كان عموم الشعب التونسي يأمل منذ بداية عهده الجديد ( ولا أقول ثورة) ينتظر تغييرا جذريا في تعاطي حكومته مع ملفاته العالقة دون حلّ، لعلّ أهمّها الفساد الذي طال جميع قطاعاته، فلم يترك مجالا إلّا ترك فيه بصمات عملائه، مما شكّل سلطة ذات قوة ونفوذ في صلب الدولة، وما عبروا عنها بالدولة العميقة(1) التي لها تأثير خفيّ في إدارة البلاد، دون ان يشعر بها عامة الموطنين، ولا يمكن أن تتأسس هذه الكتلة الخطيرة، دون ان يكون لها تبنّيا خارجيا، من طرف إحدى الدول الكبرى ( أمريكا/ فرنسا/ بريطانيا)، وتونس تعيش تحت وطأة تنافس القوتين الأوّلين، وقد دخلت بريطانيا خلال العشرية الماضية لتجد لها موطئ قدم، عبر تمويل حملة يوسف الشاهد كما أشيع عن ذلك.
وقد عرّف الأستاذ بولبابة سالم الدولة العميقة في مقال: (يُقصد “بالدولة العميقة” شبكة الأشخاص الذين ينتمون إلى تنظيم غير رسمي، له مصالحه الواسعة، وامتداداته العريضة في الداخل والخارج. ونقطة القوة فيه أن عناصره الأساسية لها وجودها في مختلف مؤسسات ومفاصل الدولة، المدنية، والعسكرية، والسياسية، والإعلامية، والأمنية .
في التقرير الشهير لسفير الاتحاد الاوروبي السابق في تونس برغاميني سنة2017 تحدث عن تغول ونفوذ 13 عائلة في الاقتصاد التونسي وهناك عائلات متنفذة حتى قبل الاستقلال ولم يستطع أحد مقاومتها بما في ذلك من يرفعون الشعارات الثورية بل راينا ثوارا ينتقدونهم نهارا ويسهرون معهم ليلا.) (1)
فـ(وفقا لتصريح المدير التنفيذي لمؤسسة ”War on Want” البريطانية، الذي ضمّنته الغارديان في تقريرها، فقد إعتبر أن ”أغلب المشاريع التي تنفذها بريطانيا في تونس تدعم الحكومة على حساب القضايا الإقتصادية و الإنسانية”، مؤكدا أنه ”من الصادم أن تدعم الشركات البريطانية الحكومات في فرض سياسات قاسية”.) (2) وفي هذا الصّدد (تقدّم 50 محاميا تونسيًا، بشكوى قضائية ضدّ رئيس حكومة البلاد يوسف الشاهد، حول شبهة “تلقي أموال من بريطانيا لتلميع صورته وتشويه الاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة بالبلاد”.) (3)
هذا نموذج من الذي قدموه للشعب ككفاءة في إدارة سياسة الدولة وتبين انه لم يعمل لصالح البلاد وإنما كان يأتمر بأوامر خارجية مختلفة فرنسية أمريكية بريطانية، ولا عجب فيمن له جنسية فرنسية وقد تخفي ولاءات أخرى، تحتاج إلى تعرية لعل الشعب يستفيق فلا يعطي ثقة لأيّ شخصية متعاونة مع أعداء الوطن الناهبين لموارده الطبيعية وفي مقدّمتها الغاز والنفط، وأكثر من ذلك تحكم القوى الخارجية في خياراتنا وتوجّهاتنا السياسية الوطنية والتي نشترك فيها مع أشقائنا العرب والمسلمين، وفي مقدّمتها قضية فلسطين التي يعتبرها عموم الشعب التونسي قضيته الأولى ولا يرى لها حلّا بغير المقاومة، بعد فشل مسارات المفاوضات والسياسات العنصرية والعدوانية للكيان الغاصب .
ورب ضارة نافعة فبعد توقف حركة اصلاح القضاء، تفاجأ الشعب بقرار الرئيس قيس سعيد الدخول في مواجهة مكشوفة، مع لوبي الدولة العميقة الذي يقوده كمال لطيف، فأعلن عن اعتقاله مع مجوعة من الأفراد المرتبطين به بشكل أو بآخر، لتعلقهم بملفات خطيرة تصدّرتها تهمة التآمر على أمن الدولة الداخلي، فيما يبدو أن ثلاث ملفات كبرى وخطيرة فتحها قلم التحقيق لتقديمها إلى القضاء والمتهمون فيها بحالة إيقاف، منها ملفّ (انستالينغو)، وملف التسفير إلى بؤر التوتّر، وقضيتي اغتيال الشهيدين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي.
