الثلاثاء , 24 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

عندما تظهر أمريكا في ثوب الشيطان مجددا…بقلم محمد الرصافي المقداد

أعتقد أنه توجد دولة لها عزة، مثل التي كسبتها الجمهورية الاسلامية الإيرانية، فقد أثبت نظامها الذي قام بعد انتصار ثورة اسلامية عارمة، لم يشهد لها تاريخ الإنسانية نظيرا، بمواقفه المبدئية الثابتة ضد الاستكبار والصهيونية، وجزيل تضحياته من أجل الاسلام والمسلمين والمستضعفين، تلك القيمة المعنوية العالية من الأنفة والعزة، في مواجهة أعدائه، والتوضع والذلّة مع اوليائه وأحبائه، مصداق قوله تعالى: »..فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ.. « (*) وما يجب أن يذكر هنا ان هذا النظام الاسلامي في إيران، لم يكن بمقدوره أن يتأسس، لولا دعم الشعب الإيراني واختياره له، بنسبة فاقت كل التوقعات 98.2%، تركت أمريكا في وضع اليائس، بعد فقد عميلها الشاه، وفشل محاولاتها استعادة زمام التحكم في مسار الثورة، واجهاضها ببقايا عملائها في داخل إيران، وبذلك انقطع أملها في أن تعود يوما لتتحكم هناك، وتضع نظاما آخر تحت تصرفها، يسرق مكتسبات الشعب الإيراني، وتعود إيران كما كان نظام الشاه من قبل، شرطيا حاميا لمصالحها في المنطقة.
الإمام الخميني، قائد انتصار الثورة الإسلامية، ومؤسس نظامها الإسلامي، اعتبر أمريكا عدوّة ليس لإيران فقط، وإنما عدوّة للمسلمين الحقيقيين، أمّا الإسلام الذي ترضى عليه امريكا فهو اسلام مغشوش لا يشكل خطرا عليها، لذلك لم يتردد في تلقيبها بالشيطان الأكبر، بما اقترفته من جرائم، وما تزال تختزن الكثير من مخططاته المدمّرة للبشرية وكرامتها، فهل جرُأ أحد من القادة غير الإمام الخميني على مواقفه المبدئية الصريحة من امريكا، رغم ان نظامه الاسلامي كان في فجر تكوينه، يومها لم يكن معتمدا إلا على الله، ومتوكلا عليه مع ثوار شعبه، الذين وجّهوا لها الصفعة التي تستحق، ولا يزال القادم أقوى لو كانوا يعلمون.
جرائم أمريكا تنوعت وتعددت، بحيث لم تبق جريمة في هذه الدنيا الا وقد ارتكبتها، ونال شعب من شعوب العالم نصيبه منها، لكنها بمحصّلها الكمّي والنوعي اجتمعت على إيران، في سلسلة عقوبات ظالمة، استمرت 40 سنة كاملة – ولا تزال قائمة- حتى تشكلت في مجموع حزم من القرارات الجائرة، هدف أمريكا الوحيد من ورائها، عرقلة النظام الاسلامي الإيراني، من أجل الحد من مشاريعه التحررية، التي دعا اليها الشعوب الاسلامية – للخلاص من الاستعمار والتبعية والعمالة- وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني، وأمريكا تدرك جيّدا، أن المشروع الصهيوني في فلسطين والشرق الأوسط، الذي تبنّته من بريطانيا، تشكل إيران عقبة أساسية دونه، وتصرّفت معها على هذا الأساس.
وبقطع النظر عما إذا كان فايروس كورونا، الذي استهدف مدينة ووهان الصينية، ومن بعدها مدينة قم الإيرانية مصنّع مختبريا، ويراه بعض الخبراء بداية حرب بيولوجية، فإنه من الواجب الإنساني لدول وشعوب العالم، ان تتوحد جهودها في مكافحة هذا الفايروس، الذي تحول بسرعة إلى وباء عالمي طال أمريكا نفسها، لكن يبدو عقلية الشيطنة التي عرف بها الإيرانيون أمريكا كانت حاضرة، لتؤكد من جديد عقلية الإستكبار المقيتة، التي تتصرف بها حتى في هذا الظرف الخطير، الذي يتهدد الانسانية جمعاء.
