فيما كانت بعض أنظمة العرب تعمل على التنصّل من القضية الفلسطينية، لثقل حجمها، بعد الهزائم التي منيت بها جيوشهم، وعدم قدرتهم على تحمّل تبعات تبنّيها، ومناصرة أهلها، خصوصا وأنّ السبّاقين إلى اقتراف ذلك الجرم المنكر، معروفان بالعمالة والخيانة، وتنفيذ كل ما تراه أمريكا وبريطانيا يخدم مصلحتيهما في المنطقة، ظهر على الساحة الإسلامية رجل فريد في شكله وفي أفكاره، فاجأ العالم بأسره شرقا وغربا، بمشروعه الإسلامي الكبير، وبأفكاره الثورية المناصرة لحركات تحرر الشعوب من دول الاستعمار والاستكبار الغربي.
ولم يكن هذا الإمام الفذّ مستحدثا انشغاله بالقضية الفلسطينية، بعد نجاح ثورته الإسلامية المباركة، لمعرفته بها حديثا، بل كان من المتابعين لها منذ اليوم الأول لاغتصابها، من طرف قطعان الصهاينة بمساعدة بريطانية، فلطالما اهتم بها وتكلّم عنها، ودعا الى مناصرة مجاهديها في مواجهة التمدد الصهيوني على أراضيه، وتقديم كلّ الدّعم لهم، ولم يكن نداءه ولا أفكاره لتصل سوى لجمهور من شعب وفيّ، آمن به مصلحا وقائدا ثوريا، تحدى بكلامه غطرسة بريطانيا، وخادمها في بلاده وفي المنطقة الشّاه بهلوي.
ولم يكن مجال بقية الشعوب الإسلامية، من أفكار الإمام الخميني متاحا على نطاق واسع، سوى بعد انتصار ثورته الإسلامية، فقد انتشرت مؤلفاته وشذرات من خطاباته بين أوساط الطلائع الاسلامية مثقفين وقواعد، فألهبت مشاعرهم إلى الثورة والتحرر، من قيود تبعية الدول الغربية الاستعمارية، وعملائها من حكام بلدانهم، وقوبل ذلك بصدّ استعملوا فيه كل ما لديهم من خبث لدفع شعوبهم على تجنب تلك الافكار، ولو اقتضى الأمر إلى الزج بمعتنقيه في السجون، وقد فعلوا ذلك مع الكثيرين في بلدان عربية عدّة.
ولم يكن أقسى على دول الغرب الإستعمارية، من كشف زيف إدّعاءاتها، بخصوص مساعدة الشعوب الفقيرة التي كانت خاضعة لها – وما فقّرتها سوى استعماريتهم – ومنهجيّة الإمام الخميني في هذا الإطار التبليغي، مضت إلى أبعد حدّ، في فضح القوى الإستكبارية الغربية، وفي مقدمتها أمريكا وبريطانيا، راعيتي الصهيونية، وحماة كيانها الغاصب لفلسطين والقدس، فنشأت من ذلك ثقافة وعي، تميّز بها من واكب انتصار الثورة الإسلامية، وعاش مراحلها الأخيرة، وهو في نفس الوقت يحمل همّ الإسلام، وقيامه بدوره الطلائعي في مجتمعاته.
تنامي الوعي السياسي الإسلامي بشكل عام، أخذ مسارا لافتا بعد انتصار الثورة الإسلامية، وقيام الامام الخميني بتأسيس نظامه الإسلامي، فقد كان المسلمون بجميع فرقهم، ينظرون إلى تلك الثورة وذلك القائد الكبير، نظرة إكبار وتقدير، ويرونها حاملة الأمل، بغد يستكمل فيه المسلمون استعدادهم، لاستقبال مخلص البشرية من الظلم والجور، وناشر الأمن والسلم بين شعوب العالم، التي ستنظمّ إلى حكومته طوعا وبلا حرب، إيمانا منها بأنه القائد الذي افتقدته، والقادر على حل جميع مشاكلها، لذلك فهي تنتظره بفارغ صبر.
في خطاب له بتاريخ 4/6/2013 أشار الإمام السيد علي الخامنئي، في معرض حديثه عن فلسطين الى وعي الشعب الإيراني الكامل بهذه القضية، باعتبارها إحدى أهمّ القضايا المتعلّقة بتحرر الشعوب، فقال:
(لقد أدرك شعبنا العزيز بكل وجوده قضيّة فلسطين، وأحس بالظلم الذي يعاني منه العالم الإسلامي، وأدرك الواجب الذي يتحمله هو نفسه في هذا المجال، لقد كانت حكومة الجمهورية الإسلاميّة سبّاقة دوماً في هذا المجال، وقامت بما كانت تستطيع القيام به، ولا شك في أن ذلك سوف يستتبع نتائح کبیرة ونحن نأمل – علماً أننا نرى إرهاصاته – أن تلمس الحكومات الإسلاميّة بعض الحقائق بشكل تدريجي، ويقترب البعض من صلب القضيّة أكثر، و یقرّبون الطريق نحو ما هو واجب على الأمّة الإسلاميّة.)(1)
إن قضيّة تحرّر الشعوب هي المشكلة الكبرى، التي أصبحت تعاني منها الشعوب المكبّلة بأغلال الإستعمار أوّلا خلال فترات هيمنته عليها، ثم بأغلال التبعيّة لتلك الدول الاستعمارية، بحكم فرض ثقافتها عليها، وغرس عملائه من بني جلدتهم فيها، وما القضية الفلسطينية سوى مزيج من هذا كله، التقى فيه الاستعمار البريطاني، مع مؤامرة تنفيذه وعد بلفور، للتفويت في فلسطين لليهود، وما نتج عن ذلك من معاناة قاسية للشعب الفلسطيني، تراوحت بين القتل والتهجير وغصب الأرض، وكل ذلك لم يكن خافيا على الامام الخميني، فقد كان يؤكّد في كل مرّة، على ضرورة وواجب مدّ يد المساعدة للشعب الفلسطيني، والوقوف الى جانبه في محنته، التي لاذت بالصمت عنها دول منتظمات العالم.
ولم يكن إعلان يوم القدس العالمي الذي أطلقه الإمام الخميني رضوان الله عليه، ونداءاته المتكررة كل سنة، تحفيزا للشعوب الإسلامية على البقاء على العهد، والوفاء للقضية الفلسطينية العادلة، بمعزل عن العمل بمقتضى مقاومة العدو الصهيوني الغاصب، والإستعداد الجاد والكامل لمواجهته عند اقتضاء الأمر، فقد تأسس حينها فيلق القدس، التّابع للحرس الثوري الإيراني وتسارع نموّه، بهمة وعزم القيادة الإسلامية الإيرانية، وشعبها المؤمن تماما بقضيته المركزية، ويحقق انجازات صناعية عسكرية طور بها استعداداته لمواجهة العدوّ الصهيوني، بعدما أسهم بشكل فعال، في القضاء على الارهاب التكفيري الوهابي في كل من سوريا والعراق، مما أعطى للصديق وللعدوّ أن سياسة إيران إسلامية لا تخضع للمساومة تحت أي ظرف، وقد اثبتت في مسارها على مدى 42 سنة أنها ثابتة ومستمرة على نفس النّهج المقاوم.
ويبدو جليّا اليوم أن محاولات أمريكا عملاءها من حكام المنطقة، في التطبيع مع الكيان الصهيوني، ليست سوى فقاقيع هواء، لا قيمة لها أمام وعي الشعوب الإسلامية، بأن القضية الفلسطينية، ليس بمقدور المتآمرين عليها انهاؤها، بهذا الأسلوب المخزي، بل إن ما ارتكبه هؤلاء الأذلّاء، سيكون حافزا للحسم فيها بالمقاومة والسلاح والمواجهة لا غير، ونحن الآن نقترب من هذا التوقيت المصيري بكل ثقة، في نوال النصر المؤزر بإذن الله تعالى.
المرجع
1 – فلسطين في كلام الإمام الخامنئي https://www.al-abdal.net/13186