تواترت علينا أخبار من مصادر متعددة، أفادت بأن الجهات الأمنية المختصة بدأت حملة اعتقالات هامة، طالت شخصيات وأسماء ثقيلة، ما كان أحد يجرؤ على الإقتراب منها، قبل تاريخ تحول 25 جويلية، هذه الاعتقالات تعنونت حسب ما وقع تسريبه بتهمة خطيرة هي التآمر على أمن الدولة، وقد قوبلت هذه الأخبار من طرف شرائح الشعب بالإرتياح في عمومها، وبالتشكيك والادّعاء بأنّها مسرحية رديئة الإخراج، لعلّ الذين رأوها مطابقة لذلك الوصف، قد ساءتهم نتائج اعتقالات سابقة، خرج منها أصحابها مبرّؤون من طرف قضاة – تحوم حولهم شبه فساد – دون أن تثبت إدانتهم، مع أنّهم متورطون في شبهات فساد أقلّها تبييض الأموال والتآمر على أمن الدّولة.
وفيما ينتظر الشعب التونسي المنهك بتبعات سياسة عقيمة قديمة، قد تراكمت على مدى 60 سنة، فضلا عن العشرية السّوداء، التي فشل ساستها في تقديم شيء يفيد البلاد، ويخرجها من أزماتها المتفاقمة سنة بعد أخرى، وعمومه يرى اليوم، بأنّ ما وقع أخيرا من شأنه أن يخرج تونس من ضيق ما أوقعها فيه، المتآمرون على مستقبلها، إلى مجال أوسع يمكن شعبها من صناعة غدٍ أفضل لها، ولم يكون ذلك ممكنا إلّا بعد الضرب على أيدي العابثين بمصالحه، واستعادة ثرواته المنهوبة من طرف عناصر الفساد المتغلغلة بأموالها الفاسدة في مواقع النفوذ المختلفة، الدّاء الذي تعاني منه أغلب دول العالم.
حب الوطن من الإيمان، ولا يلتقي هذا الحب مع مصالح أدعياء الأوطان، ممن وضعوا أيديهم في أيدي أعدائه من دول الغرب التي لا تريد لنا الخير وإن تظاهرت مصطنعة احتراما شكليا، لا يتّفق مع سياساتها الخارجية حيال ملفاتنا الكبرى في التحرر من تبعيّتها، وشق طريق النموّ بنجاح دون عرقلاتها، فهمّ تلك الدّول إبقاءنا تحت هيمنتها السياسية والإقتصادية والثقافية، وهذا ما يجب أن يفهمه شعبنا في تونس، وشعوبنا العربية والإسلامية، وهنيئا لمن وقف لخدمة شعبه، ومساندته بكل ما يقدر، حماية لحظوظه ودعما لجهود الخيّرين فيه، ويبقى للوطن قداسته وقيمته، واعلاء شأنه من إعلاء قيمة المواطن فيه، ومن استهان بوطنه، أهانه الله سبحانه، وأهانه أعداء الوطن أنفسهم ولن يحترموه، وإن اظهروا له ودّا مزيّفا، لمعرفتهم بخساسة قيمته ووضاعة شخصه، فدونكم أيها الشرفاء وسلامة أوطانكم، فهي تبقى دائما هدف هيمنة الإستكبار العالمي عبر عملائه، الذين يعيشون بيننا بعناوين مزيّفة، كالادعاء بالوطنية وهم أبعد ما يكونون عنها، فلا تغرّنّكم مظاهرهم ودعاويهم الزّائفة .
المصادر
1 – الدولة العميقة في تونس https://www.assabahnews.tn/ar/
2 – مقال من صحيفة بريطانية قد يطيح بحكومة يوسف الشاهد
3 – 50 محاميًا تونسيًا يشكون “الشاهد” في شبهة تلقي أموال
https://mubasher.aljazeera.net/news/politics/2018/7/20/50-