انتشار فايروس كرورنا في مدينة قم، وعدد من المحافظات الإيرانية، نظرت إليه أمريكا وعدد من عملائها، نظرة الشامت متمنين الشرّ لها، لكن لله شأن غير الذي تمنّوه، فجاءهم نصيبهم من حيث لا يدركون، فلا يغترّنّ أحد بما جاء على لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو، أنها عرضت على إيران المساعدة في التصدي لفيروس كورونا، وذلك بعد أن أبدى قلق بلاده – حسب زعمه العاطل- من عدم تبادل طهران المعلومات حول انتشار الوباء، في إيحاء خبيث منه، ومحاولة بائسة لاتهام إيران بالتقصير في مكافحة الفيروس، وإخفاء إصابات مواطنيها، بينما أكّدت منظمة الصحة العالمية من جهتها، جدّية إيران في مكافحة الفايروس كورونا، ووفدها الذي زار ايران أخيرا للاطلاع على جهود ايران في هذا الإطار، عبّر عن اعجابه وشكره على تلك الجهود الجبّارة.
الامام الخامنئي قائد الثورة الاسلامية الإيرانية، في خطابه بمناسبة ذكرى البعثة النبوية، ذكر أمريكا بأنها أخبث عدو لإيران، واصفا مسؤوليها بأنهم كاذبون ووقحون وطامعون وظالمون، وتجتمع فيهم كل الميزات السيئة، وفيما يخصّ مزاعم المسؤولين الامريكيين بمساعدة ايران، قال سماحته: إنّ الأمريكيين متهمون بصنع ونشر فيروس كورونا، لذلك لا يمكن الوثوق بهم.
هذا الاتهام وجّهه الامام الخامنئي، جاء بناء اتهامات سابقة، وجهتها جهات رسمية صينية، وزادها تأكيدا خبراء من روسيا، ولا يغترّن أحد بأنّ الفايروس انتشر بدوره في أمريكا، فهي بالتالي ضحيته مع دول العالم المصابة، فتلك عملية خبيثة التجأت إليها أمريكا، للتغطية على جريمتها المرتكبة ضد الصين وإيران، تماما كما كان الشأن بأحداث 11 سبتمبر2001، عندما ضحّت أمريكا بمركز التجارة العالمي بمن فيه، من أجل تمرير مشروعها الإستعماري التوسّعي في منطقة غرب آسيا.
ولولا الضغوط التي تعرضت لها الإدارة الأمريكية في الداخل والخارج، لما عبّرت على لسان رئيسها ترامب ووزير خارجيتها بامبيو – الذي يجدر به ان يتسمى وزير كراهية – بأنها مستعدة للمساعدة، مواصلة لسياسة الخداع قديمة، وذرّ رماد الكذب على العيون، لإخفاء حقيقة بشاعة الإدارة الأمريكية وسياساتها الشيطانية، الحكومة الإيرانية سارعت بالإعلان عن رفضها للعرض الأمريكي الدّعائي الفارغ، لخبرتها الطويلة معها ودرايتها التّامة بها، وإيران الإسلامية أعرف وأدرى بحقيقة أعدائها.
من يعرف حقيقة امريكا لا يمكنه أن يصدّق بأقوالها وعروضها، البادية في ثوب انسانية تخفي نظام فقد جميع قيمه وتحوّل إلى بكلّيته الى شيطان مارد، ولو كانت أمريكا صادقة فيما عرضته بخصوص إيران، لبادرت برفع العقوبات عليها ولو جزئيا، حتى يسهل عليها مكافحة الفايروس كورونا، لكنها لن تفعل ذلك، فهي لا تزال تمنع وصول المساعدات الانسانية، وحتى مشتريات إيران من الأجهزة والمواد الطبية من المانيا توقفها وتجمّدها، كما جمّدت من قبل أموال إيران الضخمة في البنوك العالمية.
نقض ترامب للإتفاق النووي، الذي أبرمه سلفه أوباما مع إيران، بمشاركة مجموعة الدول الدائمة العضوية في مجلس أمن الأمم المتحدة، وهي الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين، بالإضافة إلى ألمانيا، يسقط أيّ إدّعاء أمريكي بحسن النيّة تجاه إيران، ويضعها وحدها في قفص الإتّهام والإدانة، على سلسلة جرائمها بحق إيران حكومة وشعبا ومقدّرات على مدى 40 عاما، أغلب دول العالم اليوم إن لم نقل كلّها، أصبحت تعرف حقيقة أمريكا، لكنها لا تجرؤ على معارضتها، خوفا من قطع هباتها ومساعداتها عنها، ومن يعارضها كإيران يتعرّض للعقوبات، فيكفي إيران في هذا الاطار عزة وفخرا، بأنها عدوّة شيطان إنس، لا يعرف الى قلبه طريقا للرحمة الانسانية، وتفرّدها في هذه المواجهة القيمية، يضعها في أعلى درجات حقانية مواقفها.
(*) سورة المائدة الآية 54

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024