لقد أصبح من المعلوم بالضرورة مصدر التطرّف الديني والإرهاب الفكري، وما نتج عنهما من جماعات، انتهجت أسلوب القتل البشري المجاني، وتدمير المدنية والحياة، فبعد اعتراف وزيرة خارجية أمريكا (هيلاري كلنتون) بأن أجهزة بلادها الإستخبارية، هي من صنعت تنظيم القاعدة، وتصريحها بذلك أمام الكونغرس، على مرأى ومسمع من جلسة الاستماع إليها، وهي تقرع آذانهم بتلك المعلومة، فلا يحتجّون عليها ويصمتون صمت المتآمرين، يأتي اليوم نظيرها (مايك بامبيو) ليشنّف أسماع العالم باكتشاف جديد انفرد به وحده، أراد أن ينهي به عهدته السياسية، المليئة حقدا وبغضا على الجمهورية الاسلامية الإيرانية، خدمة للصهيونية العالمية التي ينتمي إليها (بامبيو) ومشغّله (ترامب) بكل خبائثها.
فهل نسي (بامبيو) معلومات وكالة مخابراته المركزية وعلاقاتها السرية بتنظيم القاعدة، حتى يطلع علينا باكتشافه الجديد عن علاقة ايران بالقاعدة؟ أن تراه نسي اخيرا وآخر الأمر لا ينسى حتى لمن ضعفت حافظته، ففي 12/9/2020 التقى نائب رئيس “طالبان” الملا (عبد الغني بردار)، وأعضاء فريق الحركة المفاوض، بالعاصمة القطرية الدوحة، في إطار ما سمّي حينها بمحادثات السلام مع الحكومة الأفغانية، وقبل ذلك في 29 /2/2020 شهدت قطر، اتفاقا بين الولايات المتحدة و”طالبان” يمهد الطريق، وفق جدول زمني، لانسحاب أمريكي على نحو تدريجي من أفغانستان، وتبادل الأسرى. (1) فهل هؤلاء الذين يفجّرون المدنيين الافغان الابرياء في الأماكن العامة بالمدن الافغانية، غير ارهابيين يجوز للدبلوماسية الامريكية أن تلتقي بهم، وترم معهم اتفاقات رسمية، وتاريخ علاقاتهم الوثيق مع تنظيم القاعدة، يؤكّد ارتباطهما بنفس الفكر الوهابي، والاعمال الاجرامية الذين يرعاهما النظام السعودي ودول من الخليج الفارسي.
إنه من السخافة بما كان أن ينبري دبلوماسي رفيع المستوى، أسبوعا واحدا قبل مغادرته منصبه، ليدّعي كذبا بأن للجمهورية الاسلامية الايرانية أصبحت مقرّا جديدا لتنظيم القاعدة(2)، وهو يعلم يقينا التناقض الحاصل بين الفكر الوسطي الذي تبنّته إيران، في مواجهة أي فكر متطرّف أو عنصري على اراضيها بين شعبها، دليل (بامبيو) الوحيد الذي بنى عليه دعوه، تقرير جاء في صحيفة (نيويورك تايمز)، ذكر أنّ الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، (أبو محمد المصري) قُتل العام الماضي في طهران.
ولم يتأخر رد وزير الخارجية الايراني (محمد جواد ظريف) فغرّد على صفحته بتويتر: من الإشارة إلى كوبا وإلى خيال (رفع السرية) عن إيران والقاعدة، فإن السيد (الكاذب والمخادع والسارق) ينهي حياته المهنية الكارثية، وهو ينشر أكاذيب جديدة مؤججة للحروب”. وتابع ظريف: “لكن لا ينخدع أحد، فقد جاء جميع إرهابيي 11 سبتمبر، من الوجهات المفضلة لبومبيو في الشرق الأوسط، ولم يأت أحد من إيران”(3)
لم تكن إيران يوما، طرفا مشاركا في عنف أو عدوان على جيرانها، رغم الإستفزازات والإعتداءات المتكررة التي تلقّتها من وراء حدودها من طرف جماعات إرهابية، مرتبطة ارتباطا وثيقا بالقاعدة ومشتقاتها، جاءتها من جاراتها الغربية (العراق)، والشرقية(باكستان)، والشماليةالشرقية( افغانستان)، بل إن التهديد الأكبر لها، تمثّل في وجود حزام كبير من القواعد الأمريكية حولها، في تلك الدول وغيرها، يستهدفها هي بالأساس، وقد دعت مرارا وتكرارا دول الخليج إلى تعاون مشترك من أجل حفظ أمن المنطقة، دون الحاجة إلى القوات الأجنبية، أمريكية كانت أم بريطانية أم فرنسية، لكن نداءات ايران الاسلامية ذهبت بلا ردّ، فتلك الدّول أصبحت شبه محتلة، ولا تملك قرارها في التخلّص من القواعد العسكرية الجاثمة على أرضها، ورضاها ببقاء تلك القواعد هناك دليل عمالة وفساد تخطيط.
