الحركة، فلا رأي يعلو على رأيه حتى اليوم، وقد جمع حوله عناصر جمعتهما قرابة الدّم والولاء المطلق، لا ترى إلا ما يراه هو وتتعصب له تماما.

ونتيجة لذلك السلوك الفردي المهيمن على سياسة الحركة وقراراتها الأحادية، خيّرت نخبة من عناصرها القيادية المؤسسة الإنسحاب منها على مدى تاريخ الحركة، آخرهم الشيخ عبد الفتاح مورو(1)، ومع ذلك استمر السلوك والأداء نفسهما في صلب الحركة، مما ألجأ عناصر أخرى للتعبير عن عدم رضاها وتبرّمها من سلوك الهيمنة الذي استمر على العمل به رئيسها، فلا الرسائل التي وجهت إليه وجدت تفهما منه، ولا جبهة معارضة سياساته في صلب الحركة، وجدت طريقا لثنيه عن مواصلة نهجه الاستبدادي- وإن كان يرى نفسه صاحب فضل متجاهلا من شاركه في التأسيس- وبالأخص تخليه عن قيادة الحركة، وهو مطلب أصبح ملحا وكثرت حوله المطالبات من داخل مجلس شورى الحركة.

  سياسة التناقض والهروب إلى الأمام، التي اتخذ منها الشيخ راشد أسلوبا في التبرير ومراوغة الحقائق، إلى أوهام اتخذ منها ملجأ يحتمي به من أخطاء ارتكبها، وكان من السهل ولا حرج عليه  في تفاديها، أو إصلاح ما بدر منه فيها، وحادثة يوم الخميس لم تكن لتحصل، لولا عنجهيّة صمّاء بكماء عمياء، تسلّح بها الشيخ ليزداد تعاليا على مآسي منتسبيه، ممن وقع إقصاؤهم عمدا، وتجاهلهم بعد ذلك، ومنهم من لبس البؤس، واسودّت الدنيا في عينيه، ما دفع بالمدعو سامي السيفي(51 عاما) ضحيّة التجاهل والتهميش الذي لقيه، أن يقدم على ما أقدم عليه من إحراق نفسه (2).

ولو أن سامي وجد من يحتضنه، ويقدّم له ما يدفع عنه فكرة الإنتحار، لما أقدم على سكب البنزين على نفسه، وإحراقها في بهو مقر الحركة، كل ذلك المشهد المفاجئ والمؤلم في نفس الوقت، كان بالإمكان تفاديه لو عولجت مشكلة الرجل الأساسية وهي ضمان لقمة عيش كريم بعد سنوات السجن التي قضاها في العهد البائد، محسوبا على حركة النهضة، وإن اجتهدت في التنكّر لأفرادها، ممن تورطوا في أعمال عنف، أراد أصحابها ردّ الفعل على رموز السلطة، على عنفها المفرط بحق ابناء النهضة.

تصريح الشيخ راشد على أثر اخماد الحريق، أثبت فيه من جديد هروبه إلى الأمام، في دهاء سياسي لا يمكن أن يُقرَأ على الوجه الذي اراده، ولغة دهاة العالم متشابهة في صياغتها، للتنصّل من تبعات الحادث ومسؤوليته الشخصية في وقوعه، وازهاق روح بشرية عانت من السجون والتعذيب والحرمان ما عانته، وفي نهاية المطاف تجازى جزاء النكران، ما قاله الغنوشي جرأة على الله وعلى جميع التونسيين حتى أبناءه من الحركة، محاولة منه للظهور بمظهر البريء من تهمة التقصير بحق هذا المنتحر المسكين، فقد قال: “الله اكبر الله اكبر هذا شهيد اخر من شهداء تحرير تونس من الظلم والدكتاتورية وهو ضحية أخرى من ضحايا الفقر والظلم” وأضاف الغنوشي في تصريح اعلامي من امام مقر الحركة” أمضى الفقيد اكثر من عشر سنوات في السجن مناضلا ضد الاستبداد و الديكتاتورية ورغم آن الله يسر لهذه التضحيات والنضال بأن يرا النور باندلاع الثورة بإسقاط الديكتاتورية وقيام الحرية لكن رغم مرور عشر سنوات لم ينل فيها الفقيد الحد الأدنى من الكرامة رغم ان هيأة الحقيقة والكرامة افضت إلى قرارات ظلت حبر على ورق ولم تفعل بل تعرضت لحملة شديدة من السخرية.” وواصل الغنوشي “هو ضحية من ضحايا الحرب الاعلامية وتجريم المناضلين لديه ورقة من الحقيقة و الكرامة ولم يتحصل على شيء بعد 10 سنوات من الثورة وهذا ثمرة من ثمرات الحملات الظالمة على النهضة ومناضلي الحركة الذين دافعوا عن الحرية” يذكر ان حادثة حرق مقر النهضة أسفر حسب المعطيات الأولى التي قدمتها الداخلية عن وفاة شخص حرقا واصابة 18 آخرين إصابات متفاوتة.(3)

قاتل نفسه بلا موجب شرعيّ  – كالمجاهدة في سبيل الله- ليس شهيدا بحكم الدين الاسلامي، وادّعاء الغنوشي بأن الرّجل شهيد آخر من شهداء تحرير تونس، مناورة منه لطي صفحة ما حدث، مع القائه باللائمة على إجراءات الرئيس قيس سعيد، ناسبا لها سبب ما حدث، وفسحة أتيحت له  ليرتع فيها، تغطية على تقصيره في رفع معاناة أحد أبنائه، ممن قدّم نفسه له وللحركة، فداء لوقف حملة تصفية، ذهب بها الدكتاتور بن علي إلى أبعد مدى من الاستهتار بالإنسانية المستضعفة.

المراجع

1 –«مورو» خارج المشهد: مرارة «الخذلان» وغدر «الإخوان»

https://sawaab-arraii.com/ar/mwrw-kharj-almshhd-mrart-alkhdhlan-wghdr-alakhwan

2 – استغنت الحركة عن خدماته..فأضرم النار في جسده وحرق مقر النهضة

https://www.mosaiquefm.net/amp/ar

3 – الغنوشي في أول تصريح بعد الحريق: “هذا شهيد اخر من شهداء تحرير تونس”

https://www.aljarida.com.tn/article/8663

Check Also

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024