بقلم: محمد الرصافي المقداد |
اتسمت علاقاتنا الخارجية في الازمنة السابقة بالتبعية وطغى على أغلبها كثير من المجاملات التي لم تسجّل مصلحة واحدة لصالح تونس، فما يرى بعين الدبلوماسية الفرنسية أو الامريكية أو البريطانية – وهؤلاء هم شركاء في الهيمنة على دول العالم الثالث بما تمليه مصلحتهم – يرى بعين الدبلوماسية التونسية، خصوصا عندما يوجد على راس نظامنا مسحوري الغرب ومن أتوا اليه طوعا وكرها، ملتمسين عطاءه، ولا يكون عطاؤه دائما الا بمقابل، عادة ما يكون في غير صالح بلادنا وتجربة النظامين السابقين ( بورقيبة وبن علي ) أثبتت ذلك. في ما يتعلق بلجان الصداقة التي تتكون من فريقي عمل وطني يمثله اعضاء من مجلس نواب الشعب وخارجي يمثله اعضاء من البلد الضيف، والحديث في هذا المقال سينحصر في لجنة الصداقة التونسية الخليجية التي خرج رئيسها السفير السعودي بتونس عن أدب اللياقة والاحترام ليقحم نفسه في شأن متعلّق بتونس في اختيار من سيكون عضوا أو رئيسا للجنة الصداقة من الجانب التونسي. السفير السعودي ذكرنا بالتدخلات السافرة والخطيرة في الشؤون العراقية الداخلية التي قام بها زميله في العراق، وتسببت في طرف مما يعانيه ذلك البلد من فوضى وانفلات أمني، تلك التدخلات التي اكتست طابعا تحريضيا طائفيا، لا تزال تلقي بظلالها على المشهد في ذلك البلد الشقيق، المرهق والمقسمة همومه بين محاربة الارهاب الممول سعوديا وخليجيا، ومكافحة الفساد المستشري داخليا. جلسة اعضاء لجن الصداقة التونسية الخليجية شهدت كما وصفها محسن النابتي القيادي في الجبهة الشعبية لعربي 21 بالمتشنجة بين السفير السعودي وباقي أعضاء لجنة الصداقة البرلمانية التونسية الخليجية، والتي تضم النائبة عن الجبهة مباركة البراهمي. وكان مما قاله النائب محسن النابتي: ( فاجأنا السفير السعودي منذ أيام خلال الجلسة بطلب غريب يتمثل في دعوته البرلمان التونسي للقيام بدور في مساندة السعودية في حربها في اليمن وضد ما أسماه بالعدوان الذي تتعرض له من سوريا وحزب الله وايران واليمن). النائبة البرلمانية عن الجبهة الشعبية مباركة البراهمي اخذت الكلمة، واتهمت السفير السعودي صراحة بتدخل بلاده السافر في ليبيا واليمن وسوريا، الأمر الذي لم يستسغه هذا الاخير، ليطلب من رئيس البرلمان، الضغط بقصد تنحية النائبة من اللجنة البرلمانية التونسية الخليجية. وقد بدا السفير السعودي بعد الجلسة مصرّا على تنحية النائبة المناضلة والمحترمة مباركة البراهمي، واستبعادها من اللجنة، بتعبير أخذ شكل تهديد سافر، ملوّحا بإيقاف نشاط اللجنة البرلمانية قائلا: (اعتبروا هذه اللجنة ميتة طالما هذه المرأة موجودة فيها(.، ولا اعتقد أن موقفا كهذا يجد موقعه بالحساب الدبلوماسي، ويوزن بالميزان البروتوكولي، لولا الأنس به من حكومتنا، وليونة ومجاراته وسلاسة التعامل معه، دون ادنى شدّة أو دفع، لكي لا يتكرر مرة أخرى من أي طرف كان. واعتقد ان الاستجابة من الحكومة الحالية، الآخذة وضع الاستجداء والتملق، سوف لن تتأخر في تلبية المطلب السعودي، تماما كما لم تتأخر من قبل، في المصادقة على اعتبار حزب الله تنظيما ارهابيا، في اجتماعي وزراء الداخلية والخارجية العرب. ولا تعتبر هذه الحادثة الأولى، التي توجّه فيها الاتهامات للسعودية بالتدخل في السياسة الداخلية التونسية، فالتاريخ القريب يعيد الى اذهاننا، سرعة تعيين الدكتور عبد الجليل بن سالم بن سالم وزيرا للشؤون الدينية، وسرعة إقالته من منصبه، بسبب ما صرح به في 3/11/ 2016، خلال جلسة لأعضاء لجنة الحقوق والحريات في البرلمان التونسي: (قلت هذا للسعوديين، قلت لسفيرهم بكل جرأة، وقلت لأمين عام مجلس وزراء الداخلية العرب، قلت لهم أصلحوا مدرستكم فالإرهاب تاريخيا متخرّج منكم). وتابع بن سالم قائلا: (أقول لكم كعالم ومفكر، التكفير لم يصدر عن أي مدرسة أخرى من مدارس الإسلام، لم يصدر التكفير والتشدد إلا من المدرسة الحنبلية، ومن المدرسة الوهابية، فأصلحوا عقولكم.) تصريحات جريئة ومسؤولة، اتهم فيها صراحة السعودية بتصدير الإرهاب والتكفير في العالم الإسلامي، وكانت السبب الأول والاخير في إقالة الوزير، ليحزم حقيبته الوزارية القصيرة العمر، ويعود للتدريس من جديد في جامعة الزيتونة، وقد نحا رئيس الحكومة يوسف الشاهد، آنذاك قراره بإقالة الوزير، بحسب بيان حكومي صدر بالمناسبة: (لعدم احترامه لضوابط العمل الحكومي، وتصريحاته التي مست بمبادئ وثوابت الدبلوماسية التونسية). ويبدو ان القوم لا يحبون الناصحين، ولا يرغبون في رؤية عوراتهم وعيوبهم، ويمضون الى أبعد من ذلك، حيث ارتفع الخوف من الله ليكون آخر ما يفكر به هؤلاء، طمعا فيما عند هؤلاء المفسدين في الارض، وعاقبة الطمع وخيمة لو بقي في حكامنا عقل. تحية شكر وتقدير، الى كل من الدكتور عبد الجليل بن سلم، والنائبة مباركة البراهمي، على مواقفهما المشرّفة، التي سجلها لهما التاريخ، بمداد العز والتقدير، وتونس ارضا وشعبا ومناضلين شرفاء، تفخر بما عبّروا به نيابة عنها بما يستوجب التعبير، في مواقف يكون فيها الساكت عن الحق شيطان أخرس، وستفخر بـأبناء آخرين مثلهم، سيعبّرون مستقبلا عن مواقفهم، أمام أي انحراف يطرأ في دواليب سياساتنا الداخلية والخارجية، وكما عبّروا عن حبهم لها بهذه الطريقة الحضارية، تأكيدا على أن تونس بلد حضارة عريقة، لا يمكنها أن تقبل منطق بداوة السعودية المتخلّفة، مهما كان المقابل. النظام السعودي ورّط نفسه في تدخلات خطيرة سياسية وعسكرية متواطئا مع امريكا والصهاينة ضد مصالحنا العربية والاسلامية، ونكبة سوريا وليبيا والعراق واليمن والوضع السياسي الغير مستقر في لبنان وافغانستان وباكستان والتهديدات الموجهة الى ايران بسبب سياساته العميلة التي ارتضاه اعداء الامة وباركوها بالثناء والحماية، ونحن كتونسيين نرفض أن نكون أداة بين ايدي ذيول امريكا والصهيونية العالمية، ونطالب الشعب بالوقوف في وجه امثال هذه التدخلات السافرة حتى لا تتكرر مرة أخرى. نرفض أن نكون شركاء في باطل وجرائم النظام السعودي، لكي لا ينظر الينا نظرة اللوم والتهمة، من طرف الشعوب المتضررة من سياسات ذلك النظام، ونقبل أن نكون شركاء الانظمة الوطنية في العالم، ومقاسمة الشعوب الحرة الابيّة سيرها وحظوظها، في التقدم والتعاون الاخوي المشترك، وعاش من عرف قدره.