كان على وزير الخارجية الامريكي الكفّ عن تهريجه، وحفظ ما بقي من ماء وجهه، إن بقي له ماء، وعادة الوقحين دائما عدم الاكتراث بالفضائح التي تتلبّس بشخصياتهم، فالعالم اليوم يدرك جيّدا مصادر الارهاب وتمويلاتها، وقد تم تمويل العنف في أفغانستان وباكستان جزئيا، من قبل الأثرياء المحافظين المانحين في دول الخليج، ولا تفعل الحكومات العربية إلا القليل، من أجل ردعهم، البلدان العربية الأخرى التي عادة ما يتم الإشارة لها، كدول ممولة للإرهاب، هي المملكة العربية السعودية، الكويت ثم الإمارات العربية المتحدة.(4)
كان على (بامبيو) أن يلتفت الى ما قاله منسق فريق الأمم المتحدة لمراقبة تنظيمي الدولة والقاعدة وحركة طالبان، (إدموند فيتون-براون)، ل(بي بي سي) إن القاعدة لا تزال منخرطة بشكل كبير مع طالبان، وتتدرب معهم، وتشاركهم في العمل العسكري، وعلاقة طالبان بالقاعدة، لا تزال “متجذرة بقوة” داخل طالبان في أفغانستان.. وأشار إلى أن طالبان وعدت القاعدة في الفترة التي سبقت الاتفاق، بأن تظل الجماعتان حليفتين .(5)
وعندما يتبيّن السبب الذي دعا (بامبيو) للافتراء على إيران الاسلامية، بكل وقاحته التي اصبح معروفا بها، منذ تسلم قيادة الدبلوماسية الأمريكية الخارجية، يبطل العجب مما أتاه، الخبر الذي أطلقه، جاء بعد اجتماعه برئيس الموساد الصهيوني (يوسي كوهين) في واشنطن، وهو الذي أوهمه بأنه يمتلك ادلة على علاقة إيران بالقاعدة، الغاية المشتركة بين (بامبيو) و(كوهين) هو وضع شبهات وعراقيل أمام الإدارة الأمريكية الجديدة، والرئيس المنتخب (جو بايدن) في محاولة منهما لمنع عودة المفاوضات مع إيران.
فقد أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم الثلاثاء، بأن رئيس الموساد، يوسي كوهين، اجتمع مساء أمس الاثنين بوزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في واشنطن بشكل سري. وحسب وسائل الاعلام هذه كشف كوهين لبومبيو خلال عشاء جمعهما أمس الاثنين في العاصمة الأمريكية واشنطن، عن علاقات إيران بتنظيم “القاعدة”، من أجل وضع عراقيل أمام الإدارة الأمريكية الجديدة والرئيس المنتخب جو بايدن، لمنع العودة للمفاوضات مع إيران.(6)
حرب ناعمة إذا بدعاياتها الكاذبة المفضوحة، تقودها الصهيونية الأمريكية ضد إيران الإسلام، لأجل تشويه أهدفها الحقيقية في تحرير دولنا الاسلامية من تبعية أمريكا وتجنيبهم السقوط في مخططاتها التي ترمي الى مزيد من استغلالنا واستعبادنا، واخضاعنا دوما إلى إرادة تلك القوى الإستكبارية المعادية.
المراجع
1 – السلام الأفغاني .. بومبيو يلتقي وفد ” طالبان” في الدوحة aa.com.tr/ar
2 – بومبيو يتهم إيران بأنها “المقر” الجديد لتنظيم القاعدة وظريف يرد: إرهابيو 11 أيلول لم يأتوا من إيران
arabic-euronews-com.cdn.ampproject.org/v/s/arabic.euronews.com/amp/2021/01/12
3 – ظريف يتهم بومبيو بـ”ترويج الأكاذيب
arabic-rt-com.cdn.ampproject.org/v/s/arabic.rt.com/world/1191712
4 – قطر والإرهاب الذي ترعاه الدّولة
ar.m.wikipedia.org/wik
5 – تنظيم القاعدة “لا يزال يمثل تهديدا عالميا رغم اتفاق واشنطن وطالبان”
bbc-com.cdn.ampproject.org/v/s/www.bbc.com/arabic/world-54733412
6 – عشاء سري يجمع رئيس الموساد الإسرائيلي بوزير الخارجية الأمريكي..
arabic.rt.com/world/1191548