انطلقت عمليات الاقتراع باكرا، في مختلف مناطق الجمهورية، منذ الثامنة صباحا، وبحسب وسائل الإعلام السمعية البصرية المحلية، فان الإقبال على المكاتب كان لافتا، ومدعاة للطمأنينة، بان الشعب بمختلف فئاته، عازم على المشاركة بنسبة غير مسبوقة، لما سجلته انتخابات ما بعد الثورة، ولعل ذلك عائد الى شعور المواطن، الذي لم ينتخب سابقا لعدة اسباب، بالمسؤولية ازاء الحالة التي وصلت إليها البلاد، وعليه أن يتحرك من أجل التغيير، وممارسة حقه الديمقراطي في الانتخاب.
وما كان مدعاة التوجس والريبة، هذه النسب الماوية المتدنية جدا، التي أعلنتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بخصوص مواطنينا في الخارج، التي لم تتجاوز الخمسة بالمائة من الناخبين، وهذا يدعونا إلى التساؤل عن سبب العزوف الغريب في المشاركة، والذي يعتبر ظاهرة غير مسبوقة، تكاد تعبر في مضمونها، عن مقاطعة للانتخابات.
ما يمكن تسجيله في هذه الانتخابات، علامات مرضية ستكرس عقلية الجهويات والتعصب لنعرتها، التي ظهرت على صفحات التواصل الاجتماعي، وفيها ظهرت دابتها المقيتة، لتدق ناقوس الخطر من آثارها، التي لا اشك بانها ستكون خطيرة، مع وباء التعصب للفرق الجهوية لكرة القدم.
تعصب الجهوي ليس في مصلحة تونس، ويزيد من تعميق الهوة بين الساحل والشمال والوسط والجنوب، خصوصا عندما يشعر مواطنو الجهات المهمشة، بالغبن في حل مشاكلهم المتراكمة على مدى عقود، وان تلك الجهات بأهلها، قد أخذت نصيبها في التنمية مرارا، دون أن يكون للجهات المهمشة نصيب، بإمكانه أن يحقق عدالة ما على مستوى توزيع الحقوق.
ما يخشى عليه في هذا الاستحقاق الانتخابي، الأيدي الخارجية لدول الغرب ك(أمريكا وفرنسا وبريطانيا) واذنابها من دول الخليج (النظام السعودي والاماراتي والقطري) المتباينة توجهاتهم واطماعهم، وتوظيفاتهم المالية الخطيرة، من أجل تغليب عملائهم، على القوى الوطنية، التي تسعى جاهدة من أجل تحقيق الكرامة الوطنية للبلاد، وعموم الشعب، الذي عانى من دكتاتوريات عملاء، باعوا ثروات البلاد الباطنية للغرب بابخس الاثمان.
ما يجدر التنديد به، واعتبره تحيلا على الشعب، هي عمليات انسحاب مرشحين بعينهم، لفائدة آخرين، قبل انتهاء المهلة المخصصة للدعاية الانتخابية، والتي لا تعبر في شيء من الديمقراطية، بل هي عملية خداع وتأثير، وتحيل على الشعب وطموحاته، يجب أن تمنع في المستقبل، بقانون يحول بينها وبين استمرارها، على ذلك النحو المستهجن، فمن تقدم للترشح بقناعة، يجب أن يكمل مشواره دون تراجع، ومن يفعل خلافه، يتعرض للعقوبة الصارمة، بمنعه مستقبلا من التقدم الترشح.
مناورات لا تعبر في شيء من الأخلاق، بقدر ما تعبر عن دهاء وخبث اصحابها، وسمسرة في نيل منصب سياسي ما، سواء أكان في القصر الرئاسي أم في الحكومة، والخاسرالأكبر والضحية هنا، هو الشعب الذي يجب أن يلتفت إلى هذه الالاعيب القذرة التي يمارسها عادة مصلحيون، لا يهمهم من تونس وشعبها شيئا، سوى ما سيجنونه من فائدة لاشخاصهم.
ويبدو أن التدخل الخارجي في الانتخابات، سيكون هذه المرة كبيرا، ومتعدد الأطراف أوروبيا وأمريكا وخليجيا، املته عمليات الولاء للقوى المتنفذة دوليا، والمدان أخلاقيا ووطنيا، قد تظهر آثاره منذ الدور الأول، وهي منية تلك القوى الاستكبارية، التي تريد أن تطمئن على بقاء مصالحها بتونس دون تغيير، أو لحقوق ضرر بها، خصوصا بعد التهديدات الصادرة من بعض المترشحين للرئاسة والذين عبروا عن عزم كبير، في إيقاف مهزلة الاتفاقات المبرمة بين حكومات العمالة، وبين تلك القوى الاستعمارية، وأن كان من الحمق التبكير بتزوير الانتخابات – وميدان الإعلامية أصبح سهلا في تغيير النتائج ببرمجة واحدة- فقد يتسبب ذلك في فضح منظومة التزوير وأصحابها، ويدخل البلاد في فوضى خطيرة، قد تتسبب في ثورة حقيقية هذه المرة، ستتواصل مهما بلغت التضحيات فيها، لأنها ستكون ثورة بقيادة معلومة، وقع الاعتداء عليها بتزوير نتائجها.
التمني الغربي وعملائه في مواصلة التحكم في سياسات بلادنا، قائم على أدواته المعروفة في الانتخابات، وهي المال الموظف في شراء ذمم أصحاب الأنفس المريضة، الفاقدة للوطنية، والخزان الانتخابي الذي سيجتمع حول شخصية بعينها،.. يرجح أن يصبح واقعا يفرض على الشعب، فيقبل به في نهاية المطاف، حتى لو ثبت تزوير واسع النطاق، بخصوص نتائج الانتخابات الجارية حاليا.
اذا يبدو أن مسألة التغيير ببلادنا تحتاج إلى إرادة شعبية قوية جدا، وتضحيات بالغالي والنفيس، من أجل تحقيق هدف التخلص من العمالة والتبعية، للقوى المعادية لحقوق الشعب التونسي، ومستقبله في العيش بحرية وعزة وكرامة، وإلى قيادة وطنية حكيمة بإمكانها، أن تقود سفينة التغيير بكل همة واقتدار، ذلك الهدف لا يبدو مستحيلا، ولا يبعد عنا بما بعسر بلوغه، طالما أن وراءه كتل وطنية، لو اجتمعت في إطار هدف نبيل واحد، وتركت اطماعهاالشخصية، وتخلت عن أنانية ذواتنا، وانصهرت في بوتقة المصلحة الوطنية، أمكن لها الخروج بالبلاد من عصر الولاء للغرب، الى الولاء للوطن، واعتقد ان تحقيق ذلك ليس بعزيز على تونس.