اعتباراً من يوم غد الأربعاء سيكون دونالد ترامب خارج سلطة رئاسة البيت الأبيض الأمريكي، وليكون هذا اليوم الحد الفاصل بين مرحلتين.. كانت الأولى وعلى امتداد ولايته الرئاسية ولأربع سنوات قد أحدثت تصدعاً كبيراً وواسعاً، بل تآكلاً في الداخل الأمريكي في مقدمات مأساوية، بل كارثية على الولايات التي تبدو وكأنها لم تعد متحدة، بل حتى على الخريطة السياسية التي كانت محصورة في طرفين وهما الحزبان اللذان يتناوبان على الرئاسة وصنع القرار “الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي” إضافة وبالطبع لما يسمى بمؤسسات “الدولة العميقة” على قواعد اقتصادية واستخباراتية وتدخلات خارجية وحماية للرأسمال والمصالح لشركات وكارتلات ولوبيات.
أما المرحلة الثانية وقد عادت الرئاسة إلى الحزب الديمقراطي، فإنها في ظل ما شهدته أمريكا ستظل مرتهنة لكل الآثار والمخاطر، بل الأضرار التي لحقت بها جراء التمرد، وبالتالي الانقلاب الذي بدأ باقتحام الكونغرس، وما نشأ عن ذلك من آثار وتداعيات أصابت في العمق ما كانت تخفي الولايات المتحدة وراءه من أقنعة حول الإرهاب وعسكرة الشارع، والميلشيات التي أخذت صفة الإرهاب في الداخل، وهو ما لا يمكن محاصرته لأنه قائم وبدأ يستشري على أساس عنصري، وأحقاد، وكراهيات بين كل المكونات الإثنية والثقافات والانتماءات المختلفة التي هزمت كل ادعاءات الذرائعية بوجود “أمة متجانسة” وقادرة على المحافظة على القشور الديمقراطية، و”التوجهات الإنسانية الجامعة وغير التقسيمية”، أو حالات الاستعلاء التي قفزت لتشكل العصب لما ينتظر أمريكا ولاسيما لجهة استمرار الصراع وكذلك المخاصمة حيال شعار ترامب “أمريكا أولاً” والذي أول ما تمت مواجهته من الرئيس الجديد الديمقراطي جو بايدن باستبداله بشعار “العالم أولاً”.
إن زج عشرات الآلاف من عناصر التشكيلات الأمنية والعسكرية لضمان سلامة أداء القسم للرئيس بايدن، تخوفاً وتحسباً من تجدد اقتحام الكونغرس إلى جواره حيث منصة احتفال التسلم والتسيلم، ومادام المعني بالتسليم سيغيب عن المشهد لتمسكه بمزاعم “تزوير الانتخابات وسرقة السلطة منه”, فإن التقديرات لا تزال ترجح أن شيئاً ما ربما يشكل مفاجأة بعواقبها قد يحدث, لأن عقلية الرئيس المهزوم دونالد ترامب قد باتت تسيطر وفق الإدعاءات على نحو 70 مليون مؤيد أرادوا له تجديد ولايته الرئاسية وهؤلاء يمتلكون السلاح لانتزاع السلطة في تحد صارخ “للقيم الديمقراطية” وأزيائها المزركشة بالرياء والنفاق والأكاذيب وعمليات الخداع التي تخفي وراءها الكثير والكثير من أسباب النخر الذي أصاب الجسد الأمريكي.
إن الثابت هنا هو أن التحول الأمريكي قد وضع كل الولايات في عين العاصفة والحسابات تحتاج إلى من يعيد ترتيبها وهو ما لم تنعم به أمريكا أبداً بعد كل ما شهدته من وقائع لا يمكن طمسها أو تجاوزها ومن صراعات لا يمكن تسويتها لأنها تندرج تحت عنوان “سلطة القوة، وقوة السلطة” وهي معادلة غير قابلة للقسمة عند ترامب بالدرجة الأولى والأساسية.