الأحد , 24 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

تكرار سيناريو الأزمة المالية العالمية…بقلم: د.أسامه اسماعيل

لا تكاد تخلو صفحات المجلات والصحف الاقتصادية الدولية من نقاشات مستمرة حول إمكانية حدوث أزمة مالية عالمية جديدة من عدمه، ويسود حاليًا اتجاهان متناقضان تجاه هذه القضية. الفريق الأول تشاؤمي المنحى، ويرى أن الاقتصاد العالمي على أعقاب أزمة مالية عالمية جديدة. أما الاتجاه الثاني فهو اتجاه تفاؤلي المنحى، حيث يرى أصحابه أن الأزمات المالية العالمية أصبحت نادرة الحدوث بعد أن استفادت البنوك المركزية والمصارف من الأزمة المالية في عام 2008، والاعتماد على الاجراءات الاحتياطية.

وعلى الرغم من أن الاتجاه الغالب حاليًا بين الاقتصاديين هو توقع حدوث أزمة مالية عالمية جديدة، إلا أن المتفائلين أيضًا مقتنعون بأن الاقتصاد الدولي ومنذ أزمة عام 2008 وحتى الآن، لا زال يعاني من الافتقاد لمجموعة من الإصلاحات والتغييرات الهيكلية التي تجعله قادرًا على الصمود أمام أي أزمة مالية قادمة. ونحاول فيما يلي تقديم عرض مختصر لأبرز المؤشرات التي تبرز مخاوف الاقتصاديين من احتمالات حدوث أزمة مالية عالمية.

النمو الاقتصادي والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين

لقد استطاع الاقتصاد العالمي خلال العقد الماضي أن يسير وفق مسارات نمو مستقرة نسبيًا، إلا أنه مؤخرًا ومع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وفرضه مزيد من السياسات الحمائية على التجارة الخارجية بينه وبين البلدان المختلفة وعلى رأسها الصين، فمن المتوقع أن يؤثر ذلك على الاقتصاد العالمي. فوفقًا للتقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي بعنوان World Economic Outlook الصادر في أكتوبر 2018 قام الخبراء الاقتصاديون بالصندوق بتخفيض توقعاتهم لنمو الاقتصاد العالمي لعامي 2018 و 2019 من 3.9% إلى 3.7%، وهي نفس نسبة النمو الاقتصادي للعام الماضي 2017، وذلك كما يتضح في الشكل التالي. ويرجع خبراء الصندوق ذلك إلى المخاوف من تفاقم الأزمات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، مما يؤثر على الاقتصادات المتقدمة والناشئة، ويؤدي بالاقتصاد العالمي إلى حالة من الركود (1).

ويتفق مع هذه الرؤية خبراء البنك الدولي، فقد صرح النائب الأول لرئيس البنك الدولي، ووزير الاستثمار السابق الدكتور محمود محي الدين في ندوة بعنوان «في الاستدامة والتعامل مع المربكات» والتي عُقدت في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أنه من الضروري العمل على تفادي حدوث أزمات مالية مستقبلية، خاصة وأن حدوث أي أزمة مالية مستقبلية سوف تكون أكثر تعقيدًا، نظرًا لتغير بنية النظام العالمي الذي كان أكثر تعاونًا قبل أزمة 2008، كما نبه محي الدين إلى خطر الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين التي ستؤثر بالسلب على حركة التجارة الدولية وسوق الصرف العالمي (2). ومن الملاحظ وفقًا للشكل التالي تراجع حجم التجارة الدولية من متوسط سنوي يبلغ 5.2% عام 2017 إلى متوسط سنوي يبلغ 4.2% عام 2018، ومن المتوقع أن ينخفض إلى 4.0% عام 2019، وذلك وفق تقديرات صندوق النقد الدولي.

أسعار الفائدة وحركة رؤوس الأموال

يشير الخبراء الاقتصاديون إلى مخاطر تدفق رؤوس الأموال من البلدان النامية إلى الولايات المتحدة، بعد أن قامت الأخيرة برفع أسعار الفائدة، مع ارتفاع أسعار الأسهم نتيجة الإصلاح الضريبي الذي زاد من أرباح الشركات. وقد صرح الخبير الاقتصادي باتريك أرتوس، أنه من المتوقع أن تكون الولايات المتحدة هي مصدر الأزمة المالية القادمة بسبب تدفق رؤوس الأموال من البلدان النامية إليها، مما يعني انخفاض أسعار الصرف في تلك البلدان، وبالتالي ارتفاع نسب التضخم والفوائد وانخفاض النمو. مما يشير إلى أنه على المدى البعيد لن تكون تلك الدول قادرة على تمويل استثماراتها (3).

ويشير الشكل التالي إلى أنه من المتوقع وصول سعر الفائدة الحقيقي طويلة الأجل عبر العالم إلى 0.5% عام 2019 بعد أن كان -0.1% عام 2018، كما من المتوقع أن يصل متوسط معدل الفائدة إلى 0.9% خلال الفترة من 2020 إلى 2023.

كما صرح الملياردير الأمريكي جورج سورس أن رؤوس الأموال الدولية باتت تشعر بمخاوف من أزمة مالية عالمية قادمة، لاسيما مع ارتفاع نسبة المؤشرات التي تتنبأ باحتمال حدوث ذلك، وعلى الرغم من أنه يرى أن الأزمة المالية القادمة لن تكون بنفس حدة أزمة 2008، إلا أن تكرار مثل تلك الأزمات حتى وإن كانت صغيرة ومحدودة ممكن أن يخلق وضعًا اقتصاديًا ضاغطًا عالميًا، وبالتالي يؤثر على حركة رؤوس الأموال الدولية، ومن ثم قد تحدث هزة اقتصادية تعصف بهيكل الاقتصاد العالمي (4).

 

 

التضخم والبطالة

تواجه البنوك المركزية العالمية العديد من التحديات في مواجهة ظاهرة التضخم، لاسيما وأن التحكم بها يعني التأثير على العديد من المؤشرات الأخرى. ومن المعروف أن حركة رؤوس الأموال الدولية الحالية تجاه الولايات المتحدة نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم. وقد صرحت جريدة لاتريبيون الفرنسية مؤخرًا أنه ليس من المستبعد أن تكون الولايات المتحدة هي منشأ  الأزمة المالية القادمة، نظرًا للتدفق الكبير لرؤوس الأموال بينها وبين البلدان الأخرى. الأمر الذي يعني ارتفاع معدلات التضخم والفوائد.

وقد جاءت تقديرات صندوق النقد الدولي فيما يتعلق بالتضخم العالمي غير مطمئنة، حيث توقع الصندوق أن يرتفع التضخم هذا العام في كل من الأسواق المتقدمة والنامية على السواء، حيث من المتوقع أن يرتفع التضخم في الأسواق المتقدمة إلى 2% عام 2018 بعد أن كان 1.7% عام 2017. أما عن البلدان النامية فمن المتوقع أن تصل نسبة التضخم هذا العام إلى 5.0% بعد أن كانت 4.3% عام 2017. ويشير الشكل التالي إلى ارتفاع التضخم في البلدان المتقدمة والنامية على السواء خلال الثلاث سنوات الأخيرة على الأٌقل.

أما عن معدلات البطالة العالمية، فتشير بيانات المؤسسات الدولية إلى ارتفاع معدلات البطالة في العالم، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل أهمها ما يتعلق بتحديات الثورة التكنولوجية والتغير في طبيعة الوظائف التقليدية، حيث غيرت التجارة الرقمية من مفهوم التجارة في العصر الحديث. ويتوقع خبراء البنك الدولي أن 50% من الوظائف سوف تتغير بحلول عام 2030.

الديون العالمية

من المؤسف أن الاقتصاد العالمي اليوم يشهد حالة من تفاقم أزمة الدين العام لم يشهدها منذ تصاعد فترة الثمانينات من القرن العشرين، كما أن الكثير من الدول غير قادرة على سداد مديونياتها المحلية والدولية.

ووفقًا لتقرير صادر عن بنك “جي. بي. مورجان”، فقد توقع الخبراء الاقتصاديون بالبنك أن العالم سيشهد أزمة مالية بحلول عام 2020، ويرجع ذلك إلى عدد من العوامل على رأسها السياسات الحمائية المتبعة من قبل الولايات المتحدة والصين، وكذلك تراجع معدلات التجارة الدولية، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة. كما أشارت تقديرات التقرير إلى أنه في حال حدوث أزمة فإن هوامش الديون الحكومية بالأسواق الناشئة ستشهد زيادة قدرها 2.79 في المائة، فيما ستهبط سوق الأسهم في الأسواق الناشئة بنسبة 48 في المائة، وستتراجع عملاتها بنحو 14.4 في المائة (5).

ومع اقتراب ديون الشركات والمؤسسات العامة من مستويات قياسية في العديد من البلدان، فإن مثل هذه الأمور سوف تكشف نقاط الضعف التي تراكمت على مدى السنوات الماضية في جسد الاقتصاد الدولي، حيث نلاحظ من الشكل التالي ارتفاع نسبة إجمالي الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي خاصة فيما يتعلق بالبلدان النامية، حيث بلغ إجمالي الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي في البلدان النامية 50.4% عام 2018 بعد أن كانت 48.6% عام 2017.

وتعتقد الدكتورة آجا سيمون أستاذة التجارة الدولية أن إدارة الرئيس دونالد ترامب أضعفت الإجراءات الإصلاحية التي قامت بها الإدارات السابقة تجاه النظام المصرفي، والتي كانت تحد من إمكانية حدوث أزمة مالية مستقبلية. ففي مايو الماضي قامت الإدارة الأمريكية بإعفاء البنوك التي تصل أصولها إلى 250 مليار دولار من المعايير التحوطية المحسنة لأداء البنوك مثل اختبارات الإجهاد وتخطيط القرارات ومتطلبات إدارة المخاطر المتزايدة، وفي نهاية عام 2017 بلغت ديون الشركات الأمريكية أكثر من 40 في المائة من أعلى ذروتها في عام 2008، وحاليا هي في أعلى مستوياتها مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، ومن ثم فإن ديون الشركات الأمريكية تواصل الارتفاع كما لو أن أزمة 2008 لم تحدث، في الوقت ذاته ديون الأسر الأمريكية تراوح حاليا بين 15 و17 تريليون دولار مقارنة بنحو 12.68 تريليون عام 2008، ولهذا هناك عديد من المؤشرات في الاقتصاد الأمريكي تنبئ بأن الاقتصاد الدولي مقدم على أزمة عنيفة (6).

الظروف البيئية والتغير المناخي

من الصحيح أن التيار الاقتصادي السائد حاليًا لا يضع العوامل المناخية ضمن الاعتبارات الاقتصادية، إلا أن المؤسسات الدولية باتت تنظر إلى البيئة كعنصر فاعل من العناصر التي تؤثر على النشاط الاقتصادي، ولذا يرى فريق من الاقتصاديين مثل الخبير الاقتصادي آندروا مارك أن العوامل المناخية تؤثر بصورة واضحة على الاقتصاد العالمي إذا تكررت أكثر من مرة وفي أكثر من مكان، مثل موجات تسونامي أو موجات الزلازل والبراكين.

ويسود التوتر حاليًا المؤسسات الدولية التي تهتم بالمناخ، من انعكاس التغير المناخي الحادث في العالم على النظام الاقتصادي الدولي، لاسيما مع انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية المناخ العالمي.

وفي النهاية، ينبغي أن نقول أن الاقتصاد العالمي لا يزال يعاني من العديد من المشكلات الهيكلية، على رأسها انخفاض الانتاجية، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، كما لا تزال الدول المتقدمة تعاني من المشكلات المالية. هذا فضلًا عن انخفاض التصنيع وارتفاع معدلات الديون في الدول النامية. الأمر الذي يحتاج من القادة الاقتصاديين في العالم إلى التكاتف مع الحكومات الوطنية من أجل مواجهة أي احتمالات لأزمة مالية عالمية جديدة.

ولا ننسى أن التاريخ الاقتصادي يعلمنا أن الأزمات المالية نادرًا ما تكون متوقعة، أو على الأقل لا يمكن التنبؤ بها على نحو دقيق، وفي الوقت المناسب. وبالتالي الأمر يتطلب من جميع المؤسسات الاقتصادية وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالتعاون مع المصارف المركزية والشركات الدولية العمل على حل مشكلات الاقتصادات المتقدمة والنامية، لأن تجاهل تلك المشكلات – التي سبق تحليلها في هذا التقرير –  أو التقليل منها يعني أن احتمالات حدوث الأزمة المالية العالمية تزداد يقينًا.

 

شاهد أيضاً

هذا ما جرى قبل الكارثة (قصة الهزيمة): من كتاب الغيب للشيخ اسعد بيوض التميمي خطيب وامام المسجد الاقصى قبل 1967

د. أسامة إسماعيل الذي حدث في عام 1967 لم يحدث في تاريخ البشرية ، ثلاثة